Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

إن الحديث عن العلاقات المنحرفة بين الجنسين من المسائل المهمة والاستراتيجية، والتي تخص كل رجل وامرأة، خاصة في هذا العصر الذي يعتبر قمة في التفاعل بين الجنسين، من حيث ارتفاع الحواجز، وتيسر أدوات التعامل والاتصال.. وتبعاً لذلك ما يلاحظ هذه الأيام من كثرة الانحرافات والتجاوزات عن الحدود الشرعية بين الجنسين.

س١/ من المعلوم أن هناك علاقة تجاذبية فطرية بين الجنسين، فما هي الضوابط الشرعية لهذه العلاقة؟..
إن مسألة التجاذب هي من دواعي الحكمة الإلهية في عالم الوجود: فهناك الجاذبية الكونية، التي أبقت هذه الأفلاك والمجرات في مداراتها.. والجاذبية الأرضية، التي حفظت هذا الوجود وهذا التوازن.. وكذلك التجاذب الموجود في الذرة، الذي عندما يرتفع ويتخلخل؛ يحدث الدمار الهائل.. ومن تلك الصور الجاذبية بين الجنسين المرأة والرجل، حيث جعلها الله تعالى لبقاء الوجود البشري، ولولا هذه الجاذبية لم يستمر السير التناسلي؛ لأنه كما نعلم بأن تشكيل الأسرة من موجبات تحمل المسؤليات والانزعاج وغيره.. ولكن ذلك إذا لم يحكم بالضوابط الشرعية، فسيؤدي إلى انتشار صور الفساد في الأرض، وتكون المسيرة التكاملية والتنمية الاجتماعية والتكاثر الشرعي عرضة للخلل.
إن الشارع المقدس سياسته مبنية على الوقاية، فهو لم ينفِ هذه الجاذبية، بل هو الذي جعلها، قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ}.. فمن الملاحظ في هذه الآية الكريمة، أن أول شهوة تذكر هي شهوة النساء، ولهذا فإن الشارع المقدس أراد للرجل، أن يتعامل في ضمن إطار شرعي، محكوم بكافة الضوابط العقلانية والعرفية؛ تجنباً للوقوع في المعصية.. فوضع سلسلة من الأحكام الشرعية، والتي قد لا تبدو مستساغة عند البعض، بحيث يعيش قي قرارة نفسه حالة التبرم أو عدم القبول.. والحال بأن الإيمان الكامل، يتوقف على أن لا يجد الإنسان في نفسه غضاضة، أو حرج مما قضى الله ورسوله، بل يسلم تسليماً كاملاً.. فلو أننا التزمنا بهذه القواعد الشرعية، بالابتعاد عن كل ما يثير العواطف في هذا المجال؛ لوفرنا على أنفسنا كثيراً من هذه السلبيات.

س٢/ ما هي النصيحة التي توجهونها للشباب المبتلي بالانحرافات السلوكية؟..
إن العين تمثل البوابة الأولى لدخول الشيطان لقلب الإنسان، والمشكلة ليست في انعكاس الصورة على شبكية العين، بل في التفاعلات السلبية لتلك الصورة في الوجود الباطني.. وعليه، فإن الله تعالى قد منَّ على الإنسان بجفنين، يستطيع من خلالهما أن يتحكم في نظره، بإطباق الجفنين أو بتغيير زاوية النظر.. والإنسان قد لا يطالب دائماً بغمض العينين، ولكنه مطالب بغض البصر كما في الآية الكريمة: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ}.. أي عليه أن يصرف نظره عن كل الصور المحرمة، ويبدو أن مسألة استراق النظر المريبة، كانت حتى في زمان النبي الأكرم (ص)، حيث نقل أن امرأة مرت من نساء المسلمين، فجعل صحابي ينظر خلفها وهو مسلوب الفؤاد والفكر.. فارتطم وجهه بعظم أو زجاجة في الحائط، وسال الدم على وجهه وصدره، ولكنه سرعان ما عاد إلى وعيه، وذهب إلى رسول الله ليخبره بما جرى عليه؛ فنزلت آية قل للمؤمنين.. فإذن، إن السيطرة على المحرمات في هذا المجال، تكمن في حفظ البصر عن كل ما هب ودب.

س٣/ ما مدى خطورة الخلوة بالأجنبية؟..
هناك خلوتان: واحدة مريبة محرمة.. وأخرى غير مريبة، ولا يؤاخذ عليها الإنسان إذا كان مأمونا من الزلل.. ولكن الإنسان المؤمن يحسب حساب العدو اللدود، الذي يحمل في قلبه حقداً دفيناً وعريقاً لآدم وولده، والذي يريد استغلال الفرص لإيقاعه في شباكه، ومن سبله أن يوحي للإنسان بالقوة والقدرة، وأنه فوق كل تلك المؤثرات والإغراءات.. والحال بأن السياسة الشرعية قائمة على أساس اتهام النفس {وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}، ومما ورد في الروايات أن امرأة خثعمية جاءت إلى الرسول الأكرم (ص)، وكان الفضل بن العباس رديف رسول الله(ص) (أي راكباً خلفه على الدابة)، فأخذ ينظر إليها وتنظر إليه، فصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وجه الفضل عنها، وقال: (رجل شاب وامرأة شابة.. أخاف أن يدخل الشيطان بينهما).. إن النبي (ص) ضرب لنا مثلاً فلنقتدي به: مر صحابة على الرسول (ص) ومعه امرأة، فقال: اشهدوا عليَّ فهذه عمتي صفية.. مع أنه (ص) معصوم من أي زلل، ولكنه أراد أن يعطي درساً لأمته، ويقطع الشبهات.. وهكذا كان أمير المؤمنين علي (ع) أيضا، كان يقول بأنه يكره السلام على الشابات من النساء.. أراد بهذه العبارة أن يعطي للمؤمن درساً، وهو أن لا يفتح على نفسه باباً، يخشى أن تنفذ منه بعض الرياح الشيطانية.

س٤/ هذه الأيام راج الفساد بأشكاله المتعددة، تبعاً لوسائل الاتصال الحديثة من الفضائيات والإنترنت وغيرها، ومن هذه الأمور التي شاعت مسألة المحادثة بين الجنسين عبر الإنترنت.. فما هي طرق الوقاية من ذلك؟..
نحن لسنا من دعاة الحجر على العقول، وعدم التلاقح الفكري، وانتقال الثقافات، وإيجاد أجواء من البحث العلمي البريء بين كل صنف ونظيره.. ولكن المشكلة -من خلال التجربة، على حسب الشكاوي المنقولة- أن الرجل أو المرأة يدخلان في أجواء مريبة، فيدخل الشيطان فيها؛ ليزرع شيئا من المشاعر الطيبة بين الجنسين.. ومع الأسف فإن الضحية في الأعم الأغلب هي المرأة، والتي من المفروض أن تكون على مستوى من اللباقة والفطنة، ولا تتأثر أو تصدق ما ينقل عبر الأثير، فتوقع نفسها في فخ إنسان محتال، قد موّه كثيراً من الحقائق؛ ليصل لأغراضه القبيحة الدنيئة.. إذ أن البعض -مع الأسف- قد يتقمّص شخصية العالم الواعظ، ولكن بعد فترة يتحول الأمر إلى مسار آخر.. وعليه، فإنه ينبغي تحديد الهدف من هذه المحادثة، إن كان من باب البحث العلمي فلا ضير.. وإلا ينبغي ترك الاتصال؛ لئلا يصل الأمر إلى حد التورط، وحينها لا ينفع الندم.. ومن المعلوم أن الإسلام الذي نهى عن الضرب بالأرجل، حتى لا يؤثر صوت الخلخال في قلوب الرجال، تراه يجوّز للرجل المقدم على الزواج، النظر إلى مفاتن المرأة قبل أن يعقد؛ وذلك لأنه في حركة واقعية لا وهمية.

س٥/ ما هو دور تربية الوالدين في تحصين البالغين، في مجال عدم التأثر بسلبيات الشهوات؟..
أولاً: اختيار المرأة الصالحة وقد أوثر عن النبي (ص) قوله: (اختاروا لنطفكم، فإن العرق دساس، وإن الخال أحد الضجيعين).. فالإنسان المؤمن لا يكتفي بالمظهر أو بالثروة والجاه وما شابه ذلك، بل إن نظرته نظرة إيمانية، فعليه أن يحاول الاقتران بما يعينه على دينه، ويكوّن له الذرية الصالحة.. وقد ورد في الروايات: بأن أثر إدمان الخمر ينتقل إلى أجيال لاحقة.. وقد ثبت ذلك طبياً، بأن المرأة المدخنة أو الكحولية، تنقل سلبيات ذلك إلى الجنين.
ثانياً: الالتزام بالمستحبات الدعائية مما ورد في هذا المجال، سواءً ليلة الزفاف، أو في فترة الحمل.
ثالثاً: الإكثار من قراءة هذه الآية: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}.
رابعاً: الحرص الشديد على المعاش المحلل، والطعام الحلال.
خامساً: مراقبة الأولاد قبيل أيام البلوغ: بتمهيد المقدمات قبل سن البلوغ: تأديباً، وتمريناً على الصلاة؛ حتى يتم التكيف والتعود على الأحكام الشرعية.
إن مهمة الآباء لا تقتصر فقط على الاعتناء الخارجي: مطعماً، وملبساً، وغيره.. بل الأهم من ذلك العمل على إصلاح باطن الولد؛ لأن ذلك هو الباقي بعد فناء الإنسان.. ويكفي أن نعلم بأن العلاقة الأسرية، علاقة خالدة تبقى إلى أبد الآبدين.. كما في الروايات أن الإنسان يدخل الجنة، فيبحث عن ذريته، حتى أنه يسأل عن خويدمته التي كانت معه في الدنيا

س٦/ ما هو الحل العملي لمشكلة العادة السرية بين الجنسين؟..
ورد عن النبي (ص) أنه قال: (لعن الله الناكح كفه)، وروايات أهل لبيت (ع) تشنع بشكل واضح على هذه الحركة المشينة، وكذلك فإن الطب يصرح بمدى خطورة هذه العادة على مستقبل الحياة الزوجية، وعن الأمراض المكتنفة لها.. هذا علاوة على حالة الكبت الشديد، والاكتئاب المزمن، وحالة العذاب الداخلي؛ نظراً لمرارة الحرمان، والإشباع الكاذب.. وعليه، فإنه لابد للأبوين من مراقبة هذا الأمر، الذي يبدأ في أوائل سن البلوغ، وخاصة مع الإثارات الموجودة، وأجواء المعاشرة المؤثرة.. وأيضاً تشجيع ظاهرة الزواج المبكر.. وأخيراً: إذا أراد ممارسة ذلك المحرم، عليه بتغيير الحالة التي هو فيها؛ لئلا يختلي مع نفسه، ويتيح الفرصة لتلك الأجواء الشيطانية.

س٧/ كيف يمكن للآباء المحافظة على أبنائهم، من التأثر السلبي بسلوكيات الأولاد المنحرفة في المدرسة؟..
إن المدارس مع أنها تعلم المناهج العلمية، إلا أنه من زاوية أخرى قد تمثل تجمعاً للعناصر الفاسدة.. وعليه، فإنه ينبغي الاهتمام بذلك، وإذا لزم الأمر اختيار المدارس الخاصة، التي تحصن الذرية من الوقوع في الانحراف.. وأيضاً تقويض العلاقات المدرسية بمقدار اللوازم العلمية، والحذر من التعلق القلبي، والخروج للمتنزهات، والتزوار، وغير ذلك.

س٨/ ما هي التوجيهات الشرعية للأشخاص المبتلين في العمل بالاتصال بنساء ملتزمات أو غير ملتزمات؟..
إذا كان هو صاحب القرار، لا يورط نفسه بتوظيف مجموعة نسائية غير ملتزمة، يخشى أن يسببن له الانحراف.. ولا بأس في أن يكون للزوجة المؤمنة دور توعوي تنبيهي، إذا رأت في زوجها بدايات الانحراف.. وأما إذا كان المؤمن مضطراً في وظيفة بها جو نسائي، فعليه أن يُفهم الجو الذي يحيط به، بأنه إنسان جدي فوق الأباطيل.. ورب العالمين يضفي عليه حالة من حالات الهيبة والوقار، التي تصرف عنه السوء والأذى.

س٩/ كيف تمنع الأسرة أبناءها من ارتياد ومشاهدة الأفلام الإباحية سواءً على الإنترنت أو غيره؟..
كما أن الإنسان المؤمن حريص على أن لا يأكل ولده طعاماً مشبوهاً انتهت صلاحيته، كذلك ينبغي عليه الاهتمام بما هو أهم من ذلك، وينظر في الثقافة المنحرفة المستقاة من هنا وهناك.. {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} فسر أيضاً عن علمه ممن يأخذه.. فإذن، لابد من السيطرة في استخدام الأدوات الحديثة، والمراقبة، ووضعها في مكان عام، وفي ساعات معينة، وضمن خطوط آمنة.. وإلا فعليه أن لا يدخلها إلى بيته، إن أمكن.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.