Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

لسبب في التركيز على الآداب الباطنية للعبادات:
من المستفاد من القرآن الكريم والسنة الشريفة أن الغاية من العبادات، هو تحقيق حالة القرب من الله تعالى، كما قال تعالى بالنسبة لموسى (ع): {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}.. فإن حقيقة الذكر أمر باطني، وما اللسان إلا يعبر عما في الباطن.. فمثلا الحب هو حقيقة في الباطن، فحينما أنا أحبك، فحبي لك أمر باطني، ولكني أظهر لك هذا الحب المكنون في قلبي، عندما أقول لك أنا أحبك.. ولهذا فلو أنك اطلعت على هذا الحب بطريق ما-مثلا من حركاتي أو أفعالي- فهذا يغنيك، ولا تحتاج إلى لفظ، ما دامت الحقيقة الباطنية متحققة.. ولكن لو كنت أدعي بأني أحبك، وترى مني من الأفعال ما يناقض دعواي، فمهما أظهرت لك من كلام، فإنك ستستهزئ بي، لأنك تعلم أنه لا حقيقة لما أدعيه.

وعليه، إن العبادات لها ظاهر وباطن، وإن ظاهر العبادات هو العمل بالرسالة العملية بقسميها: العبادات، والمعاملات.. فالعبادات بها تنظيم علاقة العبد مع ربه، أما المعاملات فبها كيفية تعامله مع الآخرين في الأمور الحياتية، كالتجارة والزراعة.. فالفقه موضوعه تحديد الحركات الجوارحية، أي ماذا ينبغي أن تعمل عندما تكون مفطرا أو مجنبا أو متنجسا؛ فهو مرتبط بتقويم السلوك الجوارحي.. أما الآداب الباطنية فموضوعه عوارض القلب في العبادات، أي ما ينبغي أن يكون عليه القلب في حال العبادة؛ فهي مرتبطة بتقويم السلوك الجوانحي.

وخير مثال على ذلك، حديث الشبلي مع الإمام السجاد (ع)، حيث ذكر له الإمام بموازاة كل عمل جوارحي، أدبا باطنيا.. ثم قال إذا لم تراع هذه الآداب الباطنية، فكأنك ما حججت.. أي أن هذه الحجة وان كانت حجة مجزية وصحيحة من الناحية الفقهية، إلا أنها ليست مقبولة.

إن البعض يظن أن الآداب الباطنية مختصة بالصلاة، حيث أن بعض علمائنا كتبوا في الآداب الباطنية للصلاة.. ولكن نحن نحب أن نعمم هذه الثقافة، بأن كل عمل عبادي متعلق بالله تعالى، له أدب باطني..

فعلى سبيل المثال: الإنفاق المالي، هذا عمل عبادي، وله أدب ظاهري، وهو إعطاء المال للفقير، وله أدب باطني، وهو ما يقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}.. أي أن المؤمن وهو يعطي المال، يعيش في قلبه حالة الوجل، لأنه سيرجع إلى الله تعالى وسيحاسبه، وسيسأله عن هذا المال من أين اكتسبه.

فعليه، من المناسب للمؤمن في كل عمل عبادي أن يراعي الآداب الباطنية له، وخصوصا في الصلاة، والحج، والصيام.. ولأن زيارة الأئمة (ع) ملحقة بالحج بمعنى من المعاني، فهناك وجه شبه بين الحج والزيارات، إذ أن الحج أيضا فيه زيارة لبيت الله الحرام؛ فمن هنا ركزنا على الآداب الباطنية لزيارات المعصومين (ع).

*********************

* الصلوات المأثورة:
القيام بالركعتين-برجاء المطلوبية- من قراءة سورة يس والرحمن في ركعتين، والدعاء بعدها بما شاء العبد.. وكذلك الإتيان ببعض الصلوات المعروفة: كصلاة الاستغاثة بالزهراء (ع)، وصلاة الحجة (ع)، وصلاة جعفر الطيار يوم الجمعة.. ومن المناسب جدا الإتيان بالصلاة الخاصة للمعصوم وذلك في مشهده وإهدائها إليه.

الإتيان بالصلوات المأثورة:
إن المؤمن أثناء زيارته لمشاهد أهل البيت (ع)، يحب الإكثار من العبادة، تقربا إلى الله تعالى.. وكما قلنا بأن الأدعية والعبادات توقيفية، وليس لأحدنا أن يخترع صلاة مستحبة، فلابد من الالتزام بالمأثور، ومن المناسب الإتيان بهذه الصلوات:
الصلاة ركعتين بسورة يس وسورة الرحمن: فهذه الصلاة مركبة من سور لها خصوصية في علم الله تعالى، فمن المعلوم أن سورة يس هي قلب القرآن الكريم، وأن سورة الرحمن هي عروس القرآن الكريم.

صلاة الاستغاثة بالبتول: لأن الزهراء (ع) هي الخيمة الجامعة لكل أئمة أهل البيت (ع)، فهي أمهم، ولها ما لها من المزايا، كما ورد عنهم (ع): (هي الصديقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأولى)، (نحن حجج الله على خلقه، وجدتنا فاطمة حجة الله علينا).

صلاة الحجة (ع): فهي من حيث الأداء غير متعبة، فهي ركعتان، وفي كل ركعة تكرر آية: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} مئة مرة.. وهذا التكرار جميل، لأن فيه تلقين للنفس بأن المعبود والمستعان الأوحد هو الله تعالى.. فأصل الآية: (نعبدك ونستعينك)، حيث قدم المفعول، وفي اللغة تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، أي أن المعنى: إنما عبادتي لك وحدك، وإنما استعانتي بك وحدك.

ولكن لا ينافي ذلك الاستعانة بالغير، طبيبا كان أم مهندسا أم مستشارا، ما دامت النظرة طولية، بمعنى أنه لا استقلالية للبشر بمعزل عن القدرة الإلهية، فمثلا: المريض عندما يستعين بالطبيب طلبا للشفاء، فهو يعتقد بأن الشافي هو الله تعالى، وأنه الذي جعل خاصية الشفاء في الدواء الذي يشخصه له الطبيب.

صلاة جعفر الطيار: وهذه الصلاة معروفة في أوساط الخواص، بأنها تفتح الآفاق المعنوية للإنسان.. والمتكرر فيها التسبيحات الأربع، ومن المعلوم أن هذه التسبيحات هي أركان الكعبة العرشية الموازية للكعبة الأرضية، التي يطوف حولها الملائكة الكروبيون.

فإذن، إن الذي يلتزم بهذه الصلوات، فإنه قد يكتشف معان سامية.

الإتيان بالصلاة الخاصة للمعصوم في مشهده:
إن من المناسب الإتيان بالصلاة المخصوصة للإمام في حرمه، بأن تصلي صلاة الرسول الأكرم (ص) في حرمه، وصلاة الحسين (ع) في حرمه وهكذا.. وصلوات الأئمة (ع) مذكورة في كتب الأدعية، ككتاب مفاتيح الجنان للمحدث القمي (قده).. وليس من اللازم القيام بهذا الأمر في كل زيارة، فعلى الأقل مرة واحدة في العمر.. فخير ما يقام به من عمل في مشاهدهم، الإتيان بالصلوات المختصة بهم.. وهذه الصلوات ليس فيها دعوى الشرك، والتوسل بغير الله تعالى؛ لأنها صلاة إلى جهة القبلة، وبين يدي الله تعالى.

*********************

* استصحاب الإقبال:
محاولة استصحاب حالة الإقبال في الحرم، وعدم تضييع الهبات فيها بمجرد الخروج من الحرم، فإن هذا نوع كفران لنعمة الإقبال، مما قد يوجب عدم عود الحالة ثانية.. فإن البعض بمجرد خروجه من الحرم فكأنه استدبر الإمام وغاب عنه حقيقة، والحال أن روح الإمام المعصوم حقيقة ثابتة مشرفة على محبيه أينما كانوا، فكيف بزائريه؟!.

الاحتفاظ بحالة الإقبال:
من المناسب لمن تأتيه حالة الرقة في المشاهد المشرفة، أن يحاول أن يبقي هذه الحالة إلى أقصى مدى ممكن، ولا يفرط فيها ببعض السلوكيات، فهذه الهبة الإلهية-كما يقول أحد العلماء- بمثابة الضيف، وإذا ما أكرمته ارتحل.. فإذا أعطيت هذه الحالة من الإقبال، حاول أن تبقيها إلى أن تنطفئ تلقائيا، فإن انطفاءها بنفسها غير أن تطفئها أنت، فهذا فيه عدم تقدير للنعمة، وقد تسلبها بلا رجعة.. فإذا كنت في الحرم في حالة من الإقبال، وإذا عند خروجك منه تبادر بالقهقهة أو الأكل أو غيره، فأنت تقضي على هذه الحالة التي ما حصلت لك إلا بعد جهد جهيد.. فمن المناسب أن تحاول أن تستصحب هذه الحالة إلى أقصى حد ممكن.

الحقيقة الثابتة:
الملاحظ أن الزائر عندما يخرج من باب الحرم، وكأنه ودع الإمام وانتهت علاقته معه.. والحال بأن روح الإمام حقيقة ثابتة، وموته لا يعني الفناء، وإنما انتقال من نشأة إلى أخرى.. إن الفرق بين الإمام الحي والإمام الشهيد، كالفرق بين الراجل والراكب، فما الفارق بين الإنسان إن كان راكبا دابته أو مترجلا عنها؟.. إن الجسم هو دابة الروح في هذه الحياة الدنيا، وعند الموت ترجلت الروح عن هذه الدابة، فالدابة ذهبت للمقابر، وهذه الروح الملكوتية ذهبت إلى العرش في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

فعليه، إن روح المعصوم روح مشرفة ومهيمنة ومطلعة على سير الأمور، بتوفيق من الله تعالى.. وإن ابتعادك عن القبر الشريف، أو الحرم المقدس، أو كونك في المنزل؛ فهذا لا يعني أنك غبت عن المعصوم.

*********************

* العزم على ترك المعاصي:
العزم العملي على الإقلاع عن المعاصي بحيث يرجع إلى وطنه ويحس الناس بأنه قد رجع بنور جديد، فهذا خير ترويج لزيارة المعصوم (ع)، حيث يتحقق في حقه كونوا لنا دعاة بغير ألسنتنا.

معاهدة المعصوم بترك المعاصي:
إن من أهم آثار زيارة المعصومين (ع)، أن يعاهد الإنسان ربه في هذه المشاهد الشريفة-وخاصة عندما يعطى شيئا من الإقبال- أن لا يعود للمعاصي أبدا.. لأن ترك المعاصي والكون في طريق التقوى والورع، هو غاية آمال أئمة أهل البيت (ع)، وكما قال النبي (ص): (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
وإن البعض عندما يأتي لزيارة المعصوم يعزم على تغيير مسيرة حياته، وقد يكون قد مشى في طريق أعوج أربعين سنة من حياته، ويستمد من الإمام المدد لعدم العود إلى ما كان عليه، ولكنه في مقام العمل يخالف، فبعد أن يرجع إلى وطنه ففي أول يوم يرتكب المحرمات.. فالذي يأتي للزيارة ويعاهد المعصوم بأنه سيترك المعاصي، ثم يرجع إلى ما كان عليه، فهذا حقيقة في مظان الانتقام والغضب الإلهي، وكم من الذين يخالفون هذه العهود ويصابون بانتكاسة ذريعة!.

اكتساب النور الإلهي:
إن الأعمال الصالحة والعبادات والزيارات التي فيها تفاعل بليغ مع صاحب المشهد، لمن موجبات اكتساب النور الإلهي، ولقد أشار القرآن الكريم لهذا النور في قوله تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ}.. فهذا النور المكتسب يتجلى للمؤمن في عرصات القيامة، وفي ليلة الوحشة، حيث يوارى في ذلك القبر المظلم، فلا يبدد تلك الظلمة المطبقة والوحشة إلا ذلك النور.
وإن من آثار ذلك النور أيضا في الحياة الدنيا، أن تكون للمؤمن بصيرة قوية في أمور الحياة، فيرى حقائق الأشياء، ويتوقع ما لا يتوقعه الغير، وبذلك يجنب نفسه من عواقب كثيرة قد يقع فيها، وقد ورد في الحديث: (اتّقوا فراسة المؤمن؛ فإنه ينظر بنور الله).
ولكن هناك فرقا بين إخبار الأنبياء بالمستقبل وفراسة المؤمن، فالأنبياء قولهم مقطوع به، بينما المؤمن يتفرس في الأمور، أي له حالة من الحدس، وقد يصيب وقد يخطئ.. فالمؤمن له ارتباط بعالم الغيب، فتراه يصيب غالبا في توقعاته، وقد يرى في منامه ما سيقع، فرب العالمين من خلال المنام يحذره من بعض الحوادث المستقبلية.. وهذا كله من آثار امتلاك ذلك النور.

الترويج لزيارة الأئمة (ع):
من المعلوم أن مما يقوي اعتقاد الناس وتعلقهم بمشاهد أهل البيت (ع)، هو ما يرونه من كرامات وبركات.. والإمام الرضا (ع) معروف من بين الأئمة (ع)، بأن بركات مشهده كثيرة، ولهذا ألفت الكتب في البركات التي ظهرت في أرض طوس.
وإن من ضمن الأمور التي تبين كرامة المعصوم-غير هذه الحوادث التي فيها خرق للعادة- أن يرجع الزائر بنمط سلوكي جديد في الحياة.. وإن هذا نعم الإغراء للغير لأن يقوم بهذه الزيارة؛ فالناس لما يرون شخصا سيئ المزاج وسريع الغضب، أنه بعد الزيارة أصبح في حالة أخرى، يزيد يقينهم بأن هناك شيئا في هذه المشاهد، وهذا نعم ما يجسد الرواية: (كونوا لنا دعاة بغير ألسنتنا).

********************

* عدم التعويل على الحالات القلبية:
عدم التعويل على حالات الإقبال القلبي فقط مجردا عن العمل، فإن هذه الحالات من لوازم الضيافة الإلهية عند المعصوم، ومن الطبيعي أن تزول بعد مغادرة تلك المشاهد.. ومن المعلوم أن تغيير الملكات الباطنية أهم من الإقبال القلبي المتقطع، وهذا مما يوجب البعد عن العجب المهلك.

البكاء الواعي:
إن البعض مع أن له سلوك مجانب لما ينبغي أن يكون عليه، ولكن لأن له حالات روحية متألقة، فهو يغش بهذه الحالات، ويحسب أنه على شيء.. فما الذي جرى له غير بكاء في ساعة من ساعات ليل أو نهار، وهذا البكاء لم يغير من واقعه شيئا.. فلابد من قصر النظر على السلوك الخارجي، لا على هذه الحالات العاطفية.

*********************

* الإكثار من دعاء الفرج:
الإكثار من الدعاء للفرج وخاصة عند حالة الإقبال الشديد، إذ لعل في تلك الساعة يكون الإمام المنتظر (ع) أيضا حاضرا في المشهد المبارك، فيدعو لداعيه بالتأييد.. وفرق بين دعاء الإمام وغيره، إذ أن دعاء الإمام لا يرد، كيف وهو الحبل المتصل بين الأرض والسماء، وهو الذي بيمنه رزق الورى، وبوجوده ثبتت الأرض والسماء.

الإكثار من الدعاء لصاحب العصر والزمان (عج):
إن مشاهد أهل البيت (ع) من أكثر الأماكن عرضة لتواجد الإمام (ع)، فالإمام لا شأن له بالمنتجعات السياحية أو المناظر الجميلة، فعينه على مشاهد أجداده وآبائه الكرام، وقطعا إنه يتواجد في هذه الأماكن في ساعات لا نعلمها، وإن كانت ليلة الجمعة من مظان تشرفه بزيارة الحسين (ع)، فعامة الناس يلتزمون بهذه الزيارة، فكيف به (ع).
فمن المناسب الإكثار من الدعاء للإمام (ع) في هذه المشاهد المشرفة.. وإن الذي يدعو لفرجه بحرقة، وبدمعة ساكبة، وبقلب مضطرب-وليس دعاء شكليا، بأن يقرأ دعاء الفرج مقدمة لقضاء حوائجه، أو يقرأه بشكل رتيب لا معنى فيه أبد-ويراه الإمام بهذه الحالة-وهو عين الله الناظرة- نعتقد أن أقل ما يعمل الإمام (ع) في حقه، أنه سيرد له الجميل، فإذا كان هو يدعو للإمام (ع): اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن-صلواتك عليه وعلى آبائه- وليا وحافظا، وقائدا وناصرا؛ فما المانع أن يدعو الإمام (ع) له أيضا: اللهم كن له وليا وحافظا، وقائدا وناصرا؛ فهذه المضامين مضامين تنطبق حتى على محبي أهل البيت (ع).
وكذلك الالتزام ببعض زيارات الإمام (ع) في المشاهد المشرفة، وقد يتفق وأنت تزوره مثلا بزيارة آل يس وتقول: (سلام على آل يس) أن يكون الإمام (ع) في هذا المكان، فيرد السلام وإن لم تسمع الجواب.. فكما أن المعصومين الشهداء يردون السلام ونحن لا نسمعهم، كذلك الإمام (ع)-بمقتضى زمان الغيبة- فقد يرد عليك السلام وأنت لا تشعر بذلك.

*********************

كلمة أخيرة:
إن من موجبات الترقيات الروحية للمؤمن، أنه يرتب لنفسه في السنة أو السنتين زيارات لكل أئمة أهل البيت (ع)، أي أن يسعى لأن يعرض روحه لهذه الأنوار الإلهية، فإن ما يعطاه في أرض خراسان مثلا، قد لا يعطاه في باقي المشاهد.. وفي الروايات إشارة إلى أن بعض الخواص مترتبة على زيارة معصوم معين، فمثلا روي في زيارة الرضا (ع):
قال الرضا ( ع): من زارني على بعد داري وشطون مزاري، أتيته يوم القيامة في ثلاث مواطن حتى أخلّصه من أهوالها: إذا تطايرت الكتب يمينا وشمالا، وعند الصراط، وعند الميزان.
قال الجواد (ع): من زار قبر أبي (ع) بطوس، غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، فإذا كان يوم القيامة نصب له منبر بحذاء منبر رسول الله (ص) حتى يفرغ الله من حساب عباده.
قلت للجواد (ع): جعلت فداك!.. زيارة الرضا (ع) أفضل أم زيارة أبي عبد الله (ع)؟.. فقال: زيارة أبي (ع ) أفضل، وذلك أن أبا عبد الله (ع) يزوره كل الناس، وأبي (ع) لا يزوره إلا الخواص من الشيعة.
إن لكل مشهد من مشاهد الأئمة (ع) طعمه، فكما أن لكل إمام لقبه، فالإمام موسى بن جعفر (ع) لقب بالكاظم، لما تجلت فيه صفة كظم الغيظ، والإمام علي بن موسى (ع) لقب بالرضا، لأنه تجلت فيه صفة الرضا بقضاء الله وقدره.. أيضا نقول إن لكل مشهد من هذه المشاهد أثر في النفس.. فيا حبذا لو أن المؤمن جمع ماله وادخره، وقلل من أكله وشربه، ومنع نفسه من السفرات السياحية اللا هادفة التي ليس فيها كثير فائدة، واستغنى عن اقتناء بعض المقتنيات الزائدة، كبعض النساء بإمكانها أن تبيع ما عندها من الذهب وتذهب لزيارات المعصومين (ع)، وشتان بين سوار في معصمها أو قلادة على صدرها، وبين نور يدخل في قلبها.

وإن زيارتهم بهذه النية، قطعا لمن موجبات الأنس بهم.. وإن الذين أدمنوا على زيارة الأئمة (ع)، فهؤلاء يرون أن من أفضل السياحات في الوجود هو شد الرحال إلى بقاعهم الطاهرة.

وإن الإكثار من الصلاة على النبي وآله في المشاهد المشرفة، لمن موجبات التفاتة المعصوم.. وإنه بمقدار ما تبعث من الصلوات عليهم في مشاهدهم، تأتيك الهبات من طرفهم.. لأن الصلوات طلب لرفع مقاماتهم، فالمعصوم من باب رد الجميل يطلب من الله تعالى أن يرفع من درجاتك أيضا.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.