Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

إن التكبر يعكس حالة مرضية فى النفس الانسانية ، وفي أغلب الاوقات يكون انعكاسا لحالة من الذلة يعيشها صاحبها ، فيريد ان يعوض هذه الذلة بتعظيم نفسه امام الاخرين بموجبات وهمية في كثير من الاحيان .. ولا شك أن هذه الحركة منازعة وتشبه بالرب المتعال ، فهو الوحيد الذي يحسن له التكبر – كما هو اسم له – نظرا لما له من الكمال الذاتي ، والجمال الربوبي .

إن من المناسب ان نكتشف في انفسنا دواعي هذه الصفة المذمومة .. فمن هذه الدواعي : هو الاحساس بالاستغناء المالي ، الذي جعله القرآن الكريم من موجبات الطغيان ، والحال أن هذه الحالة لا تعكس كمالا في النفس ، فهل هناك اتحاد بين المالك والمال المملوك لتكون كثرته موجبة لعظمة صاحبه ؟.. وخاصة مع الالتفات الى حقيقة مفارقة المالك لما يملكه عاجلا كان او آجلا!.. فتأمل في هذا الحديث، ليفتح لك باب من ابواب الحكمة الخالدة ، فقد روي عن علي (ع) انه قال : ما احسن تواضع الاغنياء للفقراء ، طلبا لما عند الله ، واحسن منه تيه الفقراء على الاغنياء اتكالا على الله !! .

ومن دواعي التكبر أيضا : الاحساس بالوجاهة الاجتماعية والانتساب الى من هم – في نظر العرف – من اهل الشرف والمكانة ، والحال ان هذا من الوهم ايضا .. فإذا كان الفرد الواحد ممن لا تميز له ، فإن كثرته ايضا لا يوجب التميز .. أوهل نسينا أن الله تعالى جعل الكرامة الانسانية محصورة بالتقوى ، فلماذا نعطي وزنا لبعض الامور التى لا تستحق قيمة عند الله تعالى ؟..

ومن الدواعي ايضا : الانتساب الى بقعة جغرافية معينة وهو ما يسمى بالمواطنة .. والحال ان الارض كلها بلاد الله تعالى ، وسياتى ذلك اليوم الذى يجعلها قاعا صفصفا!! .. ولا شرافة لارض دون ارض إلا لبعض البلدان التي قدسها الله تعالى كالحرمين الشريفين .. وعليه ، فإن الانتساب الى بقعة من البقاع لا يعد من موجبات الفخر والتكبر على العباد ، والذي لا يزيد العبد الا مقتا عند ربه ، لضحالة مستوى تفكيره !..

ومن الدواعي أيضا : حب الذات ، فمن الغريب ان الانسان يحب ذاته ، ولو كانت عارية من كل صفات الكمال .. وعندئذ كم يبدو من المضحك حقا ان يعجب الانسان بذات فاقدة لادنى ما يوجب الاحساس بالعظمة والتكبر !!.. إن استذكار حقيقة الفناء والافتقار الى واهب الوجود في كل لحظة من لحظات الحياة ، لمن موجبات احتقار النفس ، وانه لا قوام لها إلا بالله الواحد الاحد.. وحينئذ يرى كل ما في الوجود صغيرا، حتى هذه النفس التي لا قيمة لها ، في جنب هذا الوجود المترامى الاطراف .

إن من موجبات علاج هذه الحالة الممقوتة عند الله تعالى : هو النظر الى العباد على انهم من شؤون المولى جل وعلا ، وحينئذ يكون هذا التعالي على العباد بمنزلة التعالي على هذه النسبة بين الخالق والمخلوق .. ومن هنا كان صاحبها في معرض الانتقام الالهي ، إذ انه حاول انتهاك هذه الحرمة المقدسة ، وهل اطلعنا على بواطن العباد وخواتيم اعمالهم ، لكي نحكم عليهم بما لا يستند الى علم ولا يقين ؟..

إن من موجبات العزة بين الناس : هو التذلل لله رب العالمين بصدق واخلاص ، سواء في التعامل الاجتماعي ، أو في الخلوات الفردية – وخاصة في حال السجود – فإن من تواضع لله تعالى رفعه ، إذ ان اسباب الرفعة والسمو محصورة بيده .. فها هو قد وعد نبيه المصطفى (ص) برفع ذكره ، فنراه قد قرن ذكره بذكره في معظم الحركات العبادية كـ : الشهادتين ، والاذان والاقامة ، والتشهد ، والتسليم ، وباقي الاذكار المستحبة ..

إن الانسان المؤمن كلما زاد معرفة بالله عز وجل ، كلما ازداد التفاتا الى عظيم تقصيره بين يديه ، ولنفترض انه اصلح واقعه الفعلي ، فكيف يعوض تلك الايام السابقة من حياته التي امضاها في السهو والغفلة والعصيان ،!.. ومن المعلوم ان تذكر ذلك، يوجب حالة من الاحساس بالخجل والذلة بين يديه تعالى ، فلا يبقى له مجال – وهو يعيش هذه المشاعر – أن يتكبر على عباده.. وها هو الامام زين العابدين (ع) يناجي ربه قائلا : ولا ترفعني في الناس درجة ، إلا حططتني عند نفسي مثلها ، ولا تحدث لي عزا ظاهرا ، إلا احدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها.

لقد ضرب المعصومون (ع) اروع المثل في نفي الكبرياء لغير الله تعالى ، فقد ورد انه عظم بعضهم امير المؤمنين (ع) باسلوب غير متعارف ، فسألهم عن ذلك : ما هذا الذي صنعتموه ؟ .. فقالوا خلق منا نعظم به امراءنا ، فقال (ع) : ( والله ما ينتفع بهاأمراؤكم ، وانكم لتشقون به على انفسكم ، وتشقون به في آخرتكم ، وما اخسر المشقة وراءها العقاب ، وما اربح الراحة معها الامان من النار! )

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.