Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

إن الإمام -صلوات الله عليه- في هذا الدعاء الشريف، يدخل المحطة الإلهية من خلال بعض أنواع القسم، فهو يسأل الله -عز وجل- بسبب هذه الأمور، التي منها الرحمة التي وسعت كل شيء.. ولكن بعد ذكر الرحمة، فإن المضامين تقريبا هي مضامين: العزة، والقهر، والجبروت، والغلبة الإلهية.. ونحن نحاول أن نلتمس السبب: أنه لماذا قرن الإمام -عليه السلام- عالم الرحمة بهذه العوالم؟..

يقول الإمام (ع): (اَللّـهُمَّ!.. إنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء، وَبِقُوَّتِكَ الَّتي قَهَرْتَ بِها كُلَّ شَيْء، وَخَضَعَ لَها كُلُّ شَيء، وَذَلَّ لَها كُلُّ شَيء، وَبِجَبَرُوتِكَ الَّتي غَلَبْتَ بِها كُلَّ شَيء، وَبِعِزَّتِكَ الَّتي لا يَقُومُ لَها شَيءٌ، وَبِعَظَمَتِكَ الَّتي مَلأَتْ كُلَّ شَيء، وَبِسُلْطانِكَ الَّذي عَلا كُلَّ شَيء).. فالقوة، والجبروت، والعزة، والعظمة، والسلطان؛ كل هذه تقريبا من عوامل السيطرة الإلهية، والسلطنة الإلهية.. نحن قلنا في عدة مناسبات: أنه عندما نفسر القرآن الكريم لا نجزم بمعنى الآية، فالذي يقول: رب العالمين أراد كذا، أو تفسير هذه الآية كذا؛ طبعا هذه عملية خطيرة.. فالإنسان قد يجزم، ولكن يقال له يوم القيامة: أنت من أين علمت؟.. وعندها لا جواب له!.. ولهذا احتياطا نذكر كلمة (يمكن) و(لعل)، وهكذا في كلمات أهل البيت عليهم السلام.

إن الداعي لابد أن يستحضر حقيقتين:

أولا: حقيقة الرحمة (يا من سبقت رحمته غضبه)!.. إذن كافي صفة واحدة من صفات الرحمة (بِرَحْمَتِكَ الَّتي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء)، ولكن الداعي يحتاج أيضا إلى أن يلتفت بأن الله عز وجل: قهار، وسلطان، وقوي، وعزيز.. عندما نطلب منه شيئا، نطلب من ذلك الوجود وسلطان الوجود.. هذا الدعاء له أثر في الحياة، وهي ليست قضية دعاء في جوف الليل، وبكاء في صلاة الليل.. فالذي يقيم صلاة الليل من أقوى الناس في النهار، لذلك لاحظوا الإمام في وصف المتقين ماذا يقول: (أَما الليل فصافُّون أَقدامهم، تالين لاَجزاءِ القرآن، يرتلوتهُ ترتيلاً، يجزّنون به أَنفسهم، ويستثيرون به تهيّج أَحْزانهم بكاءً على ذنوبهم، ووجع كلوم جراحهم.. وإِذا مرّوا بآيَة فيها تخويف، أَصغوا إليها مسامع قلوبهم وأَبصارهم، فاقشعرّت منها جلودهم، ووجلت قلوبهم، فظنوا أَن صهيلَ جنهم وزفيرَها وشهيقَها في أُصول آذانهم.. وإذا مرُّوا بآيَة فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً، وتطلعت إليها نفوسهم شوقاً، وظنوا أَنها نصب أَعينهم… أما النهار فحكماء علماء أبرار أتقياء).. أسُود في النهار، ورهبان في الليل.

إن الداعي عندما يدعو ربه في جوف الليل أو في وضح النهار، يرتبط بهذه السلطنة الإلهية، وبهذه العزة الإلهية، وأثر ذلك:

أولا: أنه يدعو ربه وهو متيقن بالإجابة؛ بمعنى أنه لا يعجزه شيء، رب العالمين هو مسبب الأسباب، والذي جعل السبب له الحق أن يرفع السببية.. نحن عندما ندرس العلة والمعلول، نأتي بمثال النار والحرارة، النار تسبب الحرارة، ولكن رب العالمين في قضية إبراهيم -عليه السلام- ليس فقط سند الحرارة للنار، بل أعطاها صفة معاكسة ألا وهي البرودة {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}؛ أي أن النار أصبحت كالثلج، وليس فقط أصبحت بلا حرارة!.. فإذن، إن الرب الذي جعل السببية، هو الذي يرفع السببية إذا شاء: الماء يُغرق، الماء عنصر سيال، ولكن عندما جاء دور موسى -عليه السلام- أصبح الماء كالحديد الصلب.. وهكذا في قصص الأنبياء عليهم السلام، رب العالمين يريد أن يفهمنا أنه إذا أراد الإنسان منه شيئا، عليه أن يقدم الطلب، ولا يفكر كيف سيقضي له هذه الحاجة!..

إننا نفهم من بعض النصوص، أن الله -عز وجل- يتعمد أن يقضي حاجة عبده المؤمن من حيث لا يحتسب، فيأتيه الفرج من حيث لا يحتسب.. إنسان يطرق باب فلان وفلان، الكل يخيب رجاءه.. وإذا بإنسان لا يؤمل منه خيرا، يجري الخير على يديه.. وفي التاريخ قصص كثيرة، هنالك في كتاب “الفرج بعد الشدة” أمثلة كثيرة للفرج بعد الشدة.

فإذن، إن تصوُر العزة والسلطنة والجبروت الإلهي، يجعل الإنسان مرتاحا في دعاءه.. فإذا دعا ولم يُستجب له، ليس عدم الاستجابة؛ لأن الله -عز وجل- لم يقدر على قضاء حاجته -أعوذ بالله من ذلك- بل لأنه يرى المصلحة في التأخير!..

ثانيا: يعطي الإنسان قوة في الحياة، في التعامل مع الآخرين.. انظروا إلى أئمة أهل البيت، وانظروا العلماء الذين تخرجوا من مدرسة أهل البيت، هؤلاء كانوا عندما يقفون أمام الطواغيت يتكلمون بكل قوة وشدة.. سيدتنا زينب -عليها السلام- بنت أمير المؤمنين، كانت تتكلم وتقول عن ذلك الطاغية: يا ابن مرجانة!.. كلام فيه شدة وقوة وغلبة، وهي امرأة بحسب الظاهر ضعيفة قتل أخوها وأسرتها.. هذه العزة الإيمانية، مأخوذة من جانب السلطان الإلهي.. ومن منا لا يحب أن يكون وجيها!..

إن الذي يريد هذه العزة، وهذه الوجاهة، وأن يكون مهابا في الناس؛ فإن الطريق إلى ذلك ليس العسكر، وليس المرافقين، وليس النياشين العسكرية التي تُعطى وتؤخذ بعد فترة؛ كل هذه الأمور تُعطى وتُسلب.. عن الإمام الصادق (ع): (من أراد عزاً بلا عشيرة، وغنى بلا مال، وهيبة بلا سلطان.. فلينقل من ذل معصية الله إلى عز طاعته).. وننتهي إلى رواية من روايات أهل البيت فيها كل الخير: سئل الإمام السجاد (عليه السلام): ما بال المجتهدين بالليل من أكثر الناس نوراً؟.. قال: (لأنهم خلوا بربهم، فكساهم ربهم من نوره).. ولهذا من خاف الله -عز وجل- خاف منه كل شيء، عن الصادق (ع): (من خاف الله، أخاف منه كلّ شيء)؛ لأن الله يزرع الهيبة في قلوب الناس ممن يخافه ويخشاه.

فإذن، إن هذه المضامين في دعاء كميل، تجعل الإنسان في أول الدعاء يعيش حالة الارتباط مع الله -عز وجل- من باب الرحمة، ويعيش حالة الارتياح أن كل ما عنده من حوائج بين يدي الله عز وجل، وبين يدي قدرته.. ومن هنا نظن أنه إذا دعونا رب العالمين لا نجرب الرب، البعض يقرأ الدعاء ويقول: أُجرب هذه الختمة، أُجرب هذه الزيارة، أذهب إلى العمرة لعله كذا!.. أنت انزل بالحاجة، عن الصادق (ع): (إذا دعوت، فظن أن حاجتك بالباب)، وإذا كانت الحاجة بالباب، أنت تحتاج لأن تفتح الباب وتأخذ الحاجة، وفتح الباب إنما يكون بالدعاء بين يديه.. إذا فتحت الباب ولم ترى الحاجة، فاعلم أن هنالك حكمة في البين.

بعد هذه الكلمات التي توحي: بالعظمة، والعزة، والسلطنة، إلى آخره؛ ينتقل الدعاء إلى عبارات أخرى: (وَبِوَجْهِكَ الْباقي بَعْدَ فَناءِ كُلِّ شَيء، وَبِأَسْمائِكَ الَّتي مَلأَتْ أرْكانَ كُلِّ شَيء، وَبِعِلْمِكَ الَّذي أَحاطَ بِكُلِّ شَيء، وَبِنُورِ وَجْهِكَ الَّذي أَضاءَ لَهُ كُلُّ شيء).. ينتقل الأمر إلى الصفات التي هي في الله عز وجل: العلم الإلهي، نور وجهه، أسماءه، وجهه الباقي.. وكأن الإمام في دعاءه يريد أن يربطنا بذلك الوجود الذي يبقى بعد فناء كل شيء، عندما نصل إلى هذه الآية في القرآن الكريم، ولو استوعبنا حقيقة الآية لانتابنا الذهول من ذلك اليوم، هذه الدنيا بكل حضاراتها وبكل نزاعها وبكل من عاش عليها، يأتي ذلك اليوم رب العالمين يقول: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}؟.. ما من مجيب، ولو كان هناك من مجيب لقال رب العالمين: فلان، أو جماعة قالوا: كذا وكذا، هو يجيب عن نفسه: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}!.. الذي يتصور هذه العظمة، يعلم أن هنالك هذا النور الباقي، وهذا الوجه الباقي، فماذا يعمل؟..

أول أثر أن يربط نفسه بهذه الأبدية والخلود، مثلا: إنسان يقوم بعمل، هذا العمل إذا لم يرتبط به فهو أبتر.. أما إذا ربط العمل به، أصبح هذا العمل باقيا ببقاء الله عز وجل.. في عالم الفقه، المثال الفقهي المعروف: إنسان يريد أن يحصل على ماء طاهر ماذا يعمل؟.. يأتي بوعاء صغير، ويفتح عليه الحنفية التي هي مرتبطة بالخزان الرئيسي، والخزان الرئيسي مرتبط بمصفاة المياه، والمصفاة مرتبطة بالبحر.. هذا الوعاء الصغير تُجعل فيه النجاسة، مثلا: اليد نجسة، إذا وضعت بهذا الوعاء؛ فإنها تطهر، طبعا ما لم يتغير اللون بالنجاسة، فما الذي حصل؟.. إن هذا القليل مرتبط بالبحر من خلال هذه الوسائط.. والإنسان كذلك، هو أقل من القليل ولا وزن له، ولكن إذا ارتبط بالباقي عندئذ كل ما في هذا الإناء، يكتسب صفات الباقي بنحو من الأنحاء.. فماء البحر مُطهِر، أنا أريد من البحر أن يطهرني، هذا التطهير الذي هو بالبحر أصبح لهذا الوعاء الصغير، نفس الخاصية التي أنا أريدها.. طبعا البحر له خاصيات أخرى، ولكن على كل هنالك ارتباط وتناسب.. إذا الثمرة العملية من هذه العبارات، هي كما قال الإمام الهادي عليه السلام: (الدنيا سوق: ربح فيها قوم وخسر آخرون).

فإذن، علينا أن نربط كل أعمالنا الفانية بذلك الوجه الباقي.. إن البعض يمضي ثمان ساعات من عمره في الدوام، وخاصة إذا كان موظفا أمينا في عمله، وساعة في الذهاب والإياب، تقريبا عشر ساعات من اليوم، وهو يعيش في غرفة على مكتب لمدة ثلاثين أو أربعين سنة.. وعليه، فإنه إذا لم يربط عمله بالباقي؛ فإن معنى ذلك أنه لم يعمل شيئا.. ورب العالمين كرّم بني آدم، فالقطة تخرج من مكمنها من الصباح إلى الليل، وهي تبحث عن قوت لنفسها ولأودها.. كل حي إنسان كان أو حيوان، يبحث بغريزته عن لقمة العيش لنفسه ولأولاده.. فهذه حركة مشتركة بين الأحياء، وحتى أن النمل حريص، وأحرص من بني آدم على قوته، فهو يخزن قوته في الصيف من أجل الشتاء.. ما الذي يميزني عن النملة وعن النحلة؟.. هو أنني إنسان خليفة الله في الأرض، عندما أخرج صباحا إلى الدوام أقول: (يا رب!.. أنا أخرج إلى العمل ابتغاء مرضاتك، يا رب أمرتني بالكدح بالكسب لعيالي)، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي)، (كلكم رَاعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته).

وبالتالي، فإن هذه الساعات الطويلة من العمر في الكدح، تتحول إلى عبادة دائمة.. ومن هنا قيل: (الكاسب حبيب الله)؛ لأنه بعمله هذا يؤمن قوت من أمرَ الله -عز وجل- بالاعتناء بهم، فالاعتبار بهذا الوجه الباقي.. وعليه، فإننا كلنا مأمورون بأن نجعل أعمالنا المباحة، مرتبطة بوجهه الكريم، كم من البؤس والشقاء أن يقوم الإنسان بعمل عبادي، ولكن لا لوجهه الكريم!.. يصلي رياءً، يحج رياءً، هذا الإنسان من أفقر الفقراء وأتعس التعساء!.. إذا كان العمل لوجه الله وقربة إليه، فإن الحياة تتغير: هل عندئذ يمكن للموظف أن يغش في عمله، أو يهرب من الدوام؟.. وهل من الممكن أن تمن المرأة على زوجها في يوم من الأيام، وتقول له: أنا عملت كذا وكذا.. فإذن، إن وجه الحياة يتغير، عندما نربط الفاني بالباقي.

بعد هذه المقدمة ذكر الإمام: الرحمة، والعزة، والسلطان، والجبروت، وذكر العلم، والنور، والأسماء.. عندئذ يعود إلى نفسه، ويقول: (اَللّهُمَّ!.. اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تَهْتِكُ الْعِصَمَ).. الاستغفار له معنى بعد أن عَلِمَ الإنسان عظمة الرب، الذنب الصغير بالنسبة له يبدو كبيرا.. ورد في بعض الروايات عن النبي (ص): (والله!.. إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم، أكثر من سبعين مرة).. فالنبي -عليه الصلاة والسلام- الذي كان يجلس مع الناس، ويتكلم معهم بما يهديهم، وبما يقويهم على طاعة الرب، يستغفر الله عز وجل.. البعض يقول: لماذا يستغفر النبي؟..

لعله -الله العالم- لانشغاله عن الله -عز وجل- بهذا المقدار، هو انشغال عن الله بأمر الله، وان كان قلب النبي قلبا مُراقِباً، ولكنْ فرق بين النبي وهو في المعراج عند سدرة المنتهى، وبين النبي وهو في الأرض يناقش جفاة الجاهلية.. فالجو مختلف، ومن هنا البعض يسأل في قول: (اَللّهُمَّ!.. اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تَهْتِكُ الْعِصَمَ، اَللّـهُمَّ!.. اغْفِـرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُنْزِلُ النِّقَمَ، اَللّهُمَّ!.. اغْفِرْ لِي الذُّنُوبَ الَّتي تُغَيِّـرُ النِّعَمَ).. يقول: كيف يتكلم الإمام بهذا المنطق؟.. إنه سؤال وجيه!..

نقول: إن أمير المؤمنين على رأس المعصومين، بل هو أبو الأئمة المعصومين، وبعد النبي صلى الله عليه وآله هو المعصوم الثاني، والتلميذ الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلماذا هذه العبارات التي تناسب العصاة؟.. فإنسان له ذنوب من الممكن أن تُهتك عصمته، وأن تغير نعمته، وأن تنزل النقمة عليه، وأن تحبس الدعاء؛ معنى ذلك أنها ذنوب قاسية قاتلة، فكيف نجمع ذلك مع مقام الإمام عليه السلام؟.. وهكذا الأمر نفسه في الصحيفة السجادية، وفي دعاء عرفة للإمام الحسين عليه السلام، وكل روايات أئمة أهل البيت.. هنالك ثلاث اتجاهات في تفسير الاستغفار الحثيث لأئمة أهل البيت عليهم السلام:

الاحتمال الأول: أن الإمام -عليه السلام- في مقام تعليم الناس.. كميل سأل الإمام عن دعاء الخضر؟.. فقال له الإمام: إحفظ هذا الدعاء!.. فإذن، إن الإمام أراد أن ينقل هذا الدعاء إلى شيعته، بل إلى كل المسلمين.. وعندئذ لا مشكلة في البين.

الاحتمال الثاني: أن الإمام (ع) -من الممكن أن نقول:- له حالات ينزل من الأعلى إلى العالي، وطبعا الإمام لا يغفل عن الله طرفة عين، ولكن كما قال النبي (ص): (لي مع الله وقت لا يسعني فيه مقرب، ولا نبي مرسل)، أمير المؤمنين كان في كل ليلة يناجي الله سبحانه، ويذكر الموت والقبر والنار حتى تعتريه من خوف الله غشوة، يخر منها كالخشبة اليابسة.. فهنالك ساعات كان النبي أو الإمام يُحلّق فيها، فالصلاة معراج المؤمن، والنبي كان يعيش في صلاته حالة متميزة لا تقاس بما قبل الصلاة وما بعد الصلاة.. وكأن هذا الاختلاف في المستوى، يراه النبي والإمام شيئا يوجب الاستغفار، وإن كان هو لم يرتكب ذنبا في البين.

الاحتمال الثالث: أن التذلل مطلوب في بعض الأوقات، ولكن هذه العبارة تكشف عن التذلل القلبي، ولا يقصد بعينها، مثلا: إنسان ضيف عزيز يأتي إليك وتكرمه غاية الإكرام، وعند المغادرة تقول له: يا فلان، نحن قصرنا في طعامك وفي شرابك وفي كذا وكذا.. أنت لم تقصر معه، ولكن تتذلل وتتواضع بهذه العبارات، لا تعني جزئيات الكلمات، ولكن تعني الجو العام.. فمن الممكن أن الإمام -عليه السلام- يريد أن يتذلل ويتواضع بين يدي الله، فيفترض شيئا غير موجود، يقول: اللهم إني أستغفرك من ذنب قد تهتك عصمتي به.. وليس هنالك ذنب أبدا، ولكنه كأنه يتقمص هذا الدور تواضعا وتذللا لله عز وجل.

هناك رواية عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم يقول فيها: (إنه ليغان على قلبي، حتى أستغفر الله في اليوم مائة مرة).. بمعنى -الله العالم- أنه يصبح في حالة من هذه الحالات أو التبدل في المستوى، هكذا نقول في معنى هذه العبارة.

فإذن، إن هذه توجيهات ثلاث، لكل ما يمكن أن يقال حول استغفار المعصومين (صلوات الله وسلامه عليهم): إما تعليم، وإما استغفار من تبدل الحالات، وإما تذلل.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.