Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

ان من الامراض الشائعة فى هذه الايام : هو الاحساس بالوحدة وعدم وجود الانيس الموافق .. فان الانسان – وان بدا سعيدا بين افراد اسرته – الا انه بمجرد ان ينفرد عنهم ، سواء فى المنزل او خارج المنزل ، فانه سيعيش حالة من الضيق والاكتئاب ، وتزداد الوحشة عند الفراق ، كلما زاد انسه بهم عند الاجتماع .. ومن المعلوم ان حالة الاجتماع مع الاهل والاصدقاء ، لا يدوم حتى فى الحياة الدنيا ، فكيف فى عالم تنقطع فيه النسبية والسببية ؟!!

ان الحل الاساسى لمن يريد ان يعيش حالة الانس والسكينة الروحية : هو الارتباط بالمطلق الذى لا يفارق الانسان ابدا ، بدء من عالم الارحام الضيقة ، ومرورا بالبرزخ ، وانتهاء بعرصات القيامة ، و الحال انه هو الذى بيده مقاليد الامور كلها .. اوليس من الغريب حقا ان يترك الانسان الاستجداء من الغنى المطلق ، ليستجدى من مستجد آخر مثله .. اوهذا من المنطق فى شيئ ؟

ان هذا الاحساس بالقرب من مصدر السعادة فى الوجود ، خير عوض لمن لم يحالفه التوفيق لحياة زوجية مستقرة .. فالكثير – وخاصة من النساء – يعشن هذه الوحدة القاتلة ، قبل دخول القفص الزوجى او الحرمان منه بعد الدخول فيه ، فبدلا من الالتجاء الى بعض الممارسات المحرمة ، اليس هذا نعم العلاج الذى لا يرقى اليه علاج ؟.. والعلاج نفسه خير علاج لمن فقد حنان الزوج الذى تتحول عنده المراة فى بعض الاحيان الى اداة لللعب والعبث!!

ان الارتباط بالحق المتعال على مستوى اتخاذه جليسا وقرينا ، يحتاج الى بلوغ روحى خاص ، وقد لا يرشح له العبد بمجرد الادعاء والاستذواق والسير فى خطوات قصيرة متعثرة ، فان الامر يحتاج الى سير – ولو تكلفى – فى اوله ليفتح للعبد الابواب الموصدة .. فاذا فتح له الباب ، وتذوق حلاوة العشق الالهى ، فان كل جمال فى الوجود سيبدو باهتا امامه! .

ان اهم سبيل لتحقيق القرب من الحق هو مقاومة المنكر بكل صوره ، فكيف يتودد الانسان الى جهة يمقته صاحبها ، وذلك لمداومة المخالفة والعصيان ؟! .. اذ من احب احدا ، احب ما يتقرب به اليه ، فاننا فى حالات الغرام المتعارفة بين المنحرفين من الجنسين ، نرى اعلى صور التفانى فى هذا المجال ، يصل الى حد قطيعة الاهل وهجرة الاوطان ، رغم انهما بعد فترة – ليست طويلة – يستيقظان على واقع سرابى ، وذلك عندما تتلاشى قوة الغريزة فيهما بفعل التكرار ، الذى يوصلهما الى حد القرف والاشمئزاز فى كثير من الاحيان !! .

لا بد من البحث فى الآليات الموصلة لهذه الحالة المقدسة ، اى حالة الارتماء فى الاحضان الدافئة للحنان الربوبى، والتى منها يتشعب دفء حنان الامومة ، وهذه الالية متمثلة فى : اتقان الواجبات بشروطها الفقهية والعرفانية ، ومن ثم العمل بما لم يلزمنا به الشارع ، اى الالتفات الى ضرورة القيام ببعض النوافل ، فان القيام بالواجبات فيها شبهة الخوف من العقاب ، واما النافلة ففيها نسبة عالية من حب ارضاء المولى بما لم يفترضه على العبد .. ومن هنا عبر الامام العسكرى (ع) عن السفر الى الله تعالى بانه : لا يدرك الا بامتطاء الليل !!.

ان التعلق والانس بما دون الخالق له علاقة عكسية بالانس بمصدر الانس فى الوجود .. اذ كلما انس الانسان بمجالس الغافلين ، فانه سيسلب منه لذه الاحساس باللقاء الالهى ، ومن انس مجالس البطالين ، كيف يتوقع ان تفتح له ابواب الورود على بساط سلطان السلاطين ، وخاصة مع الالتفات الى انه ما جعل الله تعالى لرجل من قلبن فى جوفه .. ومن المعلوم ان الدنيا والاخرة ضرتان ، لا يمكن ارضاء احداهما الا بسخط الاخرى ، كما هو معلوم من خلال التجربة والبرهان !!

لو ان احدنا اراد ان يتمتع بكل امتيازات بلد من البلدان ، فما عليه الا ان يتصل ببلاط حاكم ذلك البلد ، ليرى ان كل الموانع ترتفع باشارة من ذلك السلطان او اعوانه ، وحينئذ نقول : لو ان ان احدا اراد ان يعيش حالة الدلال المطلق فى هذا الوجود ، مع هذا الكم الهائل من الحوائج لديه ، اوليس من المنطقى ان يحسن علاقته مع من السموات مطويات بيمينه والارض جميعا قبضته يوم القيامة ؟!! .. ولكن مسكين بنى آدم – كمسكنة بنى اسرائيل – حيث يستبدل المن والسلوى ، بفومها وبصلها دائما ؟

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.