Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

إن الصلاة تمثل المحطة العبادية اليومية، وإلا فإن الحج في العمر مرة، وشهر رمضان في السنة مرة.. كما أن القيام لصلاة الليل بحاجة إلى مجاهدة {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}؛ كذلك القيام لصلاة الفجر بحاجة إلى مجاهدة.. وهذهِ الأيام صلاة الجمعة أيضاً تحتاج لقطع مسافات بعيدة بالنسبة للبعض.. وبالتالي، هنالكَ: تعب، وقيام، وهجران للنوم، وقطع للمسافات.. فالصلاة شيء موجود؛ ولكن يجب نفث الروح في هذا الشيء.. وهي واجبٌ تكاملي؛ فالإنسان وهو في حال الاحتضار، عليه أن يصلي مستلقياً على ظهره، وهناك صلاة الغريق أيضاً.. فالصلاة لا تسقط بأي حال.. وعليه، فإن المؤمن ينبغي أن يلتفت إلى هذهِ الأمور، ولابدَ له من مراجعة الكتب المؤلفة في هذا المجال.

إن من أهم الآيات المتعلقة بالصلاة الخاشعة، مفتتح سورة “المؤمنون” {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ}.. وبعد ذلك يذكر مواصفات المؤمنين: {الذينَ أفلحوا وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} وأخيراً يقول: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}.. إذن، هنالكَ خشوعٌ قلبي، وهنالكَ حفظٌ للصلاةِ؛ بمعنى المحافظةِ عليها.

إن الصلاة قضية مركبة: فالذين يصلون صلاة خاشعة في الليل، ولكن في النهار لا يُراعون بصرهم؛ هؤلاء تجاوزوا الحد {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}.. والتاجر الذي يصلي صلاة الليل -مثلاً- وهو إنسان غير أمين في التجارة؛ هذا الإنسان لا ينطبقُ عليه {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}.. والذي يقيم الليل، ويؤدي الأمانات، ويحفظ الفرج؛ ولكن إذا دخلَ المجالس يتكلم في كل ما هبَّ ودب؛ هذا الإنسان لا تنطبق عليه آية: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ}.. وبالتالي، هنالكَ مجموعة متكاملة، فالذي يريد أن يكونَ من الفالحين، يجب أن تكون صلاته خاشعة، وعن اللغو معرضا، وللزكاة فاعلاً، ولفرجه حافظا، وللأمانة مؤدياً، ..الخ؛ كل ذلك مجموعٌ متكامل.

{الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ}.. من الممكن أن تنطبق هذه الآية على الإنسان المصلي، الذي لا يقبل في صلاته.. صاحب تفسير الميزان، عندما يصل إلى كلمة {سَاهُونَ}.. يقول: (أي غافلون، لا يهتمون بها، ولا يبالون أن تفوتهم بالكلية، أو في بعض الأوقات، أو تتأخر عن وقت فضيلتها، وهكذا)!.. ومن أبعاد السهو عن الصلاة، تأخيرها عن وقتها لغير عذر، هكذا روي في حديث مأثور عن الإمام الصادق (ع) قال: (تأخير الصلاة عن أول وقتها لغير عذر).. أيضاً من مصاديق السهو،ِ وعدم الاعتناء بالصلاة: حالة الإنسان عندَ الأذان والإقامة.. ففي الأذان والإقامة هناك اثنتا عشرة دعوة للتعجيل في الإقبال على الله -سبحانه وتعالى- وهو الغني عن عباده، يقول: (حيّ)؛ أي عجل عليّ!.. لو أنَ إنساناً قالَ لخادمهِ: يا فلان، خُذني إلى المكان الفلاني!.. وكرر عليه القول اثنتي عشرة مرة، والخادم لا يبالي.. أقل ما يقوم بهِ هذا المخدوم، أن يسرّح خادمه، لأنه لم يلب نداءه، ولم يعتذر رغم الدعوات المتكررة؟.. فالإنسان إما أن يلبي النداء، وإما أن يعتذر.. أما الإنسان الذي يسمع الأذان في أول الوقت: وهو غير مشغول، وغير مريض.. ومعَ ذلك لا يبالي، وعينهُ في الصحيفة، أو عينهُ على التلفاز، أو في حديثٍ -لا سمح الله- مُحرم مع النساءِ مثلاً.. بماذا يمكن وصف هذا الإنسان؟..

إن القضية في منتهى العظمة!.. ولهذا أحد العلماء الكبار، لهُ كلمة جميلة في هذا المجال، معنى كلامه: بني آدم غير منصف، ربُ العالمين يناديه كذا مرة: عجّل، عجّل!.. وهو لا يبالي.. ولكن إذا سقطَ في فراش المرض، يقول: ربي، عجّل في شفائي!.. ربُ العالمين لعلهُ يقول: هذهِ بتلك!.. الآن وقعتَ في أزمة، وتُريد أن نعجل في قضاء حاجتك؛ بينما نحنُ في كل يوم نناديك: أقبل وعجّل!.. وأنتَ لا تبالي.. أينَ الإنصاف؟..

إن أمير المؤمنين (ع)، هو الخط المستقيم الذي يوصل الإنسان إلى الله عزَ وجل.. عندما بعثَ محمد بن أبي بكر لولايةِ مصر، زوّدهُ ببيان سياسي، بيان بإدارة المملكة، كتب فيه: (واعلم أنّ كل شيء من عملك؛ تبع لصلاتك.. فمَن ضيّع الصلاة؛ فإنّه لغيرها أضيع).. أي تحب أن تكون اقتصادياً ماهراً موفقاً؛ عليكَ بالصلاة في أول الوقت.. تحب أن تكون إنسانا سياسيا موفقا؛ عليك بصلاةِ أول الوقت.. نقرأ في سورة الفاتحة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}؛ أي ماذا تريد: تريد الدنيا؛ إياكَ نستعين.. تريد الآخرة؛ إياك نستعين.. تريد الحور والرضوان؛ إياك نستعين.. فالذي يريد أن يحقق التكامل؛ لابد أن ينسجم مع رب السماء.

بعض خبراء الإقتصاد يقول: “أن سبب هذهِ الأزمة العالمية؛ هو الربا.. هذا التداول المحرم، أوقعَ الناس في هذهِ الأزمة”.. نعم، الربا والزنا، لفظتان متقاربتان.. الربا في الإنحلال الإقتصادي، والزنا في الإنحلال الأخلاقي.. البشرية اليوم بين فكي كماشة؛ الشيطان لهُ مقص، طرفا المقص: الربا، والزنا.

من أسرار الصلاة الخاشعة:
– الصلاة أول الوقت.. الصلاة في أول الوقت، بما فيها صلاة الفجر.. بعض الناس تمر عليه ليال وأيام، لا يستيقظ لصلاة الفجر؛ هذا الإنسان لا يقطف ثمار الصلاة الخاشعة.. هذهِ الأيام عندما يصف الطبيب مضادا حيويا للمريض؛ فإنه يطلب منه الالتزام بالوقت، ثمان ساعات أو ست ساعات، عليه أن لا يتأخر عن وقت العلاج؛ فهذه شُحنة لها ترتيب.. وربُ العالمين يقول: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}.. بين صلاة العشاء وبين صلاة الظهر فترة طويلة، إذا لم يصلِّ الإنسان صلاة الفجر؛ تصبح هذه الفترة مميتة للقلب.. عندئذ هل هذا الإنسان يكون من الفالحين؟!..

– التألم لفوات الصلاة.. إذا غلبَ النوم على الإنسان، رُفعَ القلم عن النائم حتى يستيقظ.. ولكنْ مثلا: لو أن شابا أعزب في دولة، وعروسه في دولةٍ أخرى، وكان المقرر السفر الخامسة صباحاً، هل يدع مجالاً كي تفوته الطائرة، ويحرم من لقائها؟.. هل هذا الإنسان يقول: النائم رفع عنهُ القلم؟.. أو أنه يعيش الألم إلى أيام وليال؛ لأنهُ فاتهُ القطار كما يقولون.. البعض عندما يستيقظ بعدَ طلوع الفجر، يبكي بكاء الثكلى، يصلي بين يدي الله -عز وجل- بعدها مباشرةً، يقول: يا ربِ، سامحني أنا كنتُ نائماً، ولكن الآن استيقظت.. بينما هناك أناس في ذمتهم قضاء صلوات الصُبح من ثلاثين سنة، هو أيام شبابه لم يصل هذه الصلاة، ولكن لماذا لم يصل هذه الصلاة بعدَ الاستيقاظ مباشرةً؟!..

– الإقبال في الصلاة.. الصلاة معراج، ولقاء مع رب العالمين، والتجليات في الصلوات المفروضة، ليسَّ بإزائها تجلٍّ آخر في باقي الصلوات.. يقول النبي الأكرم (ص): (وإذا قمتم إلى الصلاة فلا تلتفتوا، فإن الله -عز وجل- يقبل بوجهه على عبده، ما لم يلتفت).. هنالكَ إلتفاتٌ بالوجه عن القبلة في أثناء الصلاة؛ وهذا من مبطلات الصلاة.. وهُنالكَ إلتفاتٌ بالقلب عن الله عزَ وجل.. الصلاةُ صلاة القلب، -الصلاة معراج المؤمن- والعروج عروج القلب.. قد يكون الإنسان أمام الكعبة، وفي موسم الحج، وخلفَ المقام وبالإحرام، وبعد عمرة التمتع -مثلاً-، ولكن الكعبة تتحول إلى بيته، وإلى مطبخهِ، وإلى زوجته.. هو يصلي في المسجد الحرام، وأمام الكعبة؛ ولكن ما الفائدة من هذا الوقوف!.. الذي يصلي في بلاد الصين، وقلبهُ متوجه إلى الله عزَ وجل، هذا أقرب إلى الله ممن يصلي أمام الكعبة، وهو يسيح في عالمهِ.

(فإن الله -عز وجل- يقبل بوجهه على عبده، ما لم يلتفت).. رب العالمين عندما قال: صلّ بين يدي!.. يلتفت بوجهه -عز وجل- إليك، ما لم تلتفت.. إن التفتّ، رب العالمين يقول: ما لي ولهذا العبد المعرض، أنا رب الأرباب التفت إليك؟!.. ولهذا من المعروف أنَ الذي لا يخشع في الركعة الأولى، تقريباً لا يوفق للخشوع في الركعة الثانية والثالثة والرابعة.. يجب أن يخشع المصلي من تكبيرة الإحرام، ولهذا فُسرَ التكبير بأنهُ أكبر من أن يوصف.. فالإمام زين العابدين (ع) عندما كان في مجلس يزيد، وقال المؤذّن: اللهُ أكبر!.. وإذا بالإمام يقول: (أكبر من أن يوصف)!.. الذي يعتقد بهذا المعنى، هل يمكن أن يلتفت في صلاتهِ إلى هذهِ الجهة أو تلكَ الجهة؟!..

ما هو وجه الله {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ}؟.. وهل من الممكن أن يصل العبد إلى درجةٍ يرى هذا الوجه؟..

الجواب هو ما قيل لموسى (ع).. إن كانَ هنالكَ بشر -غير النبي الخاتم- مُرشحاً لأن يرى الله -عز وجل- فهو موسى (ع) كليم الله.. هذهِ المزية خاصة بهذا النبي العظيم، الذي ما عرف قدرهِ اليهود، ماذا قالَ لهُ في ذلك الوادي؟.. {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}.

فإذن، ما هو هذا الوجه؟.. هُنالكَ جهةٌ لجلال الله وجماله، قد يصل إليها المؤمن يومَ القيامة، وقد لا يصل.. {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}؛ ليس كل وجه يوم القيامة ينظر إلى جهة الجلالِّ والجمال، فالذينَ يريدون أن يكونوا ممن ينظرون إلى ذلك الجلال والجمال؛ عليهم أن يكتسبوا هذهِ المزية في الحياة الدُنيا.. والمؤمن بعدَ فترة من الصلاة الخاشعة، يصل إلى درجةٍ يرى شيئاً جميلاً في صلاته.. فجمال الوجوه؛ ما هو إلا رشحة من ريشة ذلكَ الجمال المطلق.. والذي خلقَ الطبيعة الخلابة؛ ذلكَ الجمال قبسٌ من ريشتهِ، فكيفَ بهِ هو!.. (يا أجملَ من كل جميل)!..

الخلاصة:

١- إن الصلاة تمثل المحطة العبادية اليومية،وهي واجب تكاملي، لا يسقط بأي حال، لذا يجب نفث الروح فيها.
٢- أن الصلاة قضية مركبة، فالذي يريد أن يكون من الفالحين، يجب أن تكون صلاته خاشعة،وعن اللغو معرضا، وللزكاة فاعلاًٍ، وللأمانة مؤديا..الخ، فكل ذلك مجموع متكامل.
٣- أن من مصاديق السهو عن الصلاة، عدم الإقبال فيها، وتأخيرها عن وقتها بغير عذر، وكذلك حالة الإنسان عند سماعه الآذان والإقامة، لأن فيهما أثنتا عشرة دعوة للتعجيل في الإقبال على الله عز وجلّ.
٤- أن الذي يريد التكامل عليه أن يكون منسجما مع رب العالمين.
٥- أن من أسرار الخشوع في الصلاة، الصلاة في أول الوقت، والإقبال فيها، والتألم لفواتها.
٦- أن على المصلي أن يلتفت إلى ربه جل وعلا من تكبيرة الإحرام، فالذي لا يخشع في الركعة الأولى، تقريبا لا يوفق للخشوع فيما بعدها من الركعات.
٧- إن الذين يريدون الوصول إلى رؤية الجمال والجلال الإلهي؛ عليهم أن يكتسبوا هذه المزية في الحياة الدنيا عن طريق الصلاة الخاشعة.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.