Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

– إن أئمة أهل البيت (ع) كانوا تارة ينقلون الرواية من عند أنفسهم من دون إسناد إلى جدهم، فعلومهم متصلة بعلم النبي الأكرم (ص)، حيث فتح لجدهم أمير المؤمنين ألف بابٍ، ينفتح منه ألف باب.. ولكن في بعض الحالات كانوا يتعمدون ذكر السند المتصل إلى النبي الأكرم -صلى الله عليه وآله- كحديث سلسلة الذهب الذي ذكره الإمام الرضا (ع).. لما وافى الرضا (ع) نيسابور، وأراد أن يخرج منها إلى المأمون، اجتمع عليه أصحاب الحديث فقالوا له: يا بن رسول الله!.. ترحل عنا ولا تحدّثنا بحديث فنستفيده منك -وكان قد قعد في العماريّة- فأطلع رأسه وقال: (سمعت أبي موسى بن جعفر يقول: سمعت أبي جعفر بن محمد يقول: سمعت أبي محمد بن علي يقول: سمعت أبي علي بن الحسين يقول: سمعت أبي الحسين بن علي بن أبي طالب يقول: سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) يقول: سمعت رسول الله (ص) يقول: سمعت جبرائيل يقول: سمعت الله جلّ جلاله يقول: لا إله إلا الله حصني، فمَن دخل حصني أمن عذابي).. فلما مرّت الراحلة نادانا: (بشروطها وأنا من شروطها).

– إن الإمام (ع) أراد بذلك أن يُفهم الأمة أن هنالك ارتباطا وثيقا ما بين خط الإمامة وخط النبوة.. فالإمامة امتداد لخط النبوة، لا في مقابل النبوة أبداً؛ وبذلك ترتفع أي شبهة من شُبه الغلو في هذا المجال.. لأنه إذا جعلنا مزايا الوصي والإمام في مقابل مزايا النبي، نعم فإنه عندها يكون هنالك جعل اثنينية بين الخطين، وكأنهما خطان متوازيان.. أما عندما نعتقد أن علم أمير المؤمنين -عليه السلام-، مقتبس من علم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.. وإذا جعلنا الإمام امتدادا لخط النبي، وشارحا لمرامي النبي، ومفسرا لكتاب أنزل على النبي (ص)؛ عندئذٍ كلما ازدادت ملكات وقابليات الإمام، كلما نُسب ذلك إلى النبي أيضاً.. إن السفير لأي دولة، عندما تنمو قابلياته في تلك الدولة ويزداد نشاطه، وتزداد كفاءاته؛ فإن هذا هو مكسب للجهة التي أرسلته، ولا يقال: بأن هذا السفير ترقى على حساب وزير الخارجية -مثلاً-، وكلما علت رتبته، كلما كانت الجهة المرسلة أقوى.. ومن هنا البعض يظن أنه كلما ذكرنا كرامات أهل البيت (ع)، -المقصود بأهل البيت ما عدا النبي- كأن في ذلك نقصا لمقامات النبي الأعظم -صلى الله عليه وآله وسلم-.. والحال بأن هذا امتداد لهذا، وكلما قوي هذا الخط، قوي ذلك الخط الذي هو مصدر كل خير.

إن النبي (ص) لم يذكر خطبته في استقبال شهر رمضان، في منتصف شهر رمضان، ولا في أواخره، بل ذكرها في شهر شعبان على مشارف شهر رمضان.. لماذا؟.. لأنه أراد أن يعلمنا درساً، ألا هو: أن على المؤمن أن يتهيأ للحدث الروحي والعبادي قبل أن يدخل فيه.. البعض -مع الأسف- يتفاجأ بالمواسم، من دون إعداد مسبق لها.. مثلا: إذا أراد الإنسان أن يذهب إلى الحج هذه السنة، فعليه أن يتهيأ لذلك قبل الذهاب بفترة: يقرأ أسرار الحج، حيث أن هناك كتبا عن أسرار الحج الباطنية، وعن فضل الحج.. الإنسان يذهب ويتفاجأ بموسم الحج، ويرجع ولا يعلم ما معنى المستجار؟.. ولماذا سمي الحطيم حطيماً؟.. وما فلسفة السعي؟.. وما فلسفة الرمي؟..

– إن المؤمن قبل كل موسم، عليه أن يتزود روحيا، ويحاول أن يهيئ نفسه لتلك المناسبة تهيئة نفسية وفكرية.. التهيئة الفكرية هي: أن يطلع على أسرار ذلك الموسم، كأن يقرأ أعمال شهر رمضان المبارك قبل حلوله، ويكتب لنفسه برنامجاً كي يوفق للمحطات العبادية المختلفة في هذا الشهر المبارك.. وعند الذهاب إلى زيارة مشهدٍ من مشاهد أهل البيت (ع)، كزيارة الإمام الرضا (ع)، عليه أن يقرأ كتيباً ولو صغيراً في سيرة الرضا صلوات الله وسلامه عليه: ما هي سُنته، وما هي أخلاقياته؟.. هناك مجلدات عن الإمام الرضا (ع)، فكم من المناسب أن يأخذ الإنسان معه هذا المجلد إلى حرم الرضا -عليه السلام- ويجلس أمام الضريح، ويقرأ كلمات مولاه الرضا -عليه السلام- في مختلف الحقول، ويتدبر في مضامينها.. هناك كلمة للإمام الرضا -صلوات الله وسلامه عليه- هذه الكلمة منقوشة في حرمه، يقول فيها: (من سأل الله التوفيق ولم يجتهد، فقد استهزأ بنفسه)، هذه الكلمة ألا تستحق القراءة والتدبر، كي تطبق في الحياة؟!..

– إن النبي الأكرم -صلى الله عليه وآله- أراد من خلال هذه الخطبة، أن يهيئنا نفسياً لاستقبال شهر رمضان المبارك.. فالنبي (ص) ما خاطب المؤمنين، بل قال: (أيها الناس)!.. وهناك بحث فقهي عقائدي: هل يوم القيامة الكافر يحاسب حسابين، أو يحاسب حساباً واحداً؟.. البعض يقول: أن الكافر مكلف بالإسلام وأن يقول الشهادتين، ومكلف بالصلاة والصيام كأي إنسان وكأي عبد.. إن رب العالمين خلق العباد للعبودية، فكما أن المؤمن مطالب بالصيام، الكافر أيضاً مطالب بالصيام.. ويوم القيامة يعاقب عقوبتين: عقوبة عدم الإسلام، وعقوبة عدم الصيام!.. هل هذا هو الرأي الصحيح؟.. وهناك من يقول: لا، عذاب الكافر فقط عذاب واحد وهو لكفره، لأنه لم يقبل الشريعة.. طبعاً عذاب الكفر هو الخلود في نار جهنم، هو ذنب واحد؛ ولكن هذا الذنب لا يقاس به ذنب من الذنوب!..

-إن النبي (ص) يقول: (أيها الناس)!.. ولعله -صلى الله عليه وآله وسلم- يريد أن يعلم الأمة والناس، أن هذا الدين فيه سعادة البشرية.. أي الذي لم يؤمن بالله -عز وجل- وآمن بالجبت والطاغوت، وكفر بالله -عز وجل-، ليس له فقط جزاء أخروي في نار جهنم خالداً، بل حياته الدنيا حياة تعيسة.. مثلا: إن أهل الغرب حياتهم تعيسة بكل معنى الكلمة، فالرقص والمجون وغير ذلك من صور الطرب والشهوات وغيرها، هو من باب إراحة الوجدان والضمير.. هؤلاء كلهم يعيشون على المخدر، هذا المخدر يكون: تارة أفيون، وتارة تجارة، وتارة يكون رقصاً، وتارة يكون شرباً.. هؤلاء يريدون أن يلهوا أنفسهم بهذه الأمور، ولكن عندما يفتقدون أدوات الشهوات، يصبحون من أتعس الناس.. حيث يعيشون في دور العجزة، أحدهم يمشي ولا أمل له في هذا الوجود.. بينما المؤمن كلما اقترب به العمر، كلما ازداد استعداداً للقاء الله عز وجل.. ويتمنى الموت، ليس من باب الأذى، بل يقول: لأن هذه الدنيا ضيقة، (الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر)؛ فهو مستعد للقاء رب العزة والجلال.. في سورة الجمعة القرآن الكريم جعل علامة الولاية ليس فقط عدم الخوف من الموت، فهذا مفروغ منه، وإنما تمني الموت {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.

– إن الشريعة من موجبات السعادة.. البعض يظن بأن الوعود القرآنية ليست كوعود الفيزياء، فرب العالمين وعدنا الماء قطعاً عندما يجتمع الهيدروجين مع الأكسجين.. أما عندما يقول: {إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}؛ يقولون: ربما يوفق وربما لا!.. من قال هذا؟.. مثلا: إذا جلس زوجان في جوف الليل وهما في قمة الخصومة، وفي اليوم التالي سيذهبان إلى القاضي الشرعي، ليجري أبغض الحلال إلى الله -عز وجل-.. ولكن في جوف الليل يجلسان، ويصليان لله ركعتين، بنية إصلاح ذات البين، وبنية دفع الشياطين عنهما، ثم يجلسان إلى بعضهما البعض، ويقولان: اللهم، أصلح بيننا!.. وإذا برب العالمين يتدخل بقدرته من أجل تليين القلوب.. (روي أنّ النبي (ص) خرج، فعرضت له امرأة فقالت: يا رسول الله!.. إني امرأةٌ مسلمةٌ ومعي زوج في البيت مثل المرأة، قال: فادعي زوجكِ فدعته، فقال لها: أتبغضينه؟.. قالت: نعم، فدعا النبي (ص) لهما ووضع جبهتها على جبهته وقال: اللهم!.. ألّف بينهما، وحبّب أحدهما إلى صاحبه.. ثم كانت المرأة تقول بعد ذلك: ما طارفٌ ولا تالدٌ ولا والدٌ أحبّ إليّ منه، فقال النبي (ص): اشهدْ أني رسول الله).. ما الذي جعل هذه العلاقة المتردية تنقلب إلى علاقة طيبة بهذا المقدار؟.. نعم إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما، فـ(قلب العبد بين إصبعين من أصابع الرحمن).. البعض يقول: إن ذلك يكون بالنسبة لقلب العبد الصالح.. الزوجة التي تشتكي من زوجها، والزوج الذي يشتكي من زوجته، يقولان: أين التدخل الإلهي؟.. هل هذا الزوج أسوأ أم الذي ادعى الربوبية {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}؟.. أين نحن وأين فرعون: هذا القلب القاسي، هذا القلب الذي كان يُذبّح الرضع؛ لئلا يأتي فيهم مثل موسى.. وإذا بهذا القلب يلين ويلين، وينظر إلى موسى في المهد، ويتخذه ولداً يقربه إلى نفسه.. ولهذا عندما جاء بدعوته قال له فرعون: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ}؛ أي نشأت في أحضاننا وأخيراً هكذا تقوم علينا؟..

– إن الإنسان الذي يعرض عن الله -عز وجل- القانون هو هذا {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}، الذي يعرض عن ذكر الله -عز وجل- يصبح من مصاديق أصحاب المعيشة الضنك.. ومعيشة الضنك أن الإنسان لا يأنس بشيء، ويتململ من كل شيء.. بعض المترفين يبني منزلا ويبالغ في زخرفته وفي تجميله، وعندما يدخل المنزل لا يرى فيه شيئاً جديدا، فبمجرد الإقامة فيه لمدة يوم أو يومين يمل.. وإذا بهذا القصر الذي بناه بخمس سنوات في نظره عاد كالكوخ، نعم له معيشة الضنك لا يأنس بذلك.. مثلا: شاب يعيش حالات غرامية قسم حلال، وقسم حرام، وبعد اللتيا والتي يصل إلى من يحب.. هناك عبارة في كتب الأخلاقيين تقول: (الوصال مدفن العشق)، العشق جميل قبل الوصال، فإذا تم الوصال تبخر معظمه، وعند البعض كله يتبخر.. إذا لم تكن العلقة إيمانية، هذه العلقة الشهوية الشبابية لا تتبخر فقط، بل تتحول إلى عداوة.

نعم هذه هي العلقة الدنيوية، فلكل جديد بهجة، الليل والنهار يبليان كل جديد.. بعد وفاة السيدة خديجة (ع) بسنوات، النبي الأكرم (ص) كان يكرم امرأة؛ لأنها كانت صديقة خديجة.. هذه هي علقة الإيمان، لم يكرم خديجة فحسب في حياتها، إنما كان يكرم من لها عُلقة بأم المؤمنين عليها السلام.. أحد العلماء الكبار في بلده رُشح على أنه الزوج المثالي الأول، كان في سن متقدمة من عمره، كان يقول: زوجتي أصابها العمى أيام شبابها، فأصبحت قعيدة المنزل، هذا العالم ليس فقط لم يصبر عليها، بل كان يخدمها خدمة عجيبة، وأنجبت له ذرية بعد العمى.. ثلاثون سنة عاش معها بهذه الوضعية، إلى أن توفاها الله؛ عندها ذهب إلى دولة أوروبية، وهو في قريب الثمانين سنة من عمره.. قال: الآن أصبحت طليقاً، وزوجتي ماتت، الآن يمكنني السفر، لأن هذه السنوات كلها كنت في خدمتها.. ما الذي يربطه بهذه الزوجة؟.. إنها أمانة إلهية، إنها وديعة إلهية، قال رسول الله (ص): (كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته).

– إن الحل بالنسبة إلى المشاكل الزوجية يكمن في كلمة واحدة: أن تنظر الزوجة إلى زوجها على أنه عبد من عباد الله، خلق من خلق الله، قبل أن يكون زوجاً، وقبل أن يكون محبوباً عندها، عبد مؤمن تتقرب إلى الله -عز وجل- بهذا العبد المؤمن.. وهكذا العكس: ينظر الزوج إلى الزوجة على أنها أمة لله -عز وجل-.. فعندما يقوم كل واحد منهما بوظيفته، سواء قام الآخر بوظيفته أم لا، عندها رب العالمين يفتح لهما الأبواب.

– إن الذي يريد أن يخرج من معيشة الضنك، الذين هم بعيدون عن مواطن الذكر والطاعة، هؤلاء مشكلاتهم كثيرة؛ لأنهم أعرضوا عن الذكر.. والارتياح من صفات القلب.. فسعة المنزل، لا توجب سعة القلب؛ لأن القلب له عالم آخر.. إن النبي (ص) أمضى قسما كبيرا من حياته في الغار الصغير، في هذا الغار أنس بربه.. وإذا بهذا الغار يصبح أعلى قصر في هذا الوجود، في هذا الغار التقى بسفير الله جبرائيل {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}.. نعم، الإمام الكاظم (ع) وهو وريث النبي المصطفى -صلى الله عليه وآله- عندما أُدخل السجن، شكر الله على هذه النعمة؛ لأن السجن ليس فيه انشغالات، ولا مراجعات.. غرفة ضيقة، صحيح هنالك السلاسل والحديد، ولكن الإمام الكاظم -عليه السلام- وجد مكاناً فارغاً لعبادة الله -عز وجل-، فشكره على هذه النعمة.. فإذن، إن النبي الأكرم -صلى الله عليه وآله وسلم- جاء بهذه الشريعة للبشرية، ومن هنا الذي يتنكب طريق النبي وطريق الرسالة؛ جزاءه معيشة الضنك.

– إن النبي (ص) قال في استقبال شهر رمضان: (أيّها الناس!.. إنّه قد أقبل إليكم شهر الله؛ بالبركة، والرحمة، والمغفرة).. تارة الإنسان يقبل على شخص، يزور شخصية من شخصيات البلد سياسة كانت أو اقتصادية، فهذه الشخصية ليست ملزمة بشيء، قد تستجيب له وقد لا تستجيب.. ولكن إذا هذه الشخصية هي التي أتت بنفسها وطرقت باب البيت، فإن ذلك يكون لغرض ولحكمة؛ لذا على الإنسان أن يغتنم الفرصة إن كانت لديه حوائج وطلبات.. فلا يفوت الفرصة، ما دام هو ضيفا عليه فليغتنم الفرصة!.. رب العالمين كأنه حل ضيفاً علينا -جل جلاله- الوجود كله برمته له، ولكن العلاقة بين الرب وبين عبده علاقة عجيبة!.. في حديث قدسي: (إن الله -عز وجل- يقول يوم القيامة: يا ابن آدم!.. مرضت فلم تعدني، قال: يا رب، وكيف أعودك وأنت رب العالمين؟.. قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده؟.. أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده)؟!.. إن الله يفرح لفرح عبده، هناك علاقة وطيدة بين العبد وبين ربه.

عندما يُقبل علينا الرب في شهر رمضان، معنى ذلك أن الحسابات تتغير.. الحسابات دقيقة، ورب العالمين لا يغفر إلا ضمن شروط، والتوبة المقبولة هي التوبة النصوح؛ ولكن في شهر رمضان المبارك، الموازين مقلوبة رأساً على عقب.. مثلا: إن الشريعة تذم النوم الزائد، قال رسول الله (ص): (قالت أمّ سليمان بن داوود لسليمان: يا بنيّ!.. وإيّاك وكثرة النوم باللّيل، فإنّ كثرة النوم باللّيل تدع الرجل فقيراً يوم القيامة).. النوم هو الموت الأصغر، وهو الجمود، وقتل الطاقات؛ ولكن في شهر رمضان تقلب الموازين: النائم في شهر رمضان في حال عبادة مستمرة؛ ولهذا لو نام الصائم في شهر رمضان زيادة عن متعارف الأيام نومه فيه عبادة.. الزفير والشهيق هما عبارة عن دخول غاز طيب، وخروج غاز خبيث: يدخل الأكسجين في الرئتين، ويخرج على شكل غاز سام.. وإذا بشهر رمضان يحول هذا النفس الذي لا قيمة له في عالم المادة إلى تسبيح.. أين التسبيح وأين النَفَس؟..

– إن هذا في عالم المادة، في عالم الظاهر؛ فكيف بالباطن؟.. ما خفي أعظم، نحن لم نعرف قدر شهر رمضان، ومن هنا جاءت الآية في سورة القدر {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}؛ أي أيها البشر، البيان عاجز عن بيان أهمية هذه الليلة.. الضيافة الإلهية الكبرى في ليلة القدر، هي قمة الضيافة، وكلمة {وَمَا أَدْرَاكَ}؛ أي يا رسول الله لا تسألني عن ليلة القدر، مثل {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}؛ أي لا تسألوني عن الروح، ولا تسألوني عن القارعة {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ}.. ولكن المهم أن يقلل الإنسان الخسارة.. يوم القيامة يؤتى بالعبد، تفتح له صناديق وهذه الصناديق هي عبارة عن ساعات العمر: بعض الصناديق نتنة، وهي ساعات المعصية.. وبعض الصناديق معطرة، وهي ساعات الطاعة.. ولكن -مع الأسف- أغلب الصناديق خالية: لا خير ولا شر.. يأتي إلى المسجد قبل المجلس بنصف ساعة، يجلس في زاوية، لا يذكر الله، ولا يقرأ الدعاء، ولا يصلي ركعتين، ولا يفكر في ماضي أمره ومستقبله.. ينظر للسقف تارة، وللفرش تارة، وللمنبر تارة.. هذه ساعات العمر، أليست هي خسارة، ومتى نتدارك؟..

– إن على الإنسان أن يعوض هذه الخسارة، الإمام زين العابدين -عليه السلام- يقول في الدعاء: (واجعل أفضل أعمالنا عند اقتراب آجالنا).. وكما أن من بين الأشهر شهر رمضان، شهر تختل فيه الحسابات؛ فإن من بين الأئمة -عليهم السلام- الإمام الحسين (ع) أيضاً عنده تختل الحسابات (كلنا سفن النجاة، ولكن سفينة الحسين أوسع، وفي لجج البحار أسرع).. والأمر ليس بغريب؛ لأنه قدم كل ما عنده لله -عز وجل-.. فالإمام الحسن أيضاً سبط، وأيضاً ريحانة، وسيد شباب أهل الجنة.. ورد في الحديث الشريف: عن النبي -صلی الله عليه وآله وسلم- أنه قال: (إن الله خص ولدي الحسين -عليه السلام- بثلاث: الأئمة من ذريته، والشفاء في تربته، والدعاء مستجاب تحت قبته)؛ هذا تعويض لما بذله في طاعة الله عز وجل.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.