Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

إن حقيقة الدعاء هو: الارتباط بمصدر آخذ القرارات الكبرى في العرش ، بمعنى أن الله تعالى ، كما أنه يجري مشيئته في خلقه بما يشاء وكيفما يشاء ، فكذلك يجعل مقاديره للأمور – نقضا ، وإبراما – مرتبطة بطلب العبد نفسه في تغيير مقدراته المصيرية في الحياة !.. فهو الذي لا يعجزه شيء في الارض ولا في السماء ، ومن المعلوم أن الطرق المسدودة ، انما هي كذلك بالنسبة لنا نحن العاجزين ، لا بالنسبة الى من بيده لوح المحو والاثبات.

ان لكل ظاهرة في هذا الوجود، قواعد يتحكم العباد في قسم كبير منها بإذن الله تعالى .. والدعاء ظاهرة من هذه الظواهر ، فلها قواعدها وموجباتها وموانعها .. والإلمام بذلك مما يعين العبد على الاستجابة السريعة ، وقد تطرقت النصوص الشرعية الى كثير منها ، نذكر منها هذه العينات .

اولا: ان اليقين بكرم الله تعالى وحسن الظن به ، من دواعي الاجابة ، فقد أمرنا حين الدعاء ان نظن ان حاجتنا بالباب .. فلنتصور مدى يقين من يرى ان حاجته بالباب ، ولا يفصله عنها الا المفتاح الصغير الذي يفتح به الابواب الكبيرة!

ثانيا: ان امواج البلاء تدفع بالدعاء قبل أن تغمر العبد ، فمن الواضح ان اثر الدعاء في الرخاء لدفع البلاء المقدر، ادعى للاستجابة بعد التورط في الشدائد .. اذ الاول يكشف عن حالة الاعتماد على الرب في جلب العافية .. والا فإن كل متورط يبالغ في الدعاء ، ولو كان بعيدا عن ربه !

ثالثا: لا شك ان الدعاء من مقتضيات الاجابة ، الا ان العبد العاصي ، يؤخر اجابة الله تعالى له ، بارتكابه الذنب من حيث لا يريد .. ولله تعالى كما ورد فضول من الرزق ، يكتبها الله تعالى لمن يشاء ، الا ان العبد يذنب – كما ورد عن النبي (ص) – فيحرم بذنبه الرزق ، فمن المقصر في هذه الحالة ؟!

رابعا : كمن من الجميل ان يدعو الانسان ربه في ساعة خلوه ، وفي مكان خلوه انسا بمولاه ، من دون حاجة تدعوه الى ذلك .. فقد كان ابراهيم (ع) اوّاها حليما ، وقد ورد في تفسير الاواه عن الباقر (ع) : انه المتضرع الى الله تعالى في صلاته ، واذا خلا في قفرة من الارض وفي الخلوات ..

خامسا: لا ينبغي ان يحصر الانسان طلبه من الله تعالى بالحوائج الكبيرة ، فإن الله تعالى امر نبيه موسى (ع) ان يسأله كل ما يحتاج اليه ، حتى علف شاته وملح عجينه .. ومن الواضح ان هذا تعويد على كثرة الارتباط بالله تعالى ، والرجوع اليه في كل صغيرة وكبيرة ، لئلا يرى العبد نفسه مستغنيا عن ربه في مرحلة من مراحلة حياته ، وهذه إولى خطوات الطغيان!

سادسا: ان من اللازم ان يكون العبد في هيئة مناسبة للدعاء من : التطيب ، واستقبال القبلة ، والتطهر ، ودفع الصدقة ، والاقبال بالقلب ، والبكاء أو التباكي ، وتكرار الدعاء الى حصول الاجابة ، وتقديم الاخوان ، والتعميم في الدعاء .. فما المانع ان يدعو العبد ربه بصيغة الجمع ، بدلا من صيغة المفرد ، وهو لا يكلفه الا تغيير الضمير في عالم اللغة؟!

سابعا : ان الروايات الشريفة قلما عبرت عن الله تعالى بانه يستحي من شيء ، ولكن عندما يصل الامر الى اجابة الدعاء ذكرت مثل هذا التعبير!.. فتأمل في هذا الحديث لتزداد يقينا على يقين ، بلطف المولى وكرمه .. فقد ورد عن الباقر (ع) : ما بسط عبد يده الى الله عز وجل ، الا استحى الله ان يردها صفرا ، حتى يجعل فيها من فضله ورحمته ما يشاء ، فإذا دعا احدكم فلا يرد يده حتى يمسح بها على رأسه ووجهه.

ثامنا : ان هنالك تفسيراً غريب في بعض النصوص لتأخير الاجابة ، وهو ان دل على شيء فإنما يدل على عمق محبة الله تعالى لعباده الداعين ، وهو الغني عنهم.. فهل تصدق ان الله تعالى يؤخر الاجابة – رغم صلاح الامر – لانه يحب ان يسمع صوتك ؟!.. فقد ورد ان الله تعالى ليؤخر الاجابة ، شوقا الى دعائه ويقول : صوتا احب ان اسمعه ، ويعجل اجابة الدعاء للمنافق ويقول : صوتا اكره سماعه.. فهل بعد ذلك حنان فوق ذلك؟!

تاسعا : كم من الخسارة حقا ان يكون الانسان فارغا معافى ، ولا يكلف نفسه ذكر مولاه ، وهو الذي سيذكره في ملأ خير من ملأه!.. وكم هي الساعات الضائعة في حياتنا انتظارا لامر ، او سياقة لدابة ، أو تقلبا على فراش !.. اولا يشملنا قوله (ص): اكسل الناس : عبد صحيح فارغ ، لا يذكر الله بشفة ولا لسان.

عاشرا : ورد التأكيد على ألا نجعل مجالسنا – والتي تكلفنا في بعض الحالات الكثير من المال وساعات العمر الغالية – من مصاديق الوبال يوم القيامة ، فقد ورد عن النبي (ص) : (ما من قوم اجتمعوا في مجلس ، فلم يذكروا الله عزوجل ، ولم يصلوا على نبيهم صلوات الله عليه وآله ، إلا كان ذلك المجلس حسرة ووبالا عليهم).. أولا تكفي مثل هذه الحسرات عذابا يوم القيامة ؟!

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.