Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

ان من الامور التي تسعدنا حقيقة ، هي مراجعة الناس لمعرفة الموقف الشرعي في مختلف الامور الحياتية – حتى في الشؤون الخاصة جدا – فان القاعدة العامة في هذا المجال انه لا حياء في الدين .. ومن الغريب ان البعض يتستر على ما يجهله من امور الدين ، بدعوى الخجل والاستحياء ، والحال انه لا يجد ضيرا في مراجعة الطبيب وان استلزم الكشف على بعض بدنه .. اوليس الاهتمام بما فيه سعادة الابد ، مقدم على ما سواه ؟

ان الكثير هذه الايام يشتكى من مشكلة ( غلبه الحدة والانفعال في مواجهة الاخرين ) حتى اننا نرى مثل هذه العلاقة بين من لا نتوقع منهم ذلك كـ : حدة الاولاد على الوالدين ، وكذلك الحدة بين الزوجين حديثى العهد بالاقتران .. ومن المؤسف ان نجد ان هذه الحالة تدمر الكيان الاسري ، رغم ان مناشئها في كثير من الحالات لا تتعدى الامور التافهة فى الحياة .. وهذا تحذيرنا دائما للمتعاشرين : احذروا الغضب الاول ، فانه يريق ماء الوجه ، والجرة االمجبورة بعد الكسر لا تقاس بالجرة السليمة !!

تصور انسانا يريد ان يسوق سيارة لا فرامل لها ولا مقود ، فهل يمكن ان تستقيم على الطريق ؟.. ان الانسان الذى لا يرى سيطرة لنفسه على نفسه لهو انسان في معرض فقد عقله في ساعة الانفعال ، ومن المعلوم ان بعض صور الخروج عن الطور العادي لا يمكن جبرها ابدا ، فان توهين المؤمن في بعض الحالات ، لا يمكن جبره حتى بالاعتذار .. واننا نعتقد ان كثيرا من العقد الاجتماعية والحرمان في الرزق ، تنشا من تجاوز الحدود في هذا المجال ، فان الله تعالى سريع الانتصار لعبده المؤمن اذا كان مظلوما !!

ان من الواضح اختلاف طبائع العباد بشكل حاد فى كثير من الحالات ، فاذا اضطررت الى معاشرة من لا انسجام له مع طبيعتك ، فان الحل لا يكون دائما في اجبار الطرف المقابل على ان يكيف نفسه على وفق مزاجك ، بل المطلوب ان تمتلك قدرة على تحمل الطرف المقابل : مداراة تارة ، وارشادا تارة ، وتغافلا تارة اخرى .. فان المواجهة المباشرة لا تزيد الامور الا تعقيدا ، وتبلغ المشكلة اوجها عندما يجد الانسان في نفسه نفورا تجاه الطرف المقابل ، وحينئذ لا يمكن الاجتماع معه تحت سقف واحد ، او هل يمكن دائما ان نقطع صِلاتنا باشخاص كأم الاولاد و الارحام؟

ان من قواعد التعامل في اجواء الانفعال : ان تلقن الطرف المقابل انك لا تتكلم معه من منطلق اللجاجة والخصومة والانتصار للذات ، بل من منطلق الوصول الى الحق ، فان اعتقاد الطرفين انهما يبحثان عن الحق يخفف كثيرا من اجواء الفتنة والتضارب في الاراء .. و القرآن الكريم ذكرها حقيقة واضحة : { افمن يهدي الى الحق احق ان يتبع } .. و يا ليت الذين يتخاصمون في امور الحياة ، يحتكمون الى العقل والشريعة ، اوهل هناك حكم خير منهما ؟!..

ان الانسان مخبوء تحت فلتات لسانه ، فان الانسان مهما حاول التظاهر بخلاف مزاجه ، الا انه ينفضح من اسارير وجهه ونبرات قوله .. وعليه فلا بد من تصفية النية والوجدان عند الانفعال ، فان المنفعل محكوم عليه بسوء النية عند الطرف المقابل الا ان يثبت العكس .. ومن الواضح ان الذى لديه موقف نفسي منك .. لا يمكنه ان يقبل النصيحة بل من الممكن ان يرتكب خلاف القول لمجرد اثارة الغيظ والانتقام منك !!

لا بد من تقديم الفكرة للطرف المقابل في طبق عاطفى محبب ، فان كلمة واحدة تنم عن الحب والتقدير تفتح قلب الطرف المقابل بما يغنيك عن كثير من الكلام والموعظة .. فلاحظ كيف ان القرآن الكريم قبل تكليف المؤمنين بشيء يمهد ذلك بـ { يا ايها الذين آمنوا } و { قل لعبادي الذين اسرفوا على انفسهم } و { اذا سالك عبادي عني }.. فلماذا لا نتأسى بالرب الودود في ترقيق لحن الخطاب ، والدخول الى القلوب من خلال المنافذ المحببة !!

ان من المجربات ان الذي يكظم غيظه فان الله تعالى يحشى جوفه نورا ، يراه الانسان بوضوح عندما يتعالى على مقتضى طبيعته الثائرة ، فلا يظهر ما يغلي في داخله من الغضب .. خوفا من ان يزل في القول فيثير عليه غضب رب العالمين .. ولا تنس ان الله تعالى طالما عفى عنا رغم اكتمال كل موجبات الانتقام .. الا انه يمهل عبده لعله يعود الى رشده . فهل حاولنا ان نتأسى بهذا الادب الالهي ؟

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.