Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

{فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء}.. إن ظاهر هذه الآية، كأنه خطاب للإنسان الذي يريد أن يتحوّل من الكفر إلى الإسلام، ولكن الملاك أعم.. فالآية تبين حقيقة في صفوف المسلمين، وما بعد الإسلام، وهي: أن الله -عز وجل- إذا أراد أن يهيئ قلبا للهداية، شرح ذلك الصدر.. فلماذا يشرح صدر البعض دون البعض؟.. وكيف يشرح الصدر؟..

أولا: إن حكمة الله -عز وجل- تقتضي أن يجعل كل شيء في موضعه.. فعمل الحكيم مطابقٌ لقواعد الحكمة، فليس هناك جزافٌ في أمر الحكيم.. وليس هناك ترجيحٌ بلا مرجّح.. فمثلا: إذا كان هناك عنصران، والحكيم يعطي امتيازا لعنصر دون عنصر، فهذا خلاف الحكمة الإلهية البالغة.. فإذن، إن تصرفات الله -عز وجل- في قلوب العباد: ربطاً، وهدايةً، وخذلاناً، وتوفيقاً.. كل هذه الأمور منشؤها من العبد.

نعم، قد يكون المنشأ البشري غير كافٍ للهداية.. فمثلا: إنسان يريد أن يهتدي، فيقرأ كتاباً، ويسمع محاضرة، ويفكر ساعةً؛ إن هذا السعي قد يكون غير كافٍ للهداية.. فهنا عندما يرى الله -عز وجل- عبده ساعياً في الهداية، مفرغاً نفسه من أي حكم مسبق؛ فإن الله -عز وجل- يتدخل في المسك بيد ذلك الضال الذي يرى بأنه ضال، ويرى الهداية من الله عز وجل.. ومع ذلك يسعى قدر إمكانه في تلمس الهدى.

فإذن، {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ}.. كأنه نوع اطمئنان للساعين في طريق الهدى.. أي: إذا كنت تبحث عن الإيمان، وعن الإسلام، وعن التقوى، وعن جزئيات الهداية، وعن الإيمان الخالص، وعن تثبيت الفؤاد، وعن شرح الصدر، وعن معرفة الجبار.. فكل هذه المعاني من الله -عز وجل- ولكن عليك أن تسعى، ولو سعيا بسيطاً؛ لكي تثبت بأنك جاد في البحث عن الهدى الإلهي.

{وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا}.. لماذا ذكر الصدر هنا؟.. ما يفهم من هذه الآية: أن هناك مشكلة انتقال المعلومات من الفكر إلى القلب.. القلب الذي يعيش حالة الاطمئنان.. هنا إذا كان الطرف من الذين خذلهم الله، وممن لا يريد هدايته، يجعل له سداً منيعاً بين الفكر والقلب.. فالذهن يعتقد بشيء، والقلب يعتقد خلاف ذلك الشيء.. وطالما أحببنا في حياتنا ما يضرنا، وكرهنا ما ينفعنا.. فأحببنا ما يضرنا اعتقاداً، فنحن نعتقد أنه ضار، ومع ذلك نحبه.. وبعض الأوقات العكس، نعتقد أن هذا الشيء نافع، ولكن لا نحبه.. {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}؛ هو خير لكم ولكن تكرهوه.. {وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ}؛ هو شر في الواقع، وقد يكون شراً في الذهن أيضاً، لا في الواقع فحسب!.. وتعلم بأنه شر، ولكن تحب ذلك الشر.

فإذن، إن الخذلان الإلهي هنا، يأتي ليوجد سداً منيعاً بين الفكرة وبين القلب {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ}.. أي اعتقدوا بها اعتقاداً ذهنياً، ولكن القلب لم يستسلم.. فما هي الضابطة؟.. ولماذا يجعل الله -عز وجل- الحاجز بين جهاز الفكر، وجهاز القلب خذلاناً؟..

يقال أن من أسباب ذلك: عدم العمل بمقتضى الفكرة، أي هناك فكرة، وهناك قلب، وهناك جوارح، وعمل خارجي.. أنت إذا لم تنطلق وراء الفكرة الصحيحة، لم تعمل بالفكرة الصحيحة.. فإن هذه الفكرة الصحيحة تخرج من قلبك، لأنك آمنت بالفكرة، واعتقدت بصحتها، ولكنك لم تمارس ذلك.. وفي دعاء: (اللهم!.. ارزقني رحمة الأيتام).. هل هناك شكّ أن الإنسان يحب اليتيم، ويرحم اليتيم؟.. فإذا اعتقد بالفكرة، ولم يمارسها.. واعتقد بلزوم الرحمة، ولم يرحم؛ فإن الرحمة تنزع من قلبه.

{وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا}.. وهنا دعوة للمفكرين، والباحثين، والذين ينشدون حقيقة ما في أصول الدين، أو في فروعه.. الالتجاء إلى الله -عز وجل- من منطلق هذه الآية.. فالذي يشرح الصدر، هو الذي يجعل الصدر ضيقاً حرجاً، كأنما يصعد في السماء، كناية عن شدة الضيق.. فإذن، بموازاة السعي العلمي في تحصيل مباني الشريعة وجزئيات الإسلام، علينا أن نتوسل إلى الله -عز وجل- في فك الرموز.. وقد قيل: إن بعض الفلاسفة عندما كان يبتلى بعويصة فكرية فلسفية، كان يلجأ إلى ركعتين من الصلاة؛ لكي ينفتح قلبه على الواقع.. ولهذا فإن أدعية الهداية كثيرة ومنها: (اللهم!.. اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وقني شر ما قضيت).. و(أعوذ بك من مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن).

إن الالتجاء الدائم إلى الله -عز وجل- في حقل البحث العلمي له ثمرتان:
١- الثمرة الأولى: تكريس الفكرة في الذهن.
٢- الثمرة الثاني: مساعدة الإنسان، لكي ينزل هذه الفكرة من عالم الفكر إلى عالم القلب، وعالم الاطمئنان.

وعليه، فإنه لإيضاح الفكرة ولتغلغل الفكرة إلى القلب، نحتاج إلى الاستمداد الدائم.. ولهذا النبي -صلى الله عليه وآله- والأئمة -عليهم السلام- هم هداة الخلق فكراً وعملاً.. ومع ذلك نرى التجاءهم الدائم إلى الله -عز وجل- حتى أن الله -عز وجل- ينسب هداية نبيه إلى نفسه، إذ قال: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى
* وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى}.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.