Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

س١/ كيف نصل إلى مرحلة الصلاة الخاشعة؟..

إن الإنسان الذي لم يصل إلى مرحلة الصلاة الخاشعة، فإنه لم يصل إلى مرحلة من مراحل الكمال.. لأن الصلاة حديث مع الرب، والذي لا يتقن الحديث مع الرب، فهو إنسان فقير جدا كمالا!..

وإن التخويف من عدم تحقيق الصلاة الخاشعة، لأننا نعتقد أن هنالك تلازم بين النظرتين: نظرة العبد، ونظرة الرب، فهذا ما نفهمه من قول الإمام السجاد (ع): (لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عني، أفمن يرى راحم بعده!)..

إن الكلام الذي يقال في الصلاة الخاشعة، نفس الكلام الذي يقال في آداب الزيارة.. يقال إن أدب زيارة المعصوم -بكلمة واحدة- هو: أن تعيش حياة المعصوم.. فإذا زرت الحائر الحسيني مثلا، فإن عليك أن تعلم أن الشهيد حي مرزوق، فكيف بسيد الشهداء (ع)..

كذلك الصلاة الخاشعة، فإن قوامها أن تستشعر حقيقة الوجود الإلهي، بمعنى الإحاطة الشاملة، ونظرته للعبد المصلي، وقد ورد في الحديث: (لو يعلم المصلي ما يغشاه من جلال الله، ما انفتل من صلاته!).

فإذن، إن الإنسان الذي يستحضر هذا المعنى، فإنه لا يمكنه صرف النظر عن الله تعالى في الصلاة..

ولتقريب الفكرة نذكر هذا التشبيه:

لك أن تتصور إنسانا أمامه عدة أجهزة تلفاز، وكل تلفاز يبث برنامجا.. فهذا الإنسان ألا ينظر إلى البرنامج الأجمل، والأكثر متعة وتسلية لديه؟.. فكيف إذا كان أحد الأجهزة مغلقا، وشاشته مظلمة، لا يبث شيئا؟!..

إن الذي لا يرى شيئا في الصلاة، فهذا جهازه مغلق، شاشته سوداء، فكيف يطلب منه أن ينظر إلى هذه الجهة، وفي المقابل هنالك ما يبث ما يغريه، إذ تأتيه خواطر تجارية، أو مالية، أو غيرها..

يقول تعالى: {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ}.. ونقول-بناء على هذا التشبيه-: (وهذا القلب ما جعل الله تعالى فيه من شاشتين).. فإذا كانت الشاشة الإلهية لا تشتغل، فمن الطبيعي أن ينظر إلى الشاشة الأخرى!..

فإذن، إن الذي يريد أن يخشع في صلاته، لابد أن يشغل الجهاز الآخر، فعندئذ لما هذا الجهاز يبث صور الجمال الغيبي، لن ينظر إلى الجمال المادي، والجمال البشري.. إن هذا هو الحل الأساسي لتحقيق الصلاة الخاشعة.

س٢/ إن مما يفهم من مضمون كلام الإمام السجاد (ع): أن العبد لو مال بوجهه عن الرب، لمال الرب بوجهه عنه.. هل عدم إقبال العبد في الصلاة، يلازمه دائما عدم إقبال المولى تعالى عليه؟..

لا ملازمة، وإنما هناك ارتباط بين الأمرين، فالذي لا يقبل على الرب، فالرب لا يقبل عليه.. ولكن هناك استثناء، وهو: أن يكون الإنسان قد بذل جهده للإقبال، ولكنه لم يقبل.. فمثلا: إنسان واقع في أزمة اقتصادية أو اجتماعية خانقة جدا، وأراد أن يصلي صلاة خاشعة، وإذا بالخواطر تترى عليه، وهو في كل آن يدفع الخواطر، إلا أنه يخرج من خاطرة، ويدخل في خاطرة أخرى، وطوال الصلاة وهو يدافع الخواطر، وفي النتيجة لم يخشع.

فإن مثل هذا الإنسان معذور؛ لأنه كان في هيئة المقاتلين، وإن هو ما فتح الميدان.. هناك فرق بين إنسان فار من الزحف، وبين إنسان مقاتل فاتح، وبين إنسان مقاتل غير فاتح.. إن الصلاة حرب مع الشياطين، وإن بعض الناس يصلي ويحارب، ولكنه لا يفتح الميدان، فهذا إنسان رب العالمين يحبه على ما هو فيه، لأنه كان في هيئة المقاتلين، وإن لم يكن في مقام العمل من الفاتحين.

فعليه، إن المصلي عليه أن يجاهد الخواطر الاختيارية.. وأما الخواطر غير الاختيارية والقهرية، فلا يؤاخذ عليها، ولا تضر بالصلاة الخاشعة.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.