Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

س١/ من الواضح من خلال النصوص الشريفة أن هنالك أهمية خاصة للاستقامة، فما مدى أهمية الاستقامة في حياة الإنسان؟..
إن هذا البحث -الاستقامة في الحياة- من الأبحاث الاستراتيجية المهمة؛ لأن المشكلة تكمن في أن الإنسان يخطو بعض الخطوات للإمام، ولكنه ما يلبث أن يتثاقل ويخلد إلى الأرض، كما يعبر القرآن الكريم، حيث ترديه الرياح المعاكسة والتيارات المضادة.
والحال بأن النبي الأكرم (ص) كان عندما يصل إلى سورة هود، يقول: شيبتني هذه السورة، لآية فيها أوجبت ثقلاً بليغاً على قلبه الشريف، وهي قوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.. فإذا كان رسول الله (ص) تشيبه هذه السورة، وهو المتحذر لكل الخطابات القرآنية، ليكون على مستوى التنفيذ الكامل لكل ما ورد من قبل الله، فكيف بعامة المؤمنين!..
ونحن من خلال سيرة النبي المصطفى (ص) نلاحظ: بأنه لم يحقق ما حقق إلا من خلال استقامته في دعوة الناس، وصبره على مقارعة أعتى الجاهليات في تاريخ البشرية، حيث ظل ثلاث عشرة سنة، وهو يقاوم تلك المقاومة الكبرى، حتى كانت سنوات القطاف في المدينة، حيث كوّن الدولة الإسلامية، وبدأ في المد الرسالي.
وفي هذا درس لنا: بأن الذي يريد أن يحقق المكاسب الكبرى في الحياة، لابد له من الإصرار على مسألة الاستقامة، وعدم اليأس، لبلوغ النتائج والأهداف التي يسمو إليها.
إذ من الواضح أن أهداف المؤمن، أهداف كبرى بعيدة المنال، وهي: إقامة خلافة الله في الأرض، وتحقيق العبودية المطلقة له عز وجل.. فإذن، إن الأمر يحتاج إلى جهد جهيد، ومن هنا فإن قطف هذه الثمار، لا يتم إلا من خلال الاستقامة في درس العبودية.

س٢/ كيف ننال الاستقامة؟..
هنالك عدة عوامل، نورد منها:
* وضوح الهدف: فالإنسان الذي يعيش حالة الضبابية في الأهداف، لا يمكنه أن يستقيم؛ لأنه لا يمتلك تصوراً واضحاً عن الهدف الذي يسعى إليه.. ومن هنا نجد بأن دعاة البرمجة في الحياة -هذه الأيام- في الإدارة، والإعلام، والدراسات، وغير ذلك، يقولون بضرورة كتابة الأهداف: السنوية، والمرحلية، والاستراتيجية على الورقة، وثم تشخيص معالمها.
ومن المعلوم أن المؤمن هو ممثل رب العالمين في الحياة في أي موقع كان.. نعم، آدم هو أبو الخلفاء وعلى رأسهم، ولكن لا ينبغي أن يكون الإنسان من نطفته فحسب!.. وإنما من روحه، وعلى منهجه.
* وضوح الأساليب الموصلة لهذا الهدف: ثم إن الذي يرى هدفه واضحاً أمامه عينيه، ولكنه يفتقر إلى الآلات والأساليب الموصلة، لا شك في أنه سيظل قابعاً في مكانه دون حراك، ومن هنا لابد من وجود ما يوصله إلى هدفه.
* الهمة العالية: إن البعض من الناس يشترك مع البهائم أو دواب الأرض في أنه: جسم نامٍ متحرك بالإرادة -ما يقال في وصف الحيوان- أي أنه لم يتجاوز مرحلة النمو والتحرك والاستمتاع بالإرادة، كما يقول القرآن الكريم: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}.. والحال بأن المؤمن من ذوي الهمم في هذه الحياة، وهمته الكبرى هي: البرمجة للحياة الخالدة عند الله، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
ومن المعلوم أن الإنسان إذا علت همته، فإن أعضاء البدن تنسجم مع الهدف المقصود، وهذا ما يشير إليه الحديث: (ما ضعف بدن، عما قويت عليه النية).. وكذلك في هذا البيت: إذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسام
أي أن الأجسام تتأقلم مع الأهداف العليا، ولكن -مع الأسف- بعض الناس لا يمتلكون هذه الهمة العالية في حياتهم، واقتنعوا بالحياة البهيمية: منكحاً، ومشرباً، ومطعماً.. ولم يفكروا في ما وراء هذه الأهداف الصغيرة.
* أن يرى هالة من اللذة والارتياح في الهدف الذي يسعى إليه: نحن نلاحظ أن القرآن الكريم في جانب تحديد هدف الخلقة والوجود، يذكر الجنة والحور والقصور وغيرها من اللذائذ، وكأنها من نتائج الخلقة؛ أي أن الإنسان إذ عبد ربه حق عبوديته، فإن له في النهاية هذا النعيم.. ولعل السبب: هو أن الإنسان بطبيعته يميل إلى الوصول إلى الأهداف اللذيذة والجميلة، ومن هنا لزم أن تقترن الدعوة للعبودية بمظاهر التلذذ الحسي.

س٣/ الملاحظ عند الكثيرين أنهم يكتسبون مكتسبات روحية كبيرة، لكن سرعان ما يبتلون بفقدها، فما هو السبيل لحفظ هذه المكتسبات؟..
نعم، فالكثير يشتكون من هذه المسألة -فقد المكتسبات، والابتلاء بالإدبار- في مواسم الطاعة الزمانية والمكانية: كالحج، وشهر رمضان، وزيارة المشاهد المشرفة.
والسبب في ذلك: هو أن هذه المكاسب لا تتغلغل في الأعماق، بل لا تتجاوز حالات التفاعل الشعورية من التأثر والبكاء وما شابه ذلك.. ومن هنا إذا لم يحدث تغيير جوهري في أعماق الوجود، فليس بمكسب، وسيزول بسهولة بفعل العوامل الخارجية المعهودة في هذا المجال.
والبعض يشبه هذه الحالة بحالة مسلم بن عقيل؛ فالذين التفوا حوله لم يكن لأجل رؤية فكربة واضحة لخط الإمامة، بل كان من أجل الخلاص من طاغية الفساد يزيد، واستبداله بإمام الهدى والعدل الحسين (ع)، ولهذا فإنهم عندما رأوا بأن المسألة فيها دماء وابتلاء، مالوا إلى الإغراءات، وانفضوا عن مسلم.

س٤/ من المعلوم أن المغتربين يعيشون ابتلاء كبيراً من ناحية الفساد الأخلاقي، فكيف يمكن لهؤلاء أن يحافظوا على استقامتهم في بلاد الاغتراب؟..
أولاً أنا أحيي الذين استقاموا في بلاد الغربة والمهجر، فهؤلاء يؤتون أجورهم ضعفين؛ لأنهم يسبحون خلاف التيار.
وأقول: بأنه إذا كانت الاستقامة في بلادنا من موجبات التكامل، والوصول للدرجات التكاملية المستحبة لا الواجبة -من باب تزيين الإيمان- فإن الاستقامة في بلاد الغرب عنصر جوهري، وليس أمراً ثانوياً.
لأن الذي يعيش في بلاد الغرب، يواجه حرب في جميع الجهات والمرافق الحياتية.. وبالتالي، فإنه إما أن يعلو، أو أن يسقط، كالإنسان الذي يدخل الميدان، فهو بين أن يقتل أو ينتصر.. أما الجالس في منزله فهو بعيد عن أي مواجهة. ومن هنا فإن الذي لا يقاوم، فسيسقط وستهوي به الريح في مكان سحيق.. وأما الذي يستقيم، فسيحقق أعلى درجات القرب من الله عز وجل.
ولنا في يوسف (ع) أسوة حسنة، فلو أنه لم يتحدَ تلك المواجهة في قصر فرعون؛ لما وصل إلى ما وصل إليه.. وكل واحد هو مشروع يوسفي، لأن يكون من المقاومين في بلاده، وليفوز بما فاز به الأنبياء في هذا المجال.
ثم إن الإنسان المؤمن عليه أن يحسب حساب هذه الفترة المؤقتة في تلك البلاد، ولا يغتر بالمكاسب والمتع الرخيصة؛ لأنه سيرجع إلى بلاده، أو أنه بالموت صائر إلى لقاء ربه، فحتى لا يعيش الأسى والأسف، عليه أن يحسب حساباً لذلك.
ومن أهم موجبات الاستقامة في بلاد المهجر: هو الالتزام بإقامة الصلاة في أول أوقاتها في أي مكان كان، كما يقول تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ}.. وكذلك الاتصال بمراكز الهدى المتيسرة في ذلك المكان، ومن المعروف بأن الذي يرتاد هذه المراكز في بلاد الغرب، يعيش جواً إيمانياً متميزاً، لا يعيش أمثاله في بلاده.

س٥/ ألا يكفي الإيمان وحده لبلوغ مراحل التكامل عند الإنسان، أم أنه يجب أن يكون هنالك استقامة؟..
إن الإيمان لوحده لا يكفي لبلوغ المراحل الكمالية، وهذا ما تشير إليه هذه الآية الكريمة: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا}.. فنلاحظ بأن الله تعالى جعل الاستقامة قيداً مع الالتزام بمنهج الإسلام الرباني، لنيل المكاسب الروحية والمادية.. ومن هنا فإنه عند ظهور الإمام المهدي (عج) تكثر الخيرات والبركات، والأرض تظهر كنوزها.. فإذن، إن هنالك ارتباطا متلازما بين الرقي الروحي والتقدم المادي، وبين الاستقامة على طريقة التقوى والمجاهدة.
وفي آية أخرى، يقول تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ}.. ونلاحظ بأن الله تعالى يعبر عن الإسلام والقرآن بأنه (ذكرٌ) للذي يني نفسه على الاستقامة، وأما الذي يكون خلافأً لذلك، فلا شك بأنه سيغفل وسيسقط قريباً أو بعيداً.

س٦/ من مصاديق الاستقامة: المقاومة والوقوف أمام التيارات الفكرية المنحرفة، فكيف يمكن أن نربي جيلاً يتمتع بالاستقامة والمقاومة معاً؟..
إن مشكلتنا هذه الأيام لا تنحصر بالشهوات في عالم الغرائز، بل أن هنالك شهوات في عالم الحسيات، وشبهات في عالم العقلانيات.. ولا يخفى دور الاستعمار والعدو في العمل، من أجل تفريغ الإنسان من محتواه العقائدي والفكري.. ومن المعلوم أن المجتمع لو تخلى عن الإيمان، وترك الشريعة والاستقامة؛ فإن مآله إلى التوغل والسقوط في أوحال الغرائز الباطلة والمحرمة.. والشاهد على ذلك، ما خلفه المد الشيوعي الذي غزا العراق، من حالات الميوعة والتبرج في الشوارع وغير ذلك.

س٧/ ذكرتم بأن الجالس في بيته ليس في معرض الابتلاء، والحال بأن الغزو الثقافي أضحى في كل بيت؟..
عندما قلت: بأن المواجهة شديدة في بلاد الغرب؛ أعني بذلك قمة الابتلاء، وإلا لا شك بأنه في بلادنا اليوم تفشى هذا الفساد، فإن ما يحدث في بلاد الغرب، يصور ويبث عبر الفضائيات.. وهنالك اليوم ما يسمى بالبعد الثلاثي، حيث يكاد الإنسان وكأنه يرى واقع الأمور.
نعم، نحن في زمان القابض على دينه -كما في الروايات- كالقابض على الجمر، ولكن القابضية على الجمر تختلف شدة وضعفاً، فهي بلاد الغرب أكثر.

س٨/ ستكون – بعد أيام- احتفالات المسيح (ع)، ففي ظل هذه التلوث الثقافي عند كثير من المسلمين، ما هي نصيحتكم في هذا المجال؟..
لا أدري كيف سيواجه هؤلاء المسيح، إذ جعلوا يوم ذكراه قمة في الفساد والإجرام.. فينبغي ألا نساهم في تشجع هذه الظاهرة.. نعم، نحن لا نمنع من ذلك، بل نشجع على إحياء ذكر كل نبي من أنبياء الله، وكل إمام من أئمة أهل البيت؛ ولكن كل ذلك في سبيل ترويج الشريعة، وبالأساليب التي دعا إليها الدين.
فالمسيح هو نبي الله، آتاه الله الكتاب، وهو من الأنبياء الذين تميزوا بلقب روح الله عيسى، ثم إن القرآن الكريم -أقدس متن في حياة البشرية- خلد ذكر المسيح وأمه مريم، وكذلك روايات أهل البيت (ع) زاخرة بوصاياه (ع).

س٩/ كيف يمكن للإنسان أن يكون مصداقاً للاستقامة الحقيقية؟..
إن القرآن الكريم بآية صريحة يعد المستقيمين وعداً بليغاً، في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}.. إن من أتم مصاديق المدد الإلهي: هو ملائكة النصر في بدر، حيث أنزلها الله تعالى على المسلمين، بسهامها التي كانت تتبع الكفار -اتباع الصواريخ اليوم بالطائرة- لما استقاموا في مقارعة قريش.. وعليه، فإن الإنسان الذي يستقيم، سوف تتنزل عليه موجبات النصر الإلهي؛ تسديداً للقلب والفؤاد وغير ذلك من موجبات التثبيت الإلهي.

س١٠/ ما هي آداب الزيارة الصحيحة لمراقد أئمة الهدى (ع)؟..
من أهم آداب الزيارة أن نعلم بأن هذه الذوات ذوات حية ترزق عند الله، فإذا كان الشهيد العادي حي يرزق عند الله، فكيف بنبي الشهداء، فكيف بأئمة الشهداء!..
فإذا الإنسان اعتقد بحياة المعصوم، وأنه يشهد مقامه، ويسمع كلامه، ويرد سلامه.. أعتقد بأنه ستكون له حالة متميزة في مشاهدهم، وإن لم يتوفق أن يقترب من القبر أو ما شابه ذلك.. فإذن، هذه الحركة الروحية أو الاتصال الروحي بصاحب المقام وصاحب المشهد من أهم آداب الزيارة.

س١١/ ما هي الأسباب التي تجعل الإنسان يتراجع، ويكسل بعد فترة من المشي في طريق الاستقامة؟..
أنا أعتقد بأن الحركات القلبية العاطفية في المشاهد: بكاءً، وتوسلاً، ونحيباً.. إذا لم تتحول إلى رؤية فكرية، وإلى عزم باطني، فلا تغيير في البين.. إن زينب (ع) في يوم عاشوراء أبكت كل عدو وصديق، ولكن الحر بكى بكاءً فعالاً مغيراً، ترجمه إلى عمل، حيث ذهب إلى معسكر الحسين (ع).
إن البعض -مع الأسف- هدفهم من الزيارة: هو قضاء الحوائج، فإذا لم تقضَ رجعوا، وكلهم سخط على هذا المعصوم!.. والحال بأن الغرض الحقيقي، يجب أن يكون هو التحول الجذري بعد هذه الزيارة، ومعايشة الملاكات التي صار بها المعصوم معصوماً.

س١٢/ هل توجد أذكار معينة تساعد المؤمن على الاستقامة؟..
إن عالم الأذكار اللفظية، عبارة عن حركة على الألسن، وما يرومه المؤمن من المقامات المعنوية العليا هو حركة في القلب والروح، فكيف يمكن أن يوجد ما هو على اللسان تأثيراً في الأرواح!.. فإذن، الذكر أيضاً لابد أن يحول إلى حالة شعورية.
ثم إن العلماء ينصحون بالذكر اليونسي سجوداً، في حالة انقطاع وتوجه؛ أي بالحالة اليونسية أيضاً!..
وأما عن الأذكار؛ فإن المداومة وتكرار ما ورد من الأدعية، مثل المناجيات الخمس عشرة وغيرها، مما قطعاً تفتح للمؤمن الآفاق التي تسوقه إلى عالم الاستقامة.

س١٣/ تفضلتم بأن من مصاديق الاستقامة هو إقامة الصلاة، فما هي المصاديق البسيطة التي يمكن للإنسان السالك الاستفادة منها؟..
إن من مصاديق الاستقامة: هو معاشرة الصالحين، أي أن يعيش الإنسان مع المستقيمين؛ لما في ذلك من التشجيع والاقتداء.. وهذا ما نلاحظه في نبي الله موسى (ع) عندما كُلف بمقارعة فرعون، حيث طلب من الله تعالى أن يشد أزره بأخيه هارون؛ لأن ذلك من موجبات الذكر الكثير لله عز وجل، قال تعالى: {وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا}.

س١٤/ كنا نتحدث عن الاستقامة الفردية، فماذا عن استقامة الأمة مقابل الأمم الأخرى؟..
إن الغرض الأكمل من بعثة الأنبياء والأوصياء والمرسلين، هو تكوين أمة تدعو إلى الخير: تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، كما في قوله تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}.. وهذا الغرض لا يتم إلا من خلال البيئة الإيمانية الصالحة، ومن هنا فإن المنهج الإسلامي يريد منا أن نقيم الجو الملائم، لإنبات القابليات المستبطنة في بذور هذه الأمة.. نعم، إن الفرد المؤمن بإمكانه أن ينبت إنباتاً مستقلاً، ولكنه إذا ما وضع في بيئة إيمانية فسيشتد نموه.. ولهذا فإن الإمام المهدي (عج) في حركته المباركة، يهيئ المناخ المناسب لنمو كل القابليات البشرية، وبظهوره (عج) تكمل عقول العباد، وتشتد الحركة التكاملية إلى الله تعالى.

س١٥/ هنالك فقرة في دعاء كميل، تقول: ( يا إِلهِي، وَسَيِّدِي، وَمَوْلايَ، وَرَبِّي!.. صَبَرْتُ عَلى عَذابِكَ، فَكَيْفَ أَصْبِرُ عَلى فِراقِكَ؟.. وَهَبْنِي صَبَرْتُ عَلى حَرِّ نارِكَ، فَكَيْفَ أَصْبِرُ عَنِ النَّظَرِ إِلى كَرامَتِكَ؟.. أَمْ كَيْفَ أَسْكُنُ فِي النّارِ وَرَجائِي عَفْوُكَ)؟.. نريد منكم توضيحاً لذلك، لأن الإمام علي (ع) من غير المنطقي، أنه سيدخل النار حتى يشعر بحر نارها؟..
لابد أن نعلم بأن استغفار أمير المؤمنين والأئمة (ع) لها توجيهات عديدة، منها: أنها بلسان الداعين بشكل عام، ومنها تعليم الآخرين على كيفية الحديث مع رب العالمين.. ثم إن الحالة التضرعية قد لا يراد بها الألفاظ بدلالاتها المطابقية، فهنا علي (ع) أحب أن يسجل موقفاً مع رب العالمين: بأن تألمه من فراق وجه الله -عز وجل- أشد وأثقل على قلبه من تألمه بالنار، وفي هذا قمة في الذوبان والعشق الإلهي.

س١٦/ في دعاء البهاء: (اللهم إني أسألك بجمالك بأجمله، وكل جمالك جميل، اللهم أني أسألك بجمالك كله..) لماذا هنا التعميم بعد التخصيص؟..
إن رب العالمين هو مظهر الجمال في هذا الوجود: من جمال الوردة وهي نبتة، إلى جمال الطبيعة وهي جماد، إلى جمال حسان الوجوه من بني آدم: إناثاً وذكوراً .. فكل هذه من مظاهر الجمال الإلهية، ورب العالمين هو المصور في ظلمات الأرحام.. وأما جماله الذي يترشح منه كل هذا الجمال، فهو ذلك الجمال الذي لم يطلع عليه إلا أولياء الله في جوف الليل وفي أدعية سحرهم، حيث تجلى لهم بشيء من هذا الجمال، فجعلهم يعيشون هذا الهيمان وهذا الألم، الذي نجده في كل شعرائهم وناثريهم، من لوعة الفراق الإلهي.
ومن هنا، نقول: بأن الذين تستهويهم عشق الفانيات من النساء وغيره، ليسألوا ربهم أن يريهم شيئاً خفيفاً من ذلك الجمال الذي يتجلي لأهل الجنة، فيشغلهم عن الحور والقصور.. ولهذا فإن إمامنا السجاد (ع) في مناجاة المريدين، يخاطب رب العالمين بوصف شاعري بليغ ورقيق جداً، فيقول: (يا نعيمي وجنتي)!.. أي يا رب، إذا وهبت نفسك لي فأنا في الجنة.. وعلي (ع) يرى المسجد أحب إليه من الجنة؛ لأن فيه رضا ربه.
وأما التعميم بعد التخصيص: (أسألك من جمالك بأجمله): أي ذلك الجمال الإلهي الذي يطلبه، ويقصده الأنبياء والأوصياء والكملون من البشر.. أما (أسألك بجمالك كله): إن التعميم خير من التخصيص، ولكن هنالك خاصا في هذا العام، وأنا أركز على ذلك الخاص، وهو الجمال الإلهي المستوعب لهذا الوجود.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.