Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

حديث استراتيجي..
إن حديث التعامل معَ الغير حديث استراتيجي!.. فالتعامل مع الغير، يعني كيفية: تعامل الزوج مع الزوجة، والزوجة مع الزوج!.. وكيفية التعامل مع الأرحام!.. وكيفية التعامل مع الزملاء في: المدرسة والجامعة والوظيفة!.. وعليه، فإن فن التعامل مع الغير موضوع مهم جداً!.. لذا هُناكَ دورات تُعقد بعنوان: “فن التعامل” يدربون فيها المدراء والمسؤولين وغيرهم على التعامل مع الآخرين.. وحديثُ الجُمعة أولى من هذهِ الدورات؛ لأنَ الذينَ يحضرونَ المساجد، قوم يريدون أن يحسنوا التعامل مع الغير، لا للتفوق الوظيفي، ولا للتحسين المالي؛ وإنما لإرضاء الله سُبحانهُ تعالى.. وفرقٌ بينَ من يُحسن التعامل مع الموظف ومعَ الزوجة، لكسب المزايا.. وبينَ من يتعامل مع الغير؛ عملاً بالوظيفة!..

الاعتقاد الخاطئ..
إن هُناكَ قسماً من الناس تعاملهُ مع نفسهِ جيد، وعلاقتهُ مع ربهِ جيدة، ولكن المشكلة في تعامله مع الناس.. البعضُ ينظر إلى صلاة ليله،ِ وإلى قيامه،ِ وإلى عبادته، فيظن أنهُ على خير!.. ولكن قد يكون عندهُ: حدة في التعامل، أو حدة في المزاج، أو غضب زائد؛ فيشغلهُ الشيطان بعبادتهِ عن هفواته!.. البعضُ -مع الأسف- يزدادُ في العبادات تقدماً، ويتأخرُ في تعاملهِ معَ من حوله، وكأنهُ تقربَ إلى اللهِ -عزَ وجل- وأخذَ صكَ الدخول إلى الجنة.. لا تهمه علاقتهُ مع أهله ومع أرحامه ومعَ والديه، يقول: ما دمتُ أخشعُ في صلاتي ما لي وللناس!.. وهذا اعتقاد خاطئ، بل انحراف كبير!.. وما دام الإنسان في طريقٍ غير مستقيم، فإن الشيطان يزيده خشوعاً وبُكاءً، ويدفعهُ دفعاً في ذلك الطريق.. قال الصادق -عليه السلام-: (العامل على غير بصيرة، كالسائر على غير الطريق، فلا تزيده سرعة السير إلا بعداً).. بمثابة إنسان في موسم الحج يُريد أن يذهب إلى مكة، وإذا به يذهب في اتجاه معاكس.. فالشياطين هنا تحثه على سرعة السير، والجد في المسير.. فهو كلما أسرع، كُلما ابتعدَ عن مكة.

القمة في التعامل..
إن المؤمن ينبغي أن يطيرَ بجناحين: جناح التقربِ إلى الله -عزَ وجل- عبادةً، واجباً، ونافلةً.. وجناح حُسن التعامل مع الناس، ومن كالأنبياء والأوصياء في حُسن التعامل مع الغير؟!.. النبي -صلى الله عليه وآله- كانَ أرفق الناس بأهله، فالنبي -صلى الله عليه وآله- لم يتزوج بالقممِ منَ النساء، بعض نسائهِ من المُجتمع المتعارف؛ ولكنه كانَ قمة في حُسن التعامل معَ زوجاتهِ، وهو القائل: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)!.. وكان كذلك مع أصحابهِ، وحتى معَ أعدائه.. وتعامل أمير المؤمنين -عليه السلام- مع قاتله عبد الرحمن، كان تعاملاً في منتهى الرفق واللين!.. وكذلك تعامل الإمام المُجتبى -عليه السلام- معَ من خذلهُ، فقد دخل سفيان بن أبي ليلى على الحسن -عليه السلام- وهو في داره فقال للإمام الحسن: (السلام عليك يا مُذِلَّ المؤمنين)!.. وكذلك الإمام الباقر -عليهِ السلام-، روي أن نصرانياً قال للإمام الباقر: أنت بقر؟.. قال: (لا أنا باقر)، قال: أنت ابن الطباخة؟.. قال: (ذاك حرفتها)، قال: أنت ابن السوداء الزنجية البذية؟.. قال: (إن كنتَ صدقت غفر الله لها، وإن كنتَ كذبتَ غفر الله لك)؛ فأسلم النصراني.. هؤلاء هم قادتنا، لقد كانوا القمة في التعامل الحسن!..

قواعد التعامل مع الغير..
إن هُناكَ قواعد تنفعنا في التعامل مع الزوجة، ومع الأولاد، ومع الزملاء، ومعَ الأرحام، منها:

أولاً: النظر إلى الخلق على أنهم عيال الله.. إن المؤمن لا ينظر إلى الزوجة على أنها أسيرته، ولا إلى الأولاد على أنهم عبيده؛ بل ينظر إليهم على أنهم أمانة عنده.. إن البعض يفكر بمنطق غريب: يعتبر أنه بمجرد أن تم عقد الزواج، فقد أصبحت هذه الزوجة أمة له.. فهي لم يعد لها أي خيار آخر، ونفقتها ومستقبلها أصبح بيده، وخاصة إذا أنجب منها طفلاً أو طفلين.. وفعلاً هناك الكثيرات من النساء، لولا الأولاد، ولولا الفضيحة، لما بقين مع أزواجهن يوماً واحداً.. والعكس صحيح أيضاً: فبعض الرجال يتحملون زوجاتهم فقط من أجل الأولاد!.. هذهِ كارثة!..

إن الزوج الذي ينظر من أولِ يوم إلى زوجته على أنها أمانة إلهية، والزوجة كذلك؛ فإن حياتهما الزوجية والأسرية ستكون في منتهى النجاح والسعادة.. صحيح أن الحياة الزوجية لها خصوصيتها وأسرارها، ولا يطلع عليها أحد؛ ولكن كُل كلمة وكُلُ هفوة في الحياة الزوجية، سيسأل عنها الإنسان عندما يدخُل في قبرهِ!.. قال الصادق -عليه السلام-: (أُتي رسول الله -صلى الله عليه وآله- فقيل له: إنّ سعد بن معاذ قد مات، فقام رسول الله -صلى الله عليه وآله- وقام أصحابه معه، فأمر بغسل سعد وهو قائمٌ على عضادة الباب.. فلما أن حُنّط وكُفّن وحُمل على سريره، تبعه رسول الله -صلى الله عليه وآله- بلا حذاء ولا رداء، ثم كان يأخذ يمنة السرير مرةً ويسرة السرير مرةً حتى انتهى به إلى القبر.. فنزل رسول الله -صلى الله عليه وآله- حتى لحّده وسوّى اللبن عليه، وجعل يقول: ناولوني حجراً، ناولوني تراباً رطباً، يسدّ به ما بين اللبن.. فلما أن فرغ وحثا التراب عليه وسوّى قبره، قال رسول الله -صلى الله عليه وآله-: إني لأعلم أنه سيبلى ويصل البلى إليه، ولكنّ الله يحبّ عبداً إذا عمل عملاً أحكمه.. فلما أن سوّى التربة عليه، قالت أم سعد: يا سعد!.. هنيئاً لك الجنة.. فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله-: يا أم سعد مه!.. لا تجزمي على ربك، فإنّ سعداً قد أصابته ضمة.. فرجع رسول الله -صلى الله عليه وآله- ورجع الناس، فقالوا له: يا رسول الله!.. لقد رأيناك صنعت على سعد ما لم تصنعه على أحد، إنك تبعت جنازته بلا رداء ولا حذاء، فقال -صلى الله عليه وآله-: إنّ الملائكة كانت بلا رداء ولا حذاء، فتأسيّت بها.. قالوا: وكنت تأخذ يمنة السرير مرة ويسرة السرير مرة، قال: كانت يدي في يد جبرائيل آخذ حيث يأخذ.. قالوا: أمرت بغسله، وصلّيت على جنازته ولحّدته في قبره، ثم قلت: إنّ سعداً قد أصابته ضمة!.. فقال -صلى الله عليه وآله-: نعم، إنه كان في خلقه مع أهله سوء).. وعليه، فإن إيمانهُ، وصحبتهُ لرسول الله -صلى الله عليه وآله-، ومشاركته في المعارك والغزوات في جانب.. ومعاملته لأهل بيته في جانب!.. فهذه المعاملة السيئة، جعلته يُعذب في قبره.. فلكل شيءٍ حساب، يقول تعالى في كتابه الكريم: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}.. هذا هو القانون!..

فإذن، إن المبدأ الأول هو النظر إلى الناس على أنهم عيالُ الله عز وجل، قال النبي (ص): (أقربكم منّي مجلساً يوم القيامة: أحسنكم خلقاً، وخيركم لأهله).. وجاء أيضاً في الحديث: (الخلق كلهم عيال الله، وأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله).

ثانياً: احترام جميع الناس.. إن المؤمن يراعي جميع الناس، وخاصة الطبقة المستضعفة.. فالبعض لا يظلم الآخرين؛ خوفاً منَ القانون.. ولا يظلمُ الزوجة؛ خوفاً من لسانها؛ أو من عائلتها؛ أو…الخ.. ولكنه لا يتورع عن ظلم بعض الطبقات الاجتماعية الضعيفة: كالخدمِ.. وهذهِ مُصيبة وكارثة!.. عن الإمام السجاد -عليه السلام- في وصيته لابنه الباقر -عليه السلام-: (يا بني!.. إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله).. هذا الذي يكتم شكواه خوفاً من الناس؛ هذا الإنسان إن دعا فإن دعوتهُ في بعض الحالات تُدمر الظالم تدميراً.. أحد العلماء كانَ على درجة عالية من التقوى، ظُلم من قبل إنسان من أهل الدنيا؛ فسكتَ عنه.. وبعدَ فترة حلت بهِ عقوبة شديدة؛ ذلك العالم تمنى لو أنه دافع عن حقه، لأن سكوته أوجب تلك العقوبة لذاك الظالم.. فقلب المؤمن قلب شفيق، حتى على عدوه!.. قد يقول قائل: علينا أن نراعي الأولياء فقط!..

الجواب: إن اللهَ -عزَ وجل- أخفى أولياءهُ بينَ عباده، فقد ترى إنساناً مستضعفاً لا وزنَ له، وربما لا يتقنُ صلاتهُ مثلاً، ولكنْ في داخلهِ نور إلهي.. قال علي (ع): (إنّ الله -تبارك وتعالى- أخفى أربعة في أربعة: أخفى رضاه في طاعته، فلا تستصغرنّ شيئاً من طاعته، فربما وافق رضاه وأنت لا تعلم.. وأخفى سخطه في معصيته، فلا تستصغرنّ شيئاً من معصيته، فربما وافق سخطه وأنت لا تعلم.. وأخفى إجابته في دعوته، فلا تستصغرنّ شيئا من دعائه، فربما وافق إجابته وأنت لا تعلم.. وأخفى وليّه في عباده، فلا تستصغرنّ عبدا من عبيد الله، فربما يكون وليّه وأنت لا تعلم).. لو دارَ الأمر بينَ إنسان يمشي على حافة الشريعة: أي يصلي الصلاة الواجبة، ويصوم الواجب فقط؛ ولكنّ قلبهُ سليم كُلهُ صفاء، ظاهره كباطنه: طيب القلب، لا يُخافُ من غدره، ولا من لسانه!.. وبين إنسان: يُصلي صلاةَ الليل، ويواظب على الصلاة في المسجد وفي الصف الأول؛ ولكنه في النهار: لا يُراقبُ قوله، وباطنهُ: بخيل ومتكبر وحَسود، ولا يُؤمن مكره، ويخون في معاملته!.. هل هذا الإنسان يُجعل في ديوان المُقربين، أم ذاك الإنسان البسيط؟.. وعليه، فإن الإنسان ليسَ بإمكانه أن يُميز الولي من غيره؛ لذا علينا أخذ الحيطة والحذر!.. فالمؤمن يحترم جميع الناس، وما دام ظاهر الإنسان صالحاً، فليحذر من غضب الله -عزَ وجل- في هذا الإنسان.

ثالثاً: المُداراة وعدم الاستعجال في العقوبات.. إن الذي لا يُراقبُ قولهُ وفعلهُ، وعندهُ سياسة ردة الفعل الفُجائية؛ يغضب بسرعة، وينتقم بسرعة.. بينما المؤمن يجب أن يتحلى بسياسة المُداراة، أي يُجاري ولكن بوعي.. مثلاً: دخل الغُرفة وإذا بابنه أمام التلفاز يشاهد مناظر محرمة؛ هُنا ينبغي أن نعلم ما هيَ الأسباب؟.. علينا أن نعلم ما الذي جَرّهُ لهذا العالم، فنُعالج القضايا من جذورها.. ولكن المداراة، لا بمعنى الإهمال.. مثلاً: الصياد ينظر إلى الطير، ولكن لا يرميه.. بل ينتظر الوقت المُناسب إلى أن يستقر في مكانه، ويصير الجو مهيئاً عندئذ يرمي طلقته.. وإلا إذا رمى طلقته في وقتٍ غيرِ مُناسب، فإن الصيد سيطير من يده.

رابعاً: المحبة الشاملة.. إن الإنسان عليهِ أن ينظر إلى قلبه، فالمؤمن هو الذي يستشعر الشفقة، ويستشعر الحنان لكُل أحد.. أولياء الله الصالحون الذينَ تربوا في مدرسة النبي وآلهِ، يرون كُل ما في الوجود جميلاً؛ لأنَه خلقةُ رب العالمين، حتى الحَشرةُ المؤذية في المنزل، إن لم يكن مضطراً لقتلها لا يقتلها.. يستشعر الشفقة حتى لهوام الأرض، يأخذ الحشرة برفق ويرميها في المزرعة يقول: لماذا أقتلها، هذا خَلقُ الله؟.. كما تقول السيدة زينب -عليها السلام- عندما تسأل عن أفجعُ واقعة في تأريخ البشرية، تقول: (ما رأيتُ إلا جميلاً)!.. لأنَ اللهَ -عزَ وجل- شاءَ أن يراهُ قتيلاً، وأن يراهُنَ سبايا كما جاء في الروايات: (يا حسين!.. اخرج فإن الله قد شاء أن يراك قتيلاً).. المؤمن لهُ هذهِ النظرة: كُلُ ما في الوجود جميل.. بعض الآباء والأمهات الذين عندهم طفل معوق، تراهم يبالغون في محبته وإكرامهِ وإعظامه؛ تقرباً إلى اللهِ عزَ وجل.. فالذي يربي ولداً سليماً، فإنه يفعل ذلك على أمل الانتفاع به في يوم من الأيام، ولكن هذا المعوق لا أملَ في ماله، ولا في مستقبله.. ولكنهُ خِلقة رب العالمين، أنظروا إلى المعايير عندما تنقلب!.. فإذن، المؤمن يستشعر الحُب لكُل ما في الوجود، إلا ما خرج بالدليل.. حيث أن هناك من لا يستحق هذهِ الشفقة، يقول تعالى: {.. أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ..} علينا أن لا ننسى هذهِ الأمور أيضاً.

خامساً: عدم استعجال النتائج.. هُنالكَ أيضاً من قواعد التعامل مع الغير، ما يُسمى “قانون الزراعة”.. هل هناك زارع يبذر البذر، ويصبُ عليهِ كأساً منَ الماء، ويجلس جانباً يقول: يا رب أرني الثمرة الآن؟!.. بالتأكيد لا، فبعض الأشجار تُثمر بعدَ سنوات.. إنما هو يهيئ المقدمات، وينتظر النتيجة.. في التعامل معَ الغير أيضاً يرمي الكلمة الطيبة: للزوجةِ، والولدِ، والموظف، وغيره؛ ولكن لا يستعجل النتائج.. يترك الأمر، يجعلهُ يُفكر، ويعودُ إلى رُشده.. عليه أن يرمي الكلمة الطيبة، ورب العالمين يُبارك في ذلك.. ولكن للنصيحة قواعد: فالمؤمن لا ينصح أثناء الغضب، بل عندما يهدأ تماماً.. وقبلَ توجيه النصيحة يصلي ركعتين لله -عز وجل- “قضاء حاجة”، ويقول ما قالهُ موسى -عليهِ السلام- لمواجهةِ فرعون.. فالذي ينصحهُ هو زوجته أو ابنه.. الخ، وهؤلاء لا يقاسون بفرعون، فرعون قال: {.. أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} وهؤلاء يقولون: “سُبحان ربيَ الأعلى”!.. فرقٌ بين الزوجة المؤمنة أو الابن المؤمن، وبينَ فرعون.. موسى -عليهِ السلام- {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي}.. طلب من الله -عز وجل- شرح الصدر، حتى يتحمل كلام الطرف المقابل، وأن يتصرّف في قلب المُخاطب، وأن يجعل لسانه ليناً.. فالإنسان الذي يتوضأ، ويصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء، ثُمَ يذهب إلى الطرف المقابل؛ قد لا يحتاجُ إلى حديث.. بل بعينهِ يُكلمه، بنظراتهِ يُكلمهُ.. فقد كان يُعرف غّضب رسول الله -صلى الله عليه وآله- من وجهه، يقول من كان في زمانه: (وإذا غضب أعرض وأشاح).. لا يحتاج لا إلى خطبة، ولا إلى محاضرة.. كذلك المؤمن إذا رأى من الزوجة ما لا يعجبه، فإنه يكفي أن يدير وجهه فقط، أو يطأطئ برأسه، فيُعلم أنه ليس براضٍ عنها، فتذوب وتموتُ خَجلاً منه.

سادساً: سياسة الاحتواء.. إن أسلوب الاحتواء، والدفعِ بالتي هيَ أحسن؛ من القواعد المُهمة، يقول تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}.. هذهِ من آيات اللهِ -عَزَ وجل-: البعض ينتقمُ من عدوه، والبعضُ يقدمُ لعدوهِ هدية؛ فيجعله عبداً له.. قال علي (ع): (امنن على من شئت؛ تكون أميره.. واحتج إلى من شئت؛ تكن أسيره.. واستغن عمّن شئت؛ تكن نظيره).

سابعاً: إدخال السرور على قلب ولي الأمر.. يسعى المؤمن لقضاء حوائج المؤمنين، بنية إدخال السرور على قلبِ ولي الأمر -عجل الله تعالى فرجه-.. فمثلاً: عندما يساعد إنساناً مريضاً، فما ذلك إلا لأن الإمام يتأثر لمرض ذاك المؤمن الذي لا علاجَ له، وإن المساعدة في العلاج هي لرفع ذلك الهمّ والغمّ عن قلب ولي الأمر الذي لهُ آلاف بل ملايين الهموم في كُل يوم.. يا لها من نيةٍ مُباركة!.. وكذلك فإن الزوج المؤمن يدخل السرور على قلب ولي الأمر، بإكرامه لزوجته الملتزمة بزيارة إمامها، والمحبة له، أو المنتسبة لذرية رسول الله -صلى الله عليه وآله-.. وإن بدر منها أي سوء فعلٍ، فإنه يغفر لها ذلك لحبها لله ورسولهِ وأئمتها!..

نقرأ في دعاء الافتتاح في شهر رمضان المُبارك: (اَللّـهُمَّ!.. الْمُمْ بِهِ شَعَثَنا، وَاشْعَبْ بِهِ صَدْعَنا، وَارْتُقْ بِهِ فَتْقَنا، وَكَثِّرْبِهِ قِلَّتَنا، وَاَعْزِزْ بِهِ ذِلَّتَنا، وَاَغْنِ بِهِ عائِلَنا، وَاَقْضِ بِهِ عَنْ مَغْرَمِنا، وَاجْبُرْ بِهِ فَقْرَنا، وَسُدَّ بِهِ خَلَّتَنا، وَيَسِّرْ بِهِ عُسْرَنا، وَبَيِّضْ بِهِ وُجُوهَنا، وَفُكَّ بِهِ أَسْرَنا، وَاَنْجِحْ بِهِ طَلِبَتَنا، وَاَنْجِزْ بِهِ مَواعيدَنا، وَاسْتَجِبْ بِهِ دَعْوَتَنا، وَاَعْطِنا بِهِ سُؤْلَنا، وَبَلِّغْنا بِهِ مِنَ الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ آمالَنا، وَاَعْطِنا بِهِ فَوْقَ رَغْبَتِنا، يا خَيْرَ الْمَسْؤولينَ وَأَوْسَعَ الْمُعْطينَ!.. اِشْفِ بِهِ صُدُورَنا، وَاَذْهِبْ بِهِ غَيْظَ قُلُوبِنا، وَاهْدِنا بِهِ لِمَا اخْتُلِفَ فيهِ مِنَ الْحَقِّ بإِذْنِكَ، اِنَّكَ تَهْدي مَنْ تَشاءُ إلى صِراط مُسْتَقيم، وَانْصُرْنا بِهِ عَلى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّنا اِلـهَ الْحَقِّ آمينَ).. بعض هذهِ الحوائج لا تتمُ إلا على يد الإمام: كالعدل العالمي.. ولكن (وَاَقْضِ بِهِ عَنْ مَغْرَمِنا)؛ أي بأيدينا نحنُ، نحنُ الذين نقضي بهِ، ولكن نيابةً عنه.. (وَاَغْنِ بِهِ عائِلَنا) أي على أيدينا نحنُ العباد المحبون للهِ ولرسولهِ ولولي الأمر.

هنيئاً لمن ذهبَ من هذهِ الدُنيا، وليسَ في ذمتهِ تبعةٌ لأحد!.. هنيئاً لمن يقول الإمام عندما يُصلي على جنازتهِ: إنّا لا نعلمُ منهُ إلا خيراً.. لا يقولها مُجاملةً، ولا من باب الاستحباب الشرعي، ولكن حقيقةً لا يعلمُ منهُ إلا خيراً، (الْخَيْرُ مِنْهُ مَأْمُولٌ، وَالشَّرُّ مِنْهُ مَأْمُونٌ)، كما في أوصاف المؤمنين المتقين.

الخلاصة:
١- أن هُناكَ قسماً من الناس تعاملهُ مع نفسهِ جيد، وعلاقتهُ مع ربهِ جيدة، ولكن مشكلته في تعامله مع الناس، فيظن نفسه بذلك على خير وهذا اعتقاد خاطئ و انحراف كبير.

٢- إن المؤمن ينبغي أن يطيرَ بجناحين: جناح التقربِ إلى الله -عزَ وجل- عبادةً، واجباً، ونافلةً.. وجناح حُسن التعامل مع الناس.

٣- أن من أهم قواعد التعامل مع الغير: أن ينظر الإنسان إلى الخلق على أنهم عيال الله، وأن يحترم جميع الناس فالله أخفى أولياءه بين عباده.

٤- أن المؤمن يجب أن يتحلى بسياسة المُداراة، أي يُجاري ولكن بوعي، ويراقب قوله وفعله.

٥- أن الإنسان عليهِ أن ينظر إلى قلبه، فالمؤمن هو الذي يستشعر الشفقة، ويستشعر الحنان لكُل أحد.

٦- أن أسلوب الاحتواء، والدفعِ بالتي هيَ أحسن؛ من القواعد المُهمة في التعامل مع الغير،وكذلك تهيئة المقدمات وعدم استعجال الثمرة.

٧- أنه مما يدخل السرور على قلب ولي الأمر، أن يسعى المؤمن لقضاء حوائج المؤمنين، بنية إدخال السرور على قلبِ ولي الأمر -عجل الله تعالى فرجه-..

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.