Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

س١/ ما هي ضرورة البحث الأخلاقي، وهل هو مختص بالفئة النخبوية من الناس؟..
هنالك أمران نعتقد بأن الجميع مطالب بهما، وهما: العلم والأخلاق، وهناك -مع الأسف- من يرى أن النخبة فقط هم المعنيون بذلك.. والحال بأننا نلاحظ في حياة النبي وآله (ع)، أن الفئة الملتفة حولهم كانوا من الطبقة الاجتماعية العامة.. حيث كان فيهم التمار، والزيات، وأصحاب الحرف المختلفة. ولم نشهد وجود أماكن مختصة بجماعة، يطلبون العلم وينفق عليهم من بيت المال. بل إن الطبقة الاجتماعية كلها كانت تسعى في هذا المجال، وهم الذين نقلوا لنا هذا التراث الروائي الضخم.. فإذن، هذا من جانب العلم. أما من جانب الأخلاق، فالإنسان في هذه الحياة الدنيا، لابد وأنه سيواجه ذلك اليوم، الذي سيسأل عن عمره فيما أفناه؟.. وعن ماله فيم أنفقه؟.. إذ من المعلوم أن الإنسان في هذه الفترة القصيرة من عمره، سيرسم حياته الأبدية سعادة وشقاءً. ومن هنا فإنه الضروري أن نعلم كيف نتقرب إلى واهب الوجود، وكيف نحول العلاقة إلى علاقة معايشة، بمعنى أن نحقق حالة العبودية، كما هو الحال في الزوجية والأمومة والوظيفة وما شابه ذلك.. فهل فكرنا يوما من الأيام، بأننا عبيد بين يدي الله عز وجل؟!.. إن الإحساس بالعبودية لها لوازمها الكثيرة، من التعبد والتأدب بين يدي المولى.. وعليه، أعتقد بأن هذا الأمر مما يعنى به الجميع، وبمراجعة سريعة لحياة السلف الصالح، نلاحظ أن في هؤلاء قسم من النخبة من العلماء والمفكرين، وآخر من الصالحين من الطبقات الكادحة، والتي لا تشار إليها بالبنان.

س٢/ مما لا شك فيه أن الحركة الأخلاقية من مصاديق السفر، لها مناهجها وطرائقها، ولكن هنالك بعض السلبيات المترتبة عليها بشكل طبيعي، منها الانطوائية والتقوقع، فكيف نعالج هذه الظاهرة؟..
ورد عن الإمام العسكري (ع) -ما مضمونه- أن الوصول إلى الله سفر لا يدرك إلا بامتطاء الليل.. ولابد للمسافر من زاد وراحلة، ولابد له أن يعرف العوائق والأعداء وقطاع الطريق.. وعلى رأسهم الشيطان الرجيم، الذي يتصدى له عند كل منعطف؛ إذ أنه يحمل حقداً دفيناً متأصلا منذ خلقة آدم.. وبالتالي، فإنه إذا رأى في أحد ميلاً للخروج عن سلطانه، والتمرد على عالم الشهوات والشبهات والغضب.. يستنفذ كل القوى، من أجل الإيقاع به في فخه.. وهو قد يترك الإنسان حتى يتقدم خطوات عالية، ثم يردي به قتيلا، كما فعل ببلعم بن باعوراء.. وعليه، فإنه يلزم على السائر معرفة خارطة الطريق، والإلمام بها من جميع الجوانب؛ ليأمن الوقوع في موجبات الزلل التي ترجعه إلى الوراء.
إن الحركة ضرورية جداً لإحداث التغيير في سلوك الإنسان.. نحن درسنا في علم الفيزياء، أن الجسم يميل إلى السكون ما لم يؤثر عليه بعامل خارجي، يعمل على حركته أو التغيير من وضعه. فالإنسان إذا لم يتحرك، ويعلن ثورته الباطنية، ويتمرد على الأبالسة؛ سيبقى على ما هو عليه.. ولطالما رأينا بعض الناس قبيل وفاتهم -في ساعات الاحتضار- وهو لم يتغير تغيراً جوهرياً عما كان عليه في أيام صباه، يعيش ويذهب من هذه الدنيا ولم يعرف ربه.
من الضروري أن نلتفت إلى الآفات في هذا الطريق، كما أنه في علم الطب يدرس علم الأمراض التي تفتك بالأبدان، أيضاً في علم الأخلاق يتعرف الإنسان بآفات هذا الطريق، ومن ضمنها آفة الانطوائية، التي هي انعكاس طبيعي لمن يكتسب بعض اللذائذ المعنوية، التي لا تقاس بها لذة النساء والأموال والجاه.. كان بعض علمائنا عندما يفتح له بعض أنواع الفتح الباطني في جوف الليل، يقول: أين الملوك، وأين أبناء الملوك من هذه اللذة؟!..
ومع أن هذه الحالة من التقوقع والعزلة قد لا تكون مكلفة كثيرا، إذ تبعده عن الوقوع في المنكر.. ولكن أيضاً لها تبعات كثيرة منها؛ ترك التأثير في المجتمع، والنهي عن المنكر، وقد يصل الأمر إلى أن يهمل أهله وولده، الذين أمره الله تعالى بوقايتهم من النار، حيث قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}.. فإذن، هذه مسألة مهمة: أن لا يترك الإنسان سعيه في الجهاد الرسالي في أي موقع كان، وهذا كان دأب الصالحين الأنبياء والمرسلين، حيث كانوا يجمعون بين حالات الليل، وجهاد النهار.

س٣/ إن البعض أثناء سيره ينمو نمواً غير متوازن، إذ يعتمد على طريقة دون الأخرى.. فالبعض قد يستهويه عالم الأذكار والأوراد، والبعض الآخر الرياضيات وترويض النفس.. فكيف تتم الموازنة في هذه الحركة؟..
إن البعض -مع الأسف- قطع الشريعة قطعاً، وأخذ منها ما يلائم مزاجه.. ومن المعلوم أن الشيطان عندما جادل ربه، وطلب إعفاءه من السجود لآدم نظير عبادة لا مثيل لها، جاءه النداء -بمضمون الحديث- أن اعبدني من حيث أريد، لا من حيث تريد.. إذ نلاحظ أن البعض في عالم الحركة التكاملية في السير إلى الله، يعيش عالم الأوراد والأذكار، وكأنه بقراءة دعاء معين، ينتقل إلى عالم الحب والعشق الإلهي!.. والحال بأنه لا سنخية بين العلة والمعلول -المؤثر والمتأثر- فإذا كان الهدف هو تغيير القلب، فما دخل اللسان؟!.. يقول الشاعر:
 إنَّ الكلام لفي الفؤاد وإنما *** جُعِلَ اللسان على الفؤاد دليلاً
وإنما في الحقيقة، أن اللسان يكشف عن المعاني الباطنية في القلب، ولا يحقق شيئاً فيه.. وعليه، فإن الجانب الوردي بهذه الكيفية أمر مرفوض. نعم، أمرنا بتلاوة القرآن وقراءة الدعاء، ولكن ذلك في ضمن المنهج العام.. كما نقرأ في وصف المتقين: (في الليل: صافون أقدامهم، تالين لأجزاء القرآن يرتّلونه ترتيلا، يحزّنون به أنفسهم، ويستثيرون به دواء دائهم.. وفي النهار: حلماء علماء، أبرار أتقياء.. لايرضون من أعمالهم القليل، ولا يستكثرون الكثير).. وهم أسود الحروب، كالحسين (ع) وأصحابه، ففي ليلة عاشوراء كان لهم دوي كدوي النحل، ونعلم ما عملوا في يوم عاشوراء.
والبعض الآخر -كما في الفرق الهندية والبوذية- مالوا إلى عالم الرياضات، وتذويق النفس أنواع من الحرمان في المأكل والمشرب، وترك النساء وغيره.. والحال بأنه لو كانت هذه الرياضيات مطلوبة، لكان الرسول (ص) أمر بها، لا أن يقول: (الزواج سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني).. ونعلم من ضمن هذه الرياضات: هو ترك أكل لحم الحيوان.. نعم، ورد نهي في بعض الروايات عن جعل البطون مقابر للحيوانات، ولكن أيضاً روايات أخرى تنهى عن ترك اللحوم بشكل مطلق.. فإذن، ينبغي مراعاة التوازن في جميع النواحي.

س٤/ إن الملاحظ على السائرين في هذا الطريق، هو ظهور حالة العجب.. فكيف نعالج هذه المشكلة؟..
من الممكن اعتبار هذه الحالة، بأنها العقبة الثانية من عقبات السير إلى الله.. فالإنسان عندما يتوفق في هذا المجال، وتنكشف له بعض الحجب، فيرى ما لا يراه الآخرون، ويفهم القرآن فهماً آخر، ويعيش في صلاته حالة من حالات اللقاء الإلهي.. تتولد عنده حالة العجب؛ فيستذوق ذاته، ويرى نفسه عظيماً.. وبالتالي، فإنه يتحول إلى عابد لهذه الذات.. ومع الأسف هذا هو المطب المتعارف الذي يقع فيه الكثيرون، ومن هنا نحن نؤكد دوماً على ضرورة امتلاك الرؤية المتكاملة لهذا الطريق؛ لتجنب الوقوع في مثل هذه المزالق.

س٥/ كيف نهذب الأنا ؟..
بلا شك أن النفس إذا لم تهذب، سوف تكون عرضة للانحرافات الخطيرة في هذا المجال.. كما هو حال الكثيرين عبر التأريخ، الذين رأوا شيئاً من النور الباطني، فتخبطوا في الطريق، وصاروا يتلفظون ألفاظاً لا تليق بالشريعة، ما يسمى في عرف القوم بالشطحات.
إن الله تعالى كرم بني آدم، وأراد منه أن يكون خليفة له في الأرض، بتحقيق العبودية الحقة لله تعالى.. ولا يكون ذلك إلا بتهذيب الذات، وأن ينظر الإنسان إلى نفسه لا على نحو المحبوبية الذاتية، بل على أنه وجود محبوب لمولاه، وأن عليه أن يسعى في نفسه لتحقيق المشروع الإلهي.. فالمؤمن -كما في بعض النصوص- بنيان الله في الأرض.
وبالتالي، هو يعيش حالة التذلل والوجل الدائم، ولا يمكن أن تتسلل إلى قلبه أي حالة من حالات العجب أو غيره، إذ لا يقر قراره إلا أن يلقى ربه.. ومن المعلوم أن هذه الحالة من التذلل والخشوع، كان يعيشها النبي الأكرم (ص)، وهو المبشر الموعود بالمغفرة التامة لما سبق ولحق، حيث يقول: (اللهم!.. لا تنـزع مني صالح ما أعطيتني أبداً.. اللهم!.. لا تشمت بي عدواً ولا حاسداً أبداً.. اللهم!.. ولا تردني في سوء استنقذتني منه أبداً.. اللهم!.. ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً).

س٦/ بلا شك أن العبد السالك يكون في رعاية المولى جل وعلا، إذ يكون محطاً لمدده الغيبي، فما هي ضوابط هذا المدد؟..
إن المدد الغيبي ليس بأمر إعجازي خارق للقوانين الثابتة، على سبيل المثال: الإعجاز الإلهي في جعل النار تكون خلاف طبيعتها المحرقة، بأن كانت برداً وسلاماً، أو تحول الماء إلى جدار.. بل هو يتطلب أرضية قابلة، ونية صادقة من العبد في حركته إلى الله تعالى.. وقد جاء في الحديث القدسي: (لا تسعني أرضي و لا سمائي، بل يسعني قلب عبدي المؤمن).
والقرآن الكريم طرح عينة من المدد الغيبي لامرأتين، وهما: أم موسى، إذ أوحى الله تعالى لها أن تلقي طفلها في النيل، وجعل قلبها فارغاً من خوف الأمومة، ثم رده إليها؛ كي تقر عينها -كما وعدها- بتلك الكيفية المعجزة، إذ حرم عليه المراضع.. وأم مريم التي نذرت ما في بطنها محررا لخدمة بيت المقدس، والله تعالى العليم بصدق النوايا، فتقبله منها قبولاً حسناً ورزقها مريم، التي حظيت بالعناية الإلهية، وكانت أم لنبي من أولي العزم.
فإذن، إن المدد الإلهي النازل على أم موسى، وعلى أم مريم، وعلى مريم، وعلى الأنبياء.. يحتاج إلى أرضية، وإلى صدق النية، والله تعالى في الوقت المناسب سينزل هذا المدد، ليعين عبده على السير في الطريق إليه تعالى.

س٧/ من ابتلاءات السالك في هذا الطريق، هي حالة القبض والبسط .. فما هي ضوابط هذه المسألة؟..
إن الإنسان السالك من الطبيعي أن تعتريه حالات التذبذب بين القبض والبسط؛ وفقاً لعوامل معينة: كالزمانية والمكانية، أو الصحية والنفسية، وغيره.. خلافاً للإنسان الملازم للسكون، الذي يعيش حالة من القبض المتصل، فيكون في نفور تام من التوجه العبادي.. ويقال: بأن الذي تعتريه حالة القبض بعد البسط، يعيش حالة الاختناق الشديد، كما يقول القرآن الكريم بالنسبة للمشركين: {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء}؛ لأنه افتقد حالة الأنس والاطمئنان بذكر الله تعالى، وبالتالي، فهو يعيش حالة من الاضطراب والضيق.
ومن هنا يلزم معرفة مناشئ القبض، التي من أهمها: ارتكاب المعاصي، فالإنسان العاصي متجرئ على الله تعالى، فيحرم من التفاتته، وترفع عنه المائدة المعنوية.. وعليه، فإنه لرفع هذه الحالة، ينبغي عمل استقراء شامل لمفردات الحياة، فإن وجد السبب، بادر بالاستغفار والتعويض عما بدر منه، وخاصة ما يقع في حقوق الغير.

س٨/ هنالك بعض السلوكيات الخاطئة للعبد مع الغير -وخصوصاً المستضعفين- لا تمت إلى الإسلام بصلة.. فكيف تنظرون إلى هذه المسألة، وتأثيرها على الحركة التكاملية للإنسان؟..
لا شك بأن من موجبات قساوة القلب، وحالات الإدبار الشديد، هي مثل هذه التصرفات السلبية مع الآخرين.. وخاصة المستضعفين منهم، أمثال الخادمات في البيوت، كما هو الحال عند البعض الذين يتعاملون مع الخادمة كالأمة.. والحال بأنها عاملة لها أجر وساعات عمل محددة، وهنالك شروط عمل.. أضف إلى أن الإساءة إليها من موجبات تعجيل العقوبة، مما يقلب الأمور عكساً، ويجر الوبال على الأسرة، كما هو مجرب ومشاهد عند الكثيرين.

س٩/ البعض يرغب بالاتصال العلوي؛ بحثاً عن الأمور الغيبية، مثل الكرامات والمشاهدات وغيره.. فما هو تعليقكم على ذلك؟..
إن مثل هؤلاء كمثل إنسان دخل على السلطان، وترش عليه الورود، فينشغل بالتقاطها واستشمامها عن اللقاء بسلطان السلاطين!.. والحال بأن هذا التصرف يعد من سوء الأدب والتقدير، ولا شك بأنه من موجبات الحرمان من اللقاء.. إن المؤمن في حركته إلى الله، قد يحصل على بعض الانكشافات الغيبية، أو الأحلام الصادقة، أو ما شابه ذلك، ويمكن اعتبار ذلك بمثابة الثمار المعجلة المحفزة على السير.. ولولا أن القرآن الكريم، ذكر لنا بعض هذه الخوارق لما صدقت، أمثال ذلك العفريت الذي أحضر عرش بلقيس.. ولكن بعض الأحيان تكون على نحو الوهم لا الحقيقة، كما هو مشاهد عند البعض، إذ يعيش أوهاماً من التصورات الذهنية.. وعليه، فإن الإنسان المؤمن لا يشغل نفسه بهذه الأمور، فهذه نتائج لا أهداف، وإنما الهدف الذي ينشده، هو الوصول إلى حقيقة هذا الوجود، وأن يحقق هدف الخلقة، وهي العبودية الحقة، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، لا لطلب الكرامات أو المنامات.

س١٠/ هنالك بعض المفاهيم والاعتقادات الخاطئة التي يجري وراءها الكثير من عوام الناس، بل حتى الطبقة المثقفة، مثل: قراءة الكف، والسحر، والخوف من تسلط الجن.. فما هي نصيحتكم في هذا المجال؟..
لا يمكن إنكار أن هنالك طاقات كامنة خفية مؤثرة في عالم الوجود، ولكن الدخول في هذا العالم له إشكالاته الشرعية، من باب أن التكهن يحتمل الإيذاء فيه للنفس وللغير.. وأيضاً له إشكال عقلي حضاري، إذ أن عالم الغيب محكوم بضوابط، ولا يمكن تصديق كل من يدعي ويتخرص في هذا المجال، بأن ما يقوله هو عين الواقع والحقيقة.. وعليه، فإنه ينبغي للمؤمن أو المؤمنة عند رؤية أي تغير ملحوظ في حياته اليومية، أن يبادر إلى التفكير في أخطائه؛ ليعرف موجبات هذا التغير، سواء كان نفورا من الزوج أو الزوجة أو ما شابه ذلك.. فإن الالتجاء إلى مثل هذه الأمور، حركة غير علمية، وغير حضارية، وغير شرعية في بعض صورها.

س١١/ ما علاقة الصلاة الخاشعة بمعراجية المؤمن والسمو به نحو الكمال في علاقته بالله تعالى؟..
من المعلوم أن الطريق الصحيح لمن يريد أن يعلم قربه من المولى جل وعلا، أن ينظر إلى نفسه حال صلاته، فالصلاة لقاء مع رب العالمين، وحرارة هذا اللقاء تكشف عن مدى القرب بين المتلاقيين.. تقول عائشة: (كان رسول الله (ص) يحدّثنا ونحّدثه، فإذا حضرت الصلاة، فكأنّه لم يعرفْنا ولم نعرفه).. فالصلاة هي قرة عين الرسول الأكرم (ص)، كان إذا دخل وقتها، نادى: أرحنا بها يا بلال!.. يعني أبرد نار الشوق، واجعلني ثلج الفؤاد بذكر ربيّ.. والنصوص كثيرة في هذا المضمون، التي توحي بأهمية هذا اللقاء الإلهي، فكانوا (ع) عند الوضوء ترتعد فرائصهم، وتتغير ألوانهم من خشية الله.. فإذن، من الضروري أن يسعى المؤمن لتحقيق الصلاة الخاشعة، ولو أمضى أربعين سنة من حياته، ليصل إلى هذه الصلاة فكراً وقلباً، فقد وصل إلى غاية المنى.. ولو أن الإنسان مات، ولم يجد في صحيفة أعماله، إلا ركعتين مقتصدتين مقبولتين؛ لكفته لدخول الجنة.

س١٢/ مشكلة المجتمعات البشرية بشكل عام والإسلامية بصفة خاصة، أنها هجرت القيم والأخلاق؛ فأصابها الوهن والضعف.. فما تعليقكم على هذه النقطة؟..
بلا شك أن هذه حقيقة مؤلمة ومؤسفة، حيث الابتعاد عن الدين والأخلاق، والارتماء في أحضان الأهواء والشهوات.. وكأن الجري والانكباب وراء الماديات هي الأصل والأساس، إذ عاد الدين وأتباعه غريباً كما بدأ غريبا.. وبهذه النظرة المقلوبة، نلاحظ الانتكاسة تلو الانتكاسة في المجتمع الإسلامي، حيث اكتظاظ الناس في مجالس اللهو والغفلة، في حين باتت بيوت الرحمن خالية، فإذا ما وجد هنالك مسجد يقيم الصلاة جماعة -وخاصة صلوات الفجر- عد ذلك المسجد نموذجياً ومميزاً.. والحال بأن الصلاة كتاب موقوت على جميع المسلمين، بينما ما يجري في الأسواق وغيره لا يعد غريبا، بل يواكب التقدم والعصرية!..

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.