- المفاهيم الباطلة في حياة الناس (التطير)
المفاهيم الباطلة في حياة الناس (التطير)
بسم الله الرحمن الرحيم
الاعتقاد ببعض المؤثرات الوهمية في الحياة
من المفاهيم الباطلة في حياة الناس هذه الأيام الاعتقاد ببعض المؤثرات الوهمية في الحياة وهنالك قسم من الناس يعتقد بما يسمى بالابراج والنحوسة، وبتعبيرٍ قرآني هنالك حالة من التطير وتعني: أن الانسان يتوقع مستقبلاً حادثاً مفزعاً مزعجاً ولكن من دون سبب وجيه.
في أيام الجاهلية مثلاً كانوا يتطيرون من الغراب ويتشائمون منه وهذا في الجاهلية المرادفة للجهل، ولكن -ومع الأسف الشديد- نجد هذه الحالة قد دخلت حياتنا المعاصرة فنتصفح بعض الصحف وإذا بالبعض يتكهن بمستقبل الإنسان من خلال ولادته في برج كذا مثلاً وهذه الحالة طبعا غير عقلائية وممقوته.
شعار المؤمن الظن لا يغني عن الحق
شرعاً الإنسان المؤمن شعاره في الحياة عدم اتباع الظن فإنّه لا يغني عن الحق شيئا وهو حالة ما فوق الشك والوهم فاذا كان لا يغني عن الحق فكيفَ اذا كان الامر على مستوى الوهم والخيال وما شابه ذلك؟! ومن خلال رويات اهل البيت (عليهم السلام) نلاحظ بأن هنالك في الواقع استنكاراً وشجباً لهذه الحالة وخاصة إذا كان الإنسان على مستوى من الثقافة والفهم الديني.
(قَالَ اَلْحَسَنُ بْنُ مَسْعُودٍ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي اَلْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) وَقَدْ نُكِبَتْ إِصْبَعِي – يبدو قد اصابه جرح في الطريق أو قبل ذلك- وتلقاني راكبٌ فصدم كتفي ودخلت في زحمةٍ فخرقوا علي بعض ثيابي- يعني بأنه في ذلك اليوم اصيب بجرحٍ وضربةٍ وتمزيق ثيابٍ- فَقُلْتُ كَفَانِي اَللَّهُ شَرَّكَ مِنْ يَوْمٍ فَمَا أَيْشَمَكَ – فاخذ يخاطب ذلك اليوم وكأنه يتحدث مع انسان مع عدو قاهر له سلاحه يتكلم مع اليوم، دخل على الامام علي (عليه السلام) واذا بالامام يبرز له معجزةً وموعظة وبتعبير أدق كرامةً وموعظة- فَقَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لِي يَا حَسَنُ هَذَا وَأَنْتَ تَغْشَانَا– يعني هذا مستوى ثقافتك وأنت انسان من اصحابنا تدخل علينا، ثم اكمل الامام قوله قائلاً –تَرْمِي بِذَنْبِكَ مَنْ لاَ ذَنْبَ لَهُ– وما ذنب الايام حتى تحمل المسؤولية الدهر، الزمن طبعاً في كلمات شعراء العرب القدامى والحديثين يخاطبون الايام والدهر والزمان هذا منطق شعري أي العتاب على الزمان وما شابه ذلك- قَالَ اَلْحَسَنُ فَأَثَاب إِلَيَّ عَقْلِي وَ تَبَيَّنْتُ خَطَئِي فَقُلْتُ يَا مَوْلاَيَ أَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ -هذه هي حالة الطواعية لدى المؤمن عندما يُذكّر بآيات الله عز وجل لا تاخذه العزة بالأثم فبجرد تبين الخطا رجع الرجل الى عقله و فوراً بلا امهالٍ استغفر ربه، ثم اكمل الامام عليه السلام موعظته قائلاً- فَقَالَ: يَا حُسْنُ مَا ذَنْبُ اَلْأَيَّامِ حَتَّى صِرْتُمْ تَتَشَأَّمُونَ بِهَا قَالَ: اَلْحَسَنُ أَنَا أَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ أَبَداً وَهِيَ تَوْبَتِي يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ قَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَاَللَّهِ مَا يَنْفَعُكُمْ وَلَكِنَّ اَللَّهَ يُعَاقِبُكُمْ بِذَمِّهَا عَلَى مَا لاَ ذَمَّ عَلَيْهَا فِيهِ أَ مَا عَلِمْتَ يَا حَسَنُ أَنَّ اَللَّهَ هُوَ اَلْمُثِيبُ وَاَلْمُعَاقِبُ وَ اَلْمُجَازِي بِالْأَعْمَالِ عَاجِلاً وَآجِلاً قُلْتُ بَلَى يَا مَوْلاَيَ قَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لاَ تَعُدْ وَلاَ تَجْعَلْ لِلْأَيَّامِ صُنْعاً فِي حُكْمِ اَللَّهِ قَالَ اَلْحَسَنُ بَلَى يَا مَوْلاَيَ)[١]. طبعاً هنا اشارة لعلّ ما اصاب الحسن ابن مسعود من ضرب وتمزيق ثيابٍ وجرح اصبع هي كفارة لما عمله من ذنوب ومعاصي فربّ العالمين يعجل العقوبة للمؤمن في الواقع لطفاً به وكرامة.
ولاية أهل البيت (عليهم السلام) لا يُقاس بها شيء
وبمناسبة هذه الرواية نختم الموضوع برواية في مجال عدم توقع الائمة (عليهم السلام) من بعض الخلّص بعض انواع الزلل ولو لم يكن زللاً لدى البعض -حسنات الابرار كما نعلم سيئات المقربين- نذكر هذا الحديث من دون تعليق يونس ابن يعقوب احد اصحاب الامام الصادق (عليه السلام) يقول يونُسُ: ( لَوِلائي لَكُم وما عَرَّفَنِي اللّهُ مِن حَقِّكُم أحَبُّ إلَيَّ مِنَ الدُّنيا بِحَذافيرِها)[٢]، -اراد ان يدخل السرور على قلب الامام بهذه العبارات البليغة- قالَ يونُسُ: (فَتَبَيَّنتُ الغَضَبَ فيهِ (تبينت الغضب في الامام)، ثُمَّ قالَ عليه السلام: يا يونُسُ قِستَنا بِغَيرِ قِياسٍ، مَا الدُّنيا وما فيها؟! هَل هِيَ إلاّ سَدُّ فَورَةٍ، أو سَترُ عَورَةٍ؟ وأنتَ لَكَ بِمَحَبَّتِنا الحَياةُ الدّائِمَةُ) [٣].
فالإمام (عليه السلام) يقول: تجعل الدنيا في مقابل ولايتنا ثم تقول الولاية أحب الي من الدنيا وما قيمة الدنيا حتى تجعل الدنيا عدلٍ وطرفاً لمحبتنا هذه المحبة المستلزمة للحياة الدائمة.
خلاصة المحاضرة
- من المفاهيم الباطلة هي الاعتقاد ببعض المؤثرات الوهمية في الحياة و هنالك قسم من الناس يعتقد بما يسمى بالابراج و النحوسة، و بتعبيرٍ قراني هنالك حالة من التطير ويعني: ان الانسان يتوقع مستقبلاً حادثاً مفزعاً مزعجاً و لكن من دون سبب وجيه.
- في ايام الجاهلية مثلاً كانوا يتطيرون من الغراب و يتشائمون منه و هذا في الجاهلية المرادفة للجهل، ولكن -ومع الاسف الشديد- نجد هذه الحالة قد دخلت حياتنا المعاصرة فنتصفح بعض الصحف و اذا بالبعض يتكهن بمستقبل الانسان من خلال ولادته في برج كذا مثلاً و هذه الحالة طبعا غير عقلائية و ممقوته.
- شرعاً الإنسان المؤمن شعاره في الحياة عدم اتباع الظن فإنّه لا يغني عن الحق شيئا فكيفَ اذا كان الامر على مستوى الوهم و الخيال و ما شابه ذلك؟! و من خلال رويات اهل البيت عليهم السلام نلاحظ بان هنالك في الواقع استنكاراً و شجباً لهذه الحالة و خاصة اذا كان الانسان على مستوى من الثقافة و الفهم الديني.