Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

ان الحديث عن الطاقة الكونية ، اغرى الكثير بالبحث عنها ، لما استنتجوا من أن :الكون برمته مزود بطاقات متصلة بعضها ببعض ، ويؤثر كل جزء بالاخر ، وبان: طاقة النفس الانسانية ، شأنها شأن طاقة الذرة الكامنة ، التي لو امكن فلقها واخراجها الى مرحلة الفعلية ، لاحدث انفجارا هائلا ، يمكن ان يستغل في جانب البناء ، كما يمكن ان يستغل في جانب الهدم ..

– يعتقد اصحاب هذا الاتجاه – وهم في حال انتشار واسع – ان معظم الامراض المستعصية في هذه الايام ، تنتهي بشكل مباشر أو غير مباشر الى الاضطراب الباطني ، والذي يؤثر بدوره على الاخلال بوظائف الاعضاء الظاهرية ، ومن هنا رأوا بأن سلامة الروافد متوقفة على سلامة المنابع ، ومن دون السيطرة على النفس بقواها الخفية ، لا يمكن السيطرة على اثار التفاعلات السلبية الصادرة منها ، والمنعكسة على البدن كـ: الكآبة، والقلق ، والتوتر وما شابه ذلك..

– اننا نرحب بكل حركة من شأنها الغور في اعماق النفس، بدلا من الالتهاء بالشهوات البهيمية التي لا تعد مزية لبني آدم ، بل هي من سمات كل دابة تدب على وجه الارض !.. ولكن لنا ان نتسآءل ونقول: انه ما دامت النفس من مصاديق الغيب ، وما هو مرتبط بما وراء الطبيعة ، فكيف يمكن بالادوات المادية ، الوصول الى المجاهيل العميقة لما وراء المادة؟!.

– إن الذي يعتقد بمبدأ لهذا الوجود ، لا بد له من أن يطلب هذه الطاقة السحرية ، من خلال الالتجاء الى منهج رسمه خالق تلك الطاقات ، ومخرجها من العدم .. فهو الادرى بأسرار خلقه ، وخاصة مع الالتفات الى انه لم يخلق شيئا في عالم الوجود ، اشرف من هذه اللطيفة الربانية المودعة في القالب البشري ( اتزعم انك جرم صغير ، وفيك انطوى العالم الاكبر ).. ويكفي بني آدم فخرا ما نسب الى المولى في حديث قدسي : ( يا ابن ادم !.. خلقت الاشياء من اجلك ، وخلقتك لاجلي! ).. وما نسب الى الامام الصادق (ع) من هذه المقولة المعبرة : (الصورة الانسانية هي اكبر حجة الله على خلقه ، وهي الكتاب الذي كتبه الله بيده ).. ولكن كم ضيع الانسان هذه المزية ، حتى شبهه القرآن بالخشب المسندة؟!..

– إننا نلخص نظرتنا في النجاح للارتباط بالطاقة الكونية – بمعناه الصحيح لا الادعائي – في اتباع مراحل ثلاث ، مستعينين في ذلك بمثال مادي يتمثل فيمن يريد ان يرى صورة الشمس في مرآة عاكسة : فالخطوة الاولى تتمثل في امتلاك مرآة صقيلة .. ومن ثم ازالة العوائق المانعة من ذلك الانعكاس .. ومن ثم توجيه المرآة نحو مصدر النور ، توجيها مباشرا .

– فالخطوة الاولى لمن اراد الخروج عن مألوف الحياة – الذي طالما اوجب الملل والفتور – هي : ان يصقل مرآة نفسه ، بازالة كل ملكة خبيثة يمنع توجه النظرة الالهية اليه ، كـ: الحقد ، والحسد ، وحب الاستعلاء ، والشغف بعاجل المتاع وغير ذلك .. والله تعالى عندما يمدح خليله يصفه بانه جاء ربه بقلب سليم ، مما يدل على ان رتبة اصلاح الجوانح هي الخطوة الاولى ، للاقتراب من مصدر الفيض في هذا الوجود.

– الخطوة الثانية لمن يروم الاتصال بمصدر كل طاقة في هذا الوجود هي :ازالة الحجب والعوالق الطارئة على القلب السليم .. فإن القرآن يعبر عن المؤمنين بأنهم يمسهم طائف من الشيطان ، إلا انهم سرعان ما يعودون الى رشدهم، فإذا هم مبصرون .. فليس من الغريب ان يعثر الانسان ، وإنما العجيب ان لا يقوم من عثرته ، حتى ولو تكرر منه ذلك !.. ومن هنا وصف القرآن الكريم التوابين، بانهم محبوبون عند الله تعالى .

– الخطوة الثالثة : هي توجيه وجه الباطن دائما الى ذلك الوجه الذي يمثل اعلى درجات الجمال في هذا الوجود ، بما لا تحتمله عقول الممكنات.. فتأمل في هذا الحديث النبوي الذي يصف السماء قائلا : ( ما فيها موضع قدم ، الا وفيه ملك راكع او ساجد ).. والعجب من هذا العدد الغفير من الخلق الدائب في العبادة ، ولكن لنعلم مع ذلك انها مجبولة على الطاعة! .. فهنيئا لبني آدم الذي حاز شرف الطاعة بالمجاهدة والمعاناة ، ومن هنا صار اشرف الطائعين.

– اذا اتصل الانسان بمصدر الطاقة الكونية بعد الخطوات الثلاث ، فإنه من الطبيعي ان تسخر لها الطبيعة ، بل كل ما سوى المولى ليصل الى هدفه المنشود .. فهذا الكليم نراه يتقلب من يد الى يد ، مشفوعا بالعناية الخاصة في كل مراحل حياته .. وذلك من بركات الاوسمة الثلاث التي تلقاها من الحق المتعال : { ولتصنع على عيني } و { القيت عليك محبة مني } و { واصطنعتك لنفسي } .. بالاضافة الى الوسام العام لجميع المؤمنين { الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، سيجعل لهم الرحمن ودا }

– ان الانجذاب المتبادل بين مصدر الطاقة والمتلقي لها ، يشبه التجاذب الكوني ، الذي نراه متجليا في المجرة والذرة على حد سواء !.. وهو الذي يمثل العروة الوثقى التي تمنع الوجود من الانفصام .. ومع كل ذلك ، فإن لهذا الانجذاب حالات مد وجزر ، بحسب الزمان ( الاشهر والليالي المباركة ) .. والمكان ( الامكنة المنسوبة اليه كالحرمين والمساجد والمشاهد المشرفة ) .. والحالات ( ساعات التضرع والانقطاع ).. فطوبى لمن كان مده اكثر من جزره!!.. بل طوبى لمن لا جزر له !!.. أوهل نطمح الى ذلك في خضم لعبة الحياة ؟!..

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.