Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

نحن عندنا في سنتنا محطات كثيرة بعدد مواليد المعصومين (ع) ، فلو أخذنا من كل معصوم صفة من الصفات المتميزة ، لخرجنا بحصيلة يعتد بها ، نجدد بها القوى والهمم.

الإمام علي بن موسى (ع) هو ثامن أئمّة الهدى(ع) ، وخليفة الله على خلقه وحجته عليهم في زمانه ، المشهور : بالرضا ، والصابر، والرضي، والوفي.. ولقد تولى الإمامة بعد استشهاد والده الإمام الكاظم (ع) ، وقد عرف عن الإمام (ع) الزهد وكثرة التهجد والعبادة ، والتواضع والعطف على الفقراء والمساكين.. أضف إلى أنه كان مأوى للعلماء ، وحصناً يرد عن الدين الشبهات الضالة.. وقد استشهد (ع) في طوس ، وقبره الآن مزار مهيب يتقاطر المسلمون على زيارته والتبرك به.

وإن الحديث عن عظيم أهل البيت (ع) لطويل ولكننا نكتفي هنا بإبراز لمحات سريعة من حياته الشريفة :

– السلام على شمس الشموس، وأنيس النفوس.. إننا نعتقد بأن هذا الإحساس المفرط بالأنس الشديد لزوار الرضا (ع) هدية إلهية ، مقابل الكبت والأحزان التي عاشها (ع) في حياته ، إبان قبوله لولاية العهد بالإجبار والتهديد في عهد المأمون ، وفي هذه الراوية دليل على ذلك : (كان الرضا (ع) إذا رجع يوم الجمعة من الجامع ، وقد أصابه العرق والغبار رفع يديه ، وقال : اللهم!.. إن كان فرجي مما أنا فيه بالموت ، فعجل لي الساعة ، ولم يزل مغموماً مكروباً إلى أن قُبض صلوات الله عليه).

– قال الرضا (ع) : (إنّ في أرض خراسان بقعة من الأرض ، يأتي عليها زمان تكون مهبطاً للملائكة ، ففي كل وقت ينزل إليها فوجٌ إلى يوم نفخ الصور .. فقيل له (ع) : وأي بقعة هذه ؟.. فقال : هي أرض طوس ، وهي والله روضةٌ من رياض الجنة).. من المعلوم أن الله عزوجل يتجلى للعبد ، الذي أكرم هذه البركات المقدسة ، والتي حلت في هذه الأرض.. فما هي فلسفة الزيارة ؟.. لتوضيح ذلك نذكر هذا المثال : إن من المتعارف هذه الأيام في العلاقات بين الدول ، أن ترى الرئيس عند زيارته لدولة ما ، يحرص على الذهاب لزيارة رموز وقادة تلك الدولة ، ليثبت لهم حسن نيته وصفاء سريرته ووده.. إن هذه حركة عاطفية أممية ، فلماذا عندما يصل الأمر إلى النبي وآله (ص) ، نقف هذا الموقف الجاف الخشن ؟!. تلك كانت وسيلتهم للتقرب ، وكذا نحن نتخذ أئمتنا وسيلة للتقرب من الله عزوجل ، فهم الرموز والقادة العظام الذين شيدوا هذا الدين ودافعوا عنه ، ولهم المنزلة العالية عند الله عزوجل.. ومن الضروري أن يعيش الإنسان -علاوة على السياحة البدنية- جواً مميزاً من السياحة الروحية : ذكراً ، وعبادة ، وانقطاعاً لله عزوجل.

– إننا نعتقد أن الموالين الذين اتبعوا منهج أهل البيت (ع ) يتميزون بصفتين :

الأولى : هي الجانب العلمي المتميز من الوعي والثقافة الدينية.. وهذا أمر طبيعي لا ينكر ، إذ أن مجالس أهل البيت (ع) جامعة إسلامية متنقلة.

الثانية : هي الجانب العاطفي والتفاعل الشعوري ، الناشئ من البكاء على مصائب أهل البيت (ع) ، أو شد الرحال إلى زيارتهم.

– من الدروس المهمة في حياة إمامنا الرضا (ع) : هي اتصاله بمبدأ الغيب في كل الأحوال والتقلبات ، فقد كان إمامنا في كل الأحوال يعيش حالة واحدة مع رب العالمين ، وهي حالة الاستقرار والاتصال بذلك المبدأ.. كما هو معلوم في التاريخ إمامنا (ع) كان آمنا في المدينة بجوار جده المصطفى (ص) ، وإذا به يساق قهراً إلى أرض طوس ، ليقطع البراري والقفار من بلد إلى بلد ، ويتجشم عناء السفر.. نعم، كل أئمتنا (ع) هكذا ، كانوا يفزعون إلى الصلاة بين يدي الله عزوجل كلما ضاقت بهم الأحوال ، واجتمعت عليهم الأحزان ، ليرتبطوا بمصدر الأنس والجمال ، فهل نحن كذلك؟!

– سبب تسمية الإمام (ع) بالرضا..

قلت للجواد (ع) : إنّ قوما من مخالفيكم يزعمون أنّ أباك إنما سماه المأمون الرضا لما رضيه لولاية عهده ؟.. فقال (ع) : كذبوا والله وفجروا ، بل الله تبارك وتعالى سماه بالرضا (ع) لأنه كان رضا لله عزّ وجلّ في سمائه ، ورضا لرسوله والأئمة بعده صلوات الله عليهم في أرضه ، فقلت له: ألم يكن كل واحد من آبائك الماضين (ع) رضىً لله عزّ وجلّ ولرسوله والأئمة بعده (ع) ؟.. فقال : بلى ، فقلت : فلِمَ سمي أبوك (ع) من بينهم الرضا ؟.. قال : لأنه رضي به المخالفون من أعدائه ، كما رضي به الموافقون من أوليائه ، ولم يكن ذلك لأحد من آبائه (ع)، فلذلك سمي من بينهم الرضا (ع) .

– من مصاديق لطف الإمام (ع) بمحبيه ما نقل لنا في هذه الراوية : يقول هذا الراوي :

بعث الرضا (ع) إليّ بحمار ، فركبته وأتيته وأقمت عنده بالليل إلى أن مضى منه ما شاء الله ، فلما أراد أن ينهض ، قال : لا أراك أن تقدر على الرجوع إلى المدينة ، قلت : أجل جعلت فداك !.. قال : فبت عندنا الليلة واغد على بركة الله عزّ وجلّ ، قلت : أفعل جعلت فداك !.. فقال : يا جارية !.. افرشي له فراشي ، واطرحي عليه ملحفتي التي أنام فيها ، وضعي تحت رأسه مخادّي ، قلت في نفسي : من أصاب ما أصبت في ليلتي هذه ؟.. لقد جعل الله لي من المنزلة عنده وأعطاني من الفخر ما لم يعطه أحداً من أصحابنا : بعث إليّ بحماره فركبته ، وفرش لي فراشه ، وبتّ في ملحفته ، ووُضِعت لي مخادّه .. ما أصاب مثل هذا أحد من أصحابنا . قال : وهو قاعد معي وأنا أحدّث في نفسي ، فقال (ع) : يا أحمد !.. إنّ أمير المؤمنين أتى زيد بن صوحان في مرضه يعوده ، فافتخر على الناس بذلك ، فلا تذهبن نفسك إلى الفخر ، وتذلّل لله عزّ وجلّ ، واعتمد على يده فقام.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.