Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

س١/ ذكر في الوصية أن من أسباب تعجيل الطلاق، عدم الإحساس بلزوم التعبد بالحكم الشرعي.. فما هو دور هذا العنصر، في تثبيت دعائم الحياة الزوجية؟..

إن الناس بالنسبة لتعاملهم مع الدين على أقسام:
أولا: غير المتعبد مطلقا:

إن البعض لا يرى للدين حاكمية في الحياة أصلا، ولا يرى أن هناك أي إلزام، وإنما كل الأمور مباحة للشخص، حتى لو اصطدم بحقوق الآخرين وبحرياتهم، وهو ما يعبر عنه بالديمقراطية..
وقد يكون لهؤلاء الذين في بلاد الغرب الحق، لأن الذي يرونه من التشريعات من الكنائس والديانة المنحرفة، لا يتلاءم مع طبيعة البشر.

ثانيا: المتعبد ببعض الدين:

وإن البعض هم من الذين يتعبدون بالدين، ولكنهم كما يعبر القرآن الكريم: {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ}.. حيث يأخذون الدين تلفيقا، أي يأخذون من كل فقيه من الأحكام ما يناسب مزاجهم.

ثالثا: المتعبد مطلقا:

وإن البعض هم من الذين يلتزمون بالأحكام الشرعية كلها، والكثيرون هم من هذا القسم، ولكن الأمر أرقى من العمل الظاهري، فقد يعمل البعض بالحكم، ولكن على مضض، وهو في نفسه يعيش حالة التبرم على الحكم الشرعي.. ولكن المؤمن والمتدين الحقيقي، هو الذي يلتزم بالحكم مع قبول وتسليم باطني، كما تشير الآية الكريمة: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}.. فلو أنه اختلف مع شريكه في مليون دينار مثلا، وكان الحكم الشرعي بأن هذا المال لشريكه، فليس فقط أنه يعمل بالحكم، بل إنه حتى لا يأسى على هذا المال الذي فاته.. إن هذا هو التدين الحقيقي، وليس التدين العرفي الذي يؤخذ من ظاهر الإنسان، فيكفي بأن يكون الإنسان يصلي في المسجد ويصوم ليطلق عليه وصف المتدين!.. فإن التدين بالشيء بمعنى الالتزام، وأنه يلزم نفسه بهذا الشيء، فالعقيدة عقدة في عنقه، وارتباط لا يمكن أن ينفصم.

وإن الزوجين إذا كانا بهذه المثابة من التدين، وكان الدين هو الحكم، وهو الذي يفصل بينهما، فلو دب الخلاف بينهما، لا يتوقع أن يوقعهما ذلك الخلاف في مشكلة كبيرة.. فلو وقع خلاف مثلا بينهما بسبب أن المرأة تريد الخروج من المنزل بلا مسوغ شرعي، والرجل غير راض بذلك، فالحل: إما هما يكتشفان الحكم الشرعي، أو أنهما يتصلان على أي عالم.. فإذا قال العالم بأن هذا الخروج لا يجوز، فإن الخلاف ينتهي، والزوجة المتدينة تسلم لهذا الحكم وترضى به.. أو وقع اختلاف في الحضانة، أو النفقة، أو في إرث المرأة، وغيرها من الأمور التي لا تلائم مزاج البعض؛ فإذا كان الدين هو الحكم بين الزوجين، فإنه لا مجال للخلاف في هذه العائلة المباركة.

س٢/ ذكر في الوصية أن من الأسباب أيضا في الخلاف الزوجي، الحدة في المزاج.. فما مدى أثر هذه الصفة في زعزعة كيان الأسرة؟..

إن الحدة في المزاج هو الإسفين الذي يشق هذا الجذع المتجذر، أي هذا الرباط المقدس.. إن الإنسان الذي يحتد في المزاج، ويركبه الشيطان في حال الحدة والغضب، فهذا لا ينطق عن عقله، ولا ينطق عن فطرته، ولا ينطق عن نيته، فقد يكون الإنسان على خلاف مع زوجته، وينوي أن يدفع بالتي هي أحسن، ولكنه عندما يغضب يخالف قراراته التي أخذها من قبل.

ثم إن الإنسان الحاد المزاج، الذي لا يملك نفسه في حال الغضب، لا يمكنه أن يصل إلى درجة كمالية، كما يقول أحد العلماء الكبار.. فهو بمثابة إنسان عنده خزان مائي، ويبذل جهده ليملأه بالماء، ولكن هناك مخرج مائي يعمل على تصريف الماء خارجا، ويضيع جهده هباء منثورا، فهذا مهما بذل من جهد، فإنه لا يرجى له أن يبلغ غايته.

مثلا: هو توفق لأن يصلي صلاة الليل بخشوع، وأعطي النور، ولكنه في النهار غضب على أخيه، فهذا النور الذي اكتسبه أخذ منه.. أو صلى صلاة العشاءين جماعة في المسجد، وأعطي النور، ولما رجع إلى المنزل احتد على زوجته، وإذا بهذا النور خرج من قلبه..

وعليه، إن الإنسان حاد المزاج، في خسران دائم.. ومن المعلوم-بصريح القرآن الكريم- بأن مطلق الإنسان في خسر، فيكون الإنسان الحاد المزاج في خسر مضاعف.

وأما عن تأثيره في زعزعة كيان الأسرة، فمن الواضح أن الإنسان عندما يحتد، أنه لا يتكلم عن صواب ومنطق.. ومن الطبيعي أن الكلام اللامنطقي، والكلام الذي فيه إثارة وفيه ما فيه، أنه يخرج الغير من صوابه أيضا، فيقع بين الزوجين من الخلاف الحاد..

ولهذا قيل إن الزوج إذا كان غضوبا، والزوجة كانت هادئة، فإنه يرجى السلامة واستمرار الحياة بينهما.. لأن هذا نار مشتعلة، وهذه ماء بارد، والماء يطفئ النار..

أما إذا كان الزوجان في مستوى متقارب من الحدة والغضب، فهذه الأسرة لا يمكن أن تطاق، وعادة ما ينتهي أمر الزوجين إما إلى الانفصال، أو إلى البقاء الإجباري-أو كما يعبر بالإقامة الزوجية الإجبارية- ولولا الأولاد أو غيره مما قد يكون من الأسباب المانعة، لكان الانفصال.. ولا شك أن الذي يعيش مثل هذه الحياة، يكون في غاية الأذى وعدم الاستقرار النفسي، كفى الله تعالى المؤمنين من هذا الوضع!.. وهنيئا لمن كانت عيشته باختياره إلى ساعة الممات.

س٣/ ما هي نصيحتكم للشخص الحاد المزاج؟..

كما يذكر في كتب الأخلاق: إن الإنسان عندما يحتد مزاجه، فعليه بعدم أخذ القرارات أو أجراء العقوبات.. والخطوة الأولى أن يحاول أن يخرج من الجو الذي هو فيه، فإن كان قاعدا فليقم، وإن كان قائما فليقعد، وإن كان متوضئا فليغتسل وليستغفر..

وإن من أفضل صور تذويب الغضب، أن يتوضأ ويصلي ركعتين، بعنوان التسديد.. وخاصة لأن الإنسان بعض الأوقات يكون في مفترق طريقين، فلا يعلم المصلحة أين تكون، هل هي في أن يرجح الغضب أو لا يرجح.. فقد يكون الغضب في محله، مثلا: الزوجة قامت بعمل نشاز، فإذا هو أظهر غضبه من الممكن أن يرفع الباطل أو المنكر، وإذا لم يغضب فمن الممكن أن يوجب ذلك التمادي فيه.. وقد يكون الغضب في غير محله.. ولهذا فالنصيحة في مثل هذه الحالة، التي لا يقطع الإنسان فيها بأحد الوجهين، بطلب المدد من الله تعالى، فليقل: يا رب!.. بصرني بما ينبغي أن أقوم به.. فإن هذا من موجبات تذويب الغضب، أو على الأقل تحجيم الغضب.

وكما يقال بأن قضاء الغضب، أيسر من قضاء الحلم والعفو.. بمعنى أنك لو غضبت في محله، ثم تبين لك ذلك، وأحسست بأنك أخطأت، وأردت طلب العفو والمسامحة، فهذا يحتاج ويتطلب منك إلى معاملة أخرى، لأن الطرف الآخر قد يصفح ويعفو ويرضى وقد لا يرضى.. ولكن لو أنك صرت في موقف غضب، ولم تغضب، ثم تبين لك بعد فترة أن الغضب في محله، فمن السهل أن تفتعل مشكلة، وتعمل غضبك؛ فالغضب قابل للتدارك بسهولة، بخلاف الحلم والعفو.

س٤/ ذكر في الوصية أن من الأسباب أيضا في الخلاف الزوجي، عدم القناعة بما قسم الله تعالى، ومد البصر إلى متاع الآخرين.. فكيف يكون ذلك؟..

إن من النعم العظمى التي يغبط عليها صاحبها، هي القناعة بما قسم الله تعالى له.. لأن مثل هذا الإنسان يعيش في حالة من الارتياح الدائم، ولو كان من أفقر الناس متاعا في حياته.. بخلاف ذلك المتعلق قلبه بالدنيا وبمتاعها المحدود، والذي ليس في مقدور كل أحد الوصول إليه، بأشكاله المتعددة، فكلما رأى ما يتمتع به الغير مما هو محروم منه، عاش ما عاش في نفسه من الضيق والأذى، ولهذا هو في حالة من الأذى المتجدد وعدم الاستقرار النفسي.

من الجميل جدا بل من المريح جدا، أن يصل الإنسان إلى درجة من الزهد في المتاع الدنيوي، أنه لا يتأثر بما يراه ويقنع بما عنده، ويرضى بما قسم له ربه.. ولهذا أمرنا بعدم مد البصر إلى متاع الآخرين، كما قال تعالى: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}..

إن مد البصر، بمعنى التطلع بشغف إلى متاع الآخرين، وإعطائه قيمة في الحياة.. وهذا العنصر يكون من أسباب الخلاف بين الزوجين، من حيث أن المرأة عندما تدخل منزل جارتها، وترى ما فيه من صور المتاع، من الحلي والحلل والأثاث وغيره، يتعلق قلبها بذلك-من باب أن الإنسان مجبول على حب زينة الحياة الدنيا، فرب العالمين جعل ما على الأرض زينة لها- فتطالب الزوج بما هي اشتهت، والزوج لا يمكنه أن يلبي رغبتها، فينشأ خلاف بينهما، وقد يكون هذا الخلاف بداية لخلافات كبرى.

ولهذا أمرنا بعدم معاشرة المترفين، كما ورد عن الرسول الأكرم (ص): أربع يمتن القلب… وذكر منها: ومجالسة الموتى، فقيل له: يا رسول الله، وما الموتى؟.. قال: (كل غني مترف).. فالأمر بالنهي عن معاشرة الأغنياء ليس مطلقا، بل الغني المترف، الذي يقتني من المتاع والأثاث للدنيا، لأجل التفاخر وإظهار متاعه للغير.

فإذن، إن من الحلول الأساسية لدعم قواعد الأسرة، هو عدم مد البصر إلى متاع الحياة الدنيا.. ومن المعلوم أن الله تعالى-رأفة بعباده، وكرها لزخارف الدنيا- جعل خاصية الملل في الحياة الدنيا، إذ كل نعيم دون الجنة مملول.. فكل العناصر التي تستهوي الإنسان من المتاع، والحلي والذهب، واللوحة الفنية، بعد فترة قصيرة من اقتنائها-ولعل بعد جهد جهيد من السنوات في جمع المال- يذهب بريقها.. حتى جمال المرأة، فترى البعض يسعى للزواج من امرأة، بعد سنوات من الانتظار، ويتفاجأ بعد ليلة أو ليلتين أن هذه الحياة ليست كما كان يتخيلها، بأنها حياة مخملية، فيها ما فيها من ألوان المتع التي كان ينسجها في خياله.

وإن الحل الذي يكفي من كل هذه المشاكل، هو عدم التعلق بمتاع الدنيا لدرجة الوقوع في الأسر، كما ورد: (ليس الزهد أن لا تملك شيئا بل الزهد أن لا يملكك شيء).

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.