Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

الثابت والمتغير في السعادة :

إن هنالك صفة في المرأة وصفة في الزوجة، وهذه الصفة لا تزول مع مرور الليالي والأيام، بل إن مرور الأيام والليالي تزيد هذه الصفة جلاءً ووضوحاً وقوة، وهي الوصف الإيماني.. ومن المعلوم أن ظاهر الدنيا لا ثبات له، فإن تقادم الأيام يذهب بذلك البريق.. ففي أول يوم من أيام الزفاف أو العقد تكون قمة البهجة المادية، ولكن كل ثانية وكل دقيقة تمر على الإنسان، تجعله يقترب إلى النهاية، ويقترب إلى القبر، ويقترب إلى مرحلة زوال المظاهر الجمالية.

إن الله عزوجل جعل بعض الأمور في النساء؛ فالمرأة -كما نعلم- من مظاهر الجمال في عالم الوجود، وافتتان الرجال بالنساء لا يقاس بافتتان النساء بالرجال.. فلا شك أن صوت المرأة أرق من الرجل، وشكل المرأة بشكل عام أجمل من الرجل، هذه حقيقة لا تنكر!.. ولكن الله عزوجل أولاً جعل المرأة تمر في أيام وفي فترات سماها القرآن الكريم أذى، فالمرأة تمر بحالة غير طبيعية، تحرم فيها من العبادة، والقرآن الكريم أمر باعتزال النساء في حد من الحدود بالمعنى المعهود في هذا الجانب.. فهذه جهة في النساء لا توجد في الرجال، حيث أن من نعم الله عزوجل على الرجل، أن باب العبادة مفتوح أمامه صباحاً ومساءً إلى أن يموت تقريباً، بينما ربع الشهر أو ثلث الشهر بالنسبة للنساء حرمان من العبادة.

ثم من ناحية أخرى، نلاحظ أيضاً بأن الله عزوجل يسلب جمال المرأة قبل جمال الرجل.. فالرجل في سن الستين أو السبعين نلاحظ فيه مستوى من الشكل لازال مقبولاً، فتناقصه الجمالي لا يكون بالشكل الذي يكون في النساء.. فالمرأة في سن الخمسين فما بعد تتسارع في فقدان الجمال، بحيث أن امرأة في الستين لا تقاس برجل في الستين.. تظل للرجل قوة واندفاع حتى نحو الزواج في سن الستين والسبعين، ولكن لم نعهد في جانب النساء هذا الزواج في هذا السن، قلما نسمع بأن المرأة تزوجت زواجاً ثانياً -بعد وفاة الزوج أو غير ذلك- في هذه السنين، بينما الرجل يظل في حالة من حالات النشاط البدني لممارسة الحياة الزوجية.

فالحقيقة، إن العناصر المادية في هذه الدنيا مآلها دائماً إلى الأفول!.. إن رب العالمين شاء أن يبتلي النساء بهذه الأمور.. ولكن في المقابل لو نظرنا إلى الجانب الإيماني، فإن بدء التكامل الإيماني إنما يكون بعد العقد؛ لأن الإنسان قبل العقد يعيش هواجس المرأة والزواج، وقد قال النبي (ص) مشيراً لذلك: (ما من شابٍّ تزوّج في حداثة سنّه، إلا عجّ شيطانه: يا ويله!.. يا ويله!.. عصم مني ثلثي دينه، فليتقّ الله العبد في الثلث الباقي).. ومعنى ذلك أن الإنسان عندما يتزوج يسد باباً من أبواب الشيطان على نفسه، هذا الباب الذي كان مشغولاً في انتخاب امرأة انسد الآن، واستقر مع مؤمنة، وما بقي عليه الآن إلا البرمجة لحياة جديدة، لحياة يغلب عليها جانب الواقعية، بعد ما كان يعيش عالم الخيال والوهم والمثالية والشهوات وغير ذلك.

ومن هنا ننصح الإنسان عندما يريد الزواج، أن لا ينظر إلى هذا الشكل الملفت، وإنما لينظر إلى ما وراء الشكل، لينظر إلى جيناتها الوراثية، وإلى روحها، هل هي روح لطيفة أم روح ثقيلة؟.. لينظر إلى ترسبات الماضي، هل هي من بيئة سليمة، أو من بيئة غير سليمة؟.. ولا بأس -أنا لا أقول هذا شرط- أن يلحظ تاريخ الأبوين والأرحام، فإن كل ذلك مؤثر في حركة الحياة، كما ورد عن الرسول الأكرم (ص): (اختاروا لنطفكم، فإنّ الخال أحد الضجيعين)، والعلم أثبت بأن هذه الجينات الوراثية مقتبسة من أجيال وأجيال.

وإن الذي ينظر إلى الجانب الجمالي للمرأة، فقد يكله الله عزوجل إلى هذا الجمال، والذي -كما قلنا- له بريقه في أيام.. ونحن نلاحظ أنه قبل مرور السنة أصلاً، وبعد الشهر -ما يسمى بشهر العسل-، وإذا بالإنسان يرى كل شيء مألوفاً لديه.. ولهذا نلاحظ أن الذين يعيشون حالة الغرام والعشق الشديد قبل الزواج مع فتاة معينة، فإنه يتفق كثيراً أن تصيبهم حالة من النفور الشديد في بعض الحالات.. لأنه كان يعيش الوهم، كان يصور لنفسه قصراً خيالياً، وعندما دخل هذا القصر لم ير تلك الصورة الجميلة.. بينما الإنسان المؤمن إنسان واقعي، يرى كل شيء في موضعه، فالسعادة التي تأتيه من جهة الزوجة لها رافد معين، وهنالك روافد أخرى للسعادة، فلا يبتلى بحالة من حالات الإحباط أو اكتشاف أمر غير متعارف.

الجميلة والمليحة :

عندما نجلس مع الأخوة الشباب، ونسألهم عن المواصفات المثالية في الزوجة، يذكرون -حقيقة أو مجاملة- عنصر الإيمان.. إذا كان الجو إيمانيا، عادةً يذكرون أن تكون متدينة.. ولكن عندما تجلس معهم جلوساً مفتوحاً، فإن أحدهم يفتح قلبه لكَ ويصرح بأنه يريد امرأة جميلة!.. والحال بأن الجمال ما هو؟..

أولاً الجمال من صفات الوجه عموماً.. صحيح، الجمال البشري مجموعة عناصر: طولاً، وعرضاً، ونحافة؛ وحتى شكل الأصابع، ولون الشعر، وطول الشعر…؛ كل هذه الأمور مواصفات تؤثر في تقييم الجمال البشري، ولكن مظهر الجمال متركز في الوجه.. ومن المعلوم أن الوجه عبارة عن ظاهر وباطن.. وباطن الوجه هو كما نراه في المتاحف الطبية في غرف المشرحة، أو في بعض الهياكل التي مرت عليها فترة، وتآكل فيها الجلد، وإذا بك لا ترى إلا مجموعة من العروق والأعصاب والكتل اللحمية والعضلات المتناثرة!.. إن رب العالمين بيد قدرته -هو المصور: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء}، رسم هذا الجمال على جلد سمكه سمك ورقي، بل إن سمك الجلد أقل من سمك الورقة.. فالورقة سمكها يُرى بالعين المجردة، بينما سمك الجلد سمك يُرى تحت المجاهر.

فإذن، إن الإنسان يرى جمالاً مرسوماً على ما هو أقل سمكاً من الورقة، وهذا الجمال ليس جمالاً ثابتاً.. فلو أنه -لا قدر الله عزوجل لمؤمن ولا لمؤمنة- يصاب بحريق الدنيا قبل الآخرة، ترى تشوهات لا تطاق!.. إن هذا الجمال الذي ربما أسر القلوب، وأغوى الآلاف إن لم يكن الملايين في بعض الحالات -كهذه الوجوه التي يتعارف رؤيتها في الإعلام.. قد تكون امرأة تأسر قلوب الملايين بجمالها-، ولكن الله عزوجل إذا شاء -لا أقول في عشية وضحاها- في ثوان يزيل هذا الجمال بشكل سريع جداً، وتتحول من أجمل الوجوه إلى أبشع الوجوه.. فالقضية ليست بذلك الدوام، وذلك العمق الذي تستحق أن يجعل الإنسان أسيراً!..

والذي نقوله بالنسبة إلى انتخاب المرأة كي تكون شريكة، هو انتخاب المليحة.. ينبغي أن نلتفت أنه بين الرجال والنساء هنالك جاذبية، كجاذبية حجر المغناطيس.. إن حجر المغناطيس عندما تراه ملقىً على وجه الأرض، لا ترى فرقاً بينه وبين باقي الأحجار والمعادن، ولكن قرب إليه برادة حديد، فإذا بآلاف القطع تتجه إليها.. كذلك فإن رب العالمين جعل الخاصية المغناطيسية في أرواح البعض، وحتى في وجوه البعض.. نحن نرى في بعض المؤمنين ممن جعل الله عزوجل شيئاً من الاسمرار في وجوههم، جاذبية وجمالاً خفياً، لا تراه في بيض الوجوه -مثلاً- من المنحرفين والكفار وأهل الكتاب.. فإذن، إن الجاذبية في الأنثى قضية لا تقاس بالمساحيق، وهذه التناسقات الظاهرية، فمن الممكن أن يُرزق الإنسان المؤمن امرأة مؤمنة، وفيها هذه الجاذبية الخفية.

وما الفائدة في جمال يكون وبالاً على الإنسان في دنياه وآخرته!.. كبعض النساء اللواتي يبالغن في الاهتمام بالظاهر، لإيقاع الشباب في فخوخهن، كهذا الذي نراه في الشوارع -هذه الأيام- من مظاهر الإثارة.. إن المرأة المتزينة للأجنبي كأنها تقول بلسان الحال: أيها الرجال انظروا إلي!.. كأنها تستجدي نظرات الرجال!.. وكأنها فقيرة مستجدية إلى رجل ينظر إليها!.. ولهذا تفرح فرحاً بليغاً عندما ترى رجلاً مفتتَناً بجمالها.. وقد لاحظنا أيضاً أنه عندما يذهب بعض الأخوة إلى دول الكفر، وتمد المرأة يدها للمصافحة، والمؤمن يستنكف؛ فإنها تعيش حالة من التوتر، لأن هذا الرجل المؤمن أعرض عن جمالها وعن مصافحتها!..

إن المرأة التي لها إنسانية، وحتى لو لم يكن لها دين، ولها شخصية، ولها كرامة؛ تراها تستنكف عن هذا الاستجداء، بأن تمشي في الشوارع وهي تقول بلسان الحال: أيها الناس أنا بحاجة إلى رجل!.. لا بحاجة إلى زوج، وإنما بحاجة إلى رجل.. فلو كانت تقول -ولو بلسان المقال-: أنا بحاجة إلى زوج؛ لما عوتبت في ذلك، بل هذا فخر لها، بأن تطلب من يحصن دينها.. ولكن الكلام إذا كانت بلسان الحال تستجدي الرجال، وتطلب أنظارهم وعطفهم، بل شهوتهم.. إن بعض النساء -مع الأسف- تعلم بأن الطرف المقابل كتلة من الشهوة، وليس فيه لا وفاء ولا إنسانية، ولا رغبة في حياة شرعية، ولكن مع ذلك تقبل!.. وقد لاحظنا أن بعض البنات تفتتح حياتها الزوجية -بمعنى حياة المعاشرة- برجل أجنبي بعلاقة محرمة، وهي تعلم أن هذا العفاف الذي صانته طوال عمرها، قد جعلته بين يدي رجل لا يعرف إلا الشهوة، ولا يعرف إلا العلاقة البهيمية المنحطة!..

إن المؤمنة عليها إذا كانت تود رغبة الرجال فيها بشكل شرعي، أن تطلب من الله عزوجل هذه المودة؛ فإن رب العالمين هو الذي يجعل الود في قلوب المؤمنين.. فلتطلب من الله عزوجل هذه الجاذبية، ولكن بشرط أن يكون أثر هذه الجاذبية لفرد معين، لزوج صالح، لا لكل من هب ودب.

التوافق الثقافي :

إن من الضروري أن يلحظ الإنسان هذا الجانب من أول الزواج.. فمثلاً: إنسان له توجهات إيمانية دينية، من الطبيعي أن يختار من يتناسب مع ثقافته ومع توجهه.. إذ نلاحظ مع الأسف أن بعض المؤمنات رغم أنهن مؤمنات ومصليات وصائمات، وتحج بيت الله الحرام، وتقوم ببعض النوافل؛ ولكن ليست لها توجهات فكرية.. بمعنى أنها ترضى من الدين بهذا الظاهر، ولا تريد أن تهذب نفسها أكثر من هذا المقدار.. بينما هنالك رجل يريد أن يتقرب إلى الله عزوجل معرفياً لا عبادياً فقط، ويريد أن يزداد يقيناً بربه، ويريد أن يكون له سلوك متميز مع رب العالمين.. فنلاحظ بأنه عند الزواج يبتلى بامرأة لا تعيش شيئاً من هذه الهواجس.. ورأينا بعض النساء المؤمنات قد تستهزئ بشكل غير مقصود بصلاة ليل الرجل، وتصف الرجل بأنه عابد زاهد، وبكلمات تنم عن شيء من حالة السخرية أو الاستهزاء.. أو إذا رأت الرجل عاكفاً على كتاب أو على علم، أيضاً قد تستهزئ به، وتدعوه إلى مشاركتها في بعض الأباطيل التي تبث هذه الأيام في وسائل الإعلام المختلفة.

فحتى لا يقع الرجل في هذا المأزق، من الضروري أن يختار لمعاشرته.. فالزواج معاشرة، والقضية ليست قضية بهيمية، ولا لتدبير شؤون المنزل.. لذا ينبغي أن لا ننظر إلى المرأة وكأنها تؤدي دور المرأة المنقطعة والخادمة، كما في بعض الحالات نلاحظ أن دور المرأة في المنزل لا يتجاوز دور منقطعة وخادمة، لا دور أنيسة وصديقة درب، وشريكة عمر، ومعينه على طريق الهدى والتقوى.. لو كان هناك امرأة في طريق التكامل ولو كانت امرأة قروية، فإن هذه المرأة التي تحب أن تتكامل، وتعلم أن هنالك عوالم كمالية ما وراء هذه الظواهر، تُقدّم على امرأة جامعية قد وصلت إلى درجة لا تريد أن تطور نفسها، وتريد أن تطور ثقافتها الدنيوية، لتزداد وجاهة عند الآخرين، أو تكسب شيئاً من المال مثلاً عن طريق الوظيفة وما شابه ذلك.

فإذن، إذا اختار الإنسان لشراكة العمر عنصراً يريد أن يتقدم إلى الله سبحانه وتعالى، فإنه بعد فترة من مضي الحياة الزوجية، من الممكن أن يطور الإنسان زوجته إلى درجات عالية.. وإن الذي يختار كشريكة عمر امرأة بسيطة، ليست لها درجات فعلية، من المتوقع بمباركة الله عزوجل وبجهد الزوج، أن يرفع بمستوى هذه الزوجة إلى درجات عليا في التكامل العلمي والعملي.

خضراء الدمن :

ورد عن النبي الأكرم (ص): (أيُّها الناس، إياكم وخضراء الدمن!.. قيل: يا رسول الله، وما خضراء الدمن؟.. قال: المرأة الحسناء في منبت السوء).

إن تعبير (خضراء الدمن) تعبير -حقيقةً- يخيف الإنسان!.. ومن المعلوم أن النبي (ص) نبي البلاغة، وهو من تربى بثقافة القرآن الكريم، وبثقافة الوحي، فعندما ينتخب النبي (ص) عبارة؛ فإن هذه العبارة جامعة لمعانٍ كثيرة..

(المنبت): إشارة إلى البيئة التي نشأت فيها هذه المرأة.. أي أن هذه النقطة ينبغي أن تلحظ أيضاً في الحياة الزوجية.. صحيح، كل مولود يولد على الفطرة، وصحيح أن الإنسان يحاسب على ذاته؛ ولكن كيف ننكر التأثيرات اللاشعورية؟.. لو تحكمنا في عالم الشعور، وفي عالم الفكر، وفي عالم السلوك؛ كيف نتوفق في التحكم في عالم اللاشعور؟.. إن المرأة التي تربت في بيت غلب عليه الغناء إلى سن الثامنة عشرة -سن زواجها-، فإن طبلة الأذن اعتادت هذه الأصوات، وعندما تسمع غداً صوتاً غنائياً محرماً -وهي الآن تعتقد أنه محرم-؛ من الصعب أن تعيش حالة استقذار المعصية.. فالإنسان إذا أراد أن يتوب من معصية ما، عليه أن يعيش حالة استقذار هذا المنكر، فإذا وصل إلى هذه الدرجة، فإنه لا يرتكب ذلك الحرام.

إن الإنسان -المرأة أو الرجل- الذي تعود على الحرام طوال حياته، قد يكون من الصعب عليه أن يترك المنكر بشكل سهل وميسر، إذ يظل هنالك حالة من حالات التأثر اللاشعوري.. كذلك البنت المتربية في جو يغلب عليه الغضب -مثلاً-، فإنها تميل بطبعها إلى حدة المزاج، حتى لو حاولت جهاد النفس.. أي أنها تصبح على السبيل المستقيم مادامت مجاهدة.. وكأن ميلها الطبيعي إلى الحدة، يعود إلى ما كان يناسب بيئتها السابقة.. نعم جهاد النفس، وتوصيات الزوج، وتوصيات البيئة الجديدة؛ قد تحدها أو تمنعها عن تلك العوالم القديمة.. ولهذا إذا جمعت المرأة بين الحسن الفعلي والحسن الماضوي البيئي السابق؛ فإن هذه من النعم التي لا تقدر بثمن!..

قد يقول قائل: كلما رفعت المواصفات، كلما عز الوجود!.. كما يقال: كلما كثرت القيود، كلما عز الوجود!.. أن تكون مليحة، وأن تكون متدينة، وأن تكون بريئة، وأن تكون مائلة إلى الكمالات، وأن تكون من بيئة مهذبة… نعم، هذه الأمور صحيح فيها أولويات، والأوليات بالحالة الفعلية لا بالحالة الماضوية، ولكن مع ذلك لا بأس أن يطلب الإنسان من ربه.. فإن رب العالمين أدرى بعباده، كما تقول الآية: {إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}.. رب العالمين يعلم كنه العباد، ويعلم باطن العباد، يقلب العباد ظهراً لبطن.. ولهذا نلاحظ أن بعض المؤمنين الذين بالغوا في الدعاء في هذا المجال، رزقوا من غير احتساب بمؤمنات لم يكن لتخطر ببالهم، ولكن الله عزوجل جعل ذلك واقعاً.

ومن هنا ينبغي الإكثار من الدعاء، في أن يختار رب العالمين هو بحكمته وبعنايته من يكون لصيقاً بالإنسان.. فالحياة الزوجية نوع من أنواع الالتصاق، خيراً كان أو شراً.. إن الحياة الزوجية من الصداقات الإجبارية فأوله اختيار، ولكن إدامته إجبار.. كم من الصعب أن يتصور الإنسان بأنه سيعيش مع صديق رغم أنفه!.. فقبل العقد لم يكن مرغماً على ذلك، والآن أرغم عليه، وخاصة مع وجود الروابط الجديدة كالأولاد وما شابه ذلك.. فاستثمار مغرٍ جداً، أن يهذب الإنسان زوجته، ليعيش حياة خالية من موجبات التوقف في حركة التكامل.. فالمؤمن -كما قلنا- يحتاج إلى أن يبعد عن نفسه كل المشوشات، ومنها الزوجة اللصيقة بالإنسان..

وعليه، فإن الدعاء في هذا المجال ضروري جداً، في أن يكون رب العالمين معاملاً لعباده، كما عامل النبي (ص)، كما في قوله تعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ}.. فإذا كان رب العالمين هو المزوج، فإذن لا خوف من هذه الناحية.

س١/ هل يعتبر بلاد الكفر منبت سوء بالنسبة للمرأة المؤمنة ؟..

على نحو الفعلية، لا.. أما على النحو المقتضي، نعم.. أي أن بلاد الكفر أرضية خصبة لنمو الجراثيم المختلفة!.. ومن المعلوم أن بعض البيئ الرطبة والحارة، منبت جيد لأنواع الفطريات والبكتيريا مثلاً وبعض الخمائر.. كذلك بالنسبة إلى البلاد الغربية، نلاحظ بأنها أيضاً منبت، لأن الجو العام جو معصية، وهذا الأمر يعترف به كل من يعيش في تلك البلاد، فالحركة في بلاد الغرب نحو الإيمان عموماً سباحة ضد التيار بلا شك.

ولهذا فمن يريد أن يتزوج من مؤمنات بلاد الغرب -وإلا فغير المؤمنة خارج الدائرة-، ينبغي المراقبة أكثر.. قد يحتاج الإنسان إلى دقة مضاعفة، فيما لو كانت المرأة بنفسها في بعض بلاد المسلمين؛ فكيف في بلاد الغرب!.. وخاصةً أنه -عادة- في بلاد الغرب -كما نسمع- إذا التزمت المرأة، فإنها تلتزم في ما بعد سن البلوغ، لأن في سن البلوغ والمراهقة، ليست لها درجة من النضج تمنعها عن الحرام.. وهذا الشيء معروف في بلاد الغرب، فالبنت كثيراً ما تتعرض للانحرافات الأخلاقية في هذا السن بل قبل هذا السن.. وبالتالي، إذا أراد المؤمن أن يتزوج امرأة في بلاد الغرب، فليحاول أن ينظر إلى حياتها في هذه الفترة، وينظر هل أنها مبتلاة بما ابتليت به باقي البنات الغربيات، أم أنها حفظت سلامتها وعفتها في تلك الفترة الحرجة؟!..

س٢/ ألا يمكن اعتبار الزواج المنقطع مقدمة للزواج الدائم المستقر ؟..

لا يمكن القطع بهذا الأمر، بل في بعض الأوقات لاحظنا العكس!.. فالذي يبدأ حياته الزوجية بهذا النمط، قد يرتاح لهذا الأسلوب، وخاصة مع التعدد، ومع التنوع، فعندما يلزم بامرأة ثابتة، مثله مثل إنسان كان طليقاً ثم قيد ببعض القيود!.. وقد لا يستسيغ قيد الحياة الزوجية الدائمة.. ولهذا نلاحظ بأنه بعد فترة يرجع إلى ذلك العالم، لأنه يراه أجمل، وأكثر جاذبية، وأكثر تنوعاً.. ولهذا من الأفضل لو أن الولد أو الشاب يبقى قدر الإمكان محتفظاً بعدم تجربة في هذا المجال قبل الزواج الدائم، فإن ذلك من موجبات النجاح في الحياة الزوجية.. طبعاً، وللضرورات أحكامها.

س٣/ ما موقع الاستخارة للزواج بين المعايير العقلية التي ذكرتموها لاختيار الزوجة ؟..

عندما يرى الرجل المواصفات الإجمالية متحققة في البنت، وليست هنالك بدائل معروضة، وهو بحاجة إلى زواج؛ فإذن، ليس هنالك تحير في المقام.. فالاستخارة أو الخيرة عند الحيرة؛ فإذا لم يكن هنالك بدائل، وكان بحاجة، ولا يتوقع في القريب العاجل أن يرى مصاديق أفضل، فليعجل في ذلك، وخاصةً البنت.. فإن الرجل باعتبار أنه هو صاحب الاختيار، فمن الممكن أن ينفي هذه، على أمل أن يقوم على أخرى.. بينما المؤمنة أو البنت إذا تقدم إليها من يوثق بإيمانه، ومن يوثق بتقواه، فلا ينبغي أن تلقن نفسها التحير؛ لأن الفرص بالنسبة إلى البنت محدودة، فهي تنتظر نصيبها، بينما الرجل يبحث عن نصيبه، وفرق بين الباحث والمنتظر!..

وعليه، فإنه من الأفضل أن يحسم الأمر.. نعم، إذا كان هنالك عدة خيارات، أو كان هنالك تحير، كأن يشك في بعض النقاط -كما قلنا في بلاد الغرب-، ورأى امرأة بحسب الظاهر مؤمنة، ولكن يشك في تاريخها؛ عندئذ من الممكن العمل بذلك.

س٤/ كمعدل في الإسلام ما هو العمر الأفضل للزواج للفتى والفتاة ؟..

إن أفضل سن للزواج هو أول أيام الرشد العقلي بعد البلوغ.. هناك بلوغ عقلي، وهناك بلوغ جسمي.. وعادة فترة البلوغ ليس معه رشد وقدرة على التفكير وعلى التدبير.. فأول سنة أو أول أيام تصبح المرأة بإمكانها أن تدبر شؤون المنزل -الأم تشخص خلال سفرها وغيابها عن المنزل، بأنه البنت في غيابها قامت بشؤون المنزل ظاهراً ونفسياً.. أي احتضنت أخواتها وإخوانها ممن هم أصغر منها سناً-؛ فهذه علامة الرشد.. وكذلك من خلال منطقها وحديثها مع الرجال ومع النساء.. فأول سنوات البلوغ العقلي بعد البلوغ الجسمي، هذا هو أول سن للزواج، ومع القدرة على تدبير شؤون المنزل.

أيضاً لاحظنا بعض الأوقات أن الشاب يستعجل الزواج، فهو بالغ ورشيد، ولكن ليست عنده المقومات المادية.. أيضاً نحن ينبغي أن نلحظ هذا المعنى: (من لا معاش له لا معاد له)، فلابد من أن يكون أيضاً قادراً على أن يدير أسرة، ولو بالقوة لا بالفعل.. ولا شك في وعده تعالى حيث يقول: {إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ}، ولكن ينبغي أن تكون عنده مهارة في الحياة، أو عنده تخصص.. فالشاب الجامعي إذا انتهى من الدراسة الجامعية، يكون قد أصبح مرزوقاً بالقوة، وله شهادة، وأصبح بالغا ورشيدا، فلماذا التأخير بعد ذلك؟..

س٥/ ما هي الطريقة لاكتشاف الجمال الروحي والالتزام قبل الزواج ؟..

هذه المسألة ليست بهذه السهولة!.. أولاً يمكن ذلك؛ بسؤال محارمها.. لا بأس أن يدخل الإنسان ولو بمقدمات معينة إلى قلب أخيها أو خالها أو عمها أو أرحامها، ويحاول أن يعلم عن بعض سلوكياتها، هل أنها محبوبة في الأسرة؟.. وعادةً البنت المحبوبة في العشيرة، يكون فيها شيء من الجاذبية الإجمالية.. وبعض الأوقات البنت التي لها مشكلة مع الأخوة ومع العم ومع الخال، ومع زوجات الأخوة ومع زوجات العم ومع زوجات الخال، فيعلم من ذلك أن هذه امرأة فيها شيء.. ولهذا أيضاً من الأشياء الجيدة في هذا المجال، أن لا تكون البنت لها خصومات، فالبنت المخاصمة كثيراً يخشى منها.

س٦/ ما هي حدود العدل في حالة الزواج من زوجتين مثل الإنفاق والنوم والميل القلبي ؟..

في الميل القلبي فكما في القرآن الكريم: {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا}.. هنالك نفي مؤبد، لأن القلب يميل إلى من هو في نظره أكثر كمالاً وجمالاً.. هنالك (أ) وهنالك (ب)، وليس من المعقول أن (أ) يساوي (ب) تماماً في جميع الخصوصيات.. هذه مخلوقة وهذه مخلوقة.. فطبيعياً، أن الإنسان لابد أن يختار (أ) أو (ب) كاختيار أول، وبالتالي فالاختيار الأول هو الأقرب إلى القلب.. هذا شيء رياضي فكري.. الأقرب إلى القلب هو الأكمل، والأكمل ليس هذا وهذا في آن واحد، فهذا الأمر لا مناص منه.. والنساء اللواتي يردن من الزوج هذا المعنى، أيضاً توقع في غير محله.

وأما بالنسبة إلى الإنفاق: لابد أن يكون الرجل يعطي لهذه ويعطي لهذه بحسب شأنيتهم.. الزوجتان لهما شؤون مختلفة، فهذه المرأة تغاير هذه المرأة في الشأنية، فلابد من مراعاة الشأنية.. وكذلك في مسألة المبيت، كما هو مذكور في الرسائل العملية، هنالك إلزام شرعي في تقسيم طريقة المبيت بين الزوجتين.

س٧/ أحب زوجي، ولكني لا أثق به بسبب نزوة حدثت منه، كيف أرجع ثقتي به، وهو يحبني وأنا أحبه ؟..

أنا أقول لهذه الأخت: أنه ما دام نزوة حدثت منه، فإذن، هو فعل ماض.. لم تقولي: نزوة يمارسها فعلاً.. وما دام الأمر كذلك، أنا أدعو الأخت أن تمسح من ذاكرتها هذا الماضي.. ولعل هذا من سبل الشيطان في أن يغرس بينهما ما يؤدي إما إلى التباعد النفسي -ما يسمى بالطلاق النفسي-، أو إلى الطلاق الخارجي الفقهي.. بل على العكس، ينبغي على المرأة التي ترى نزوة من الرجل، وميلاً لخارج البيت، أن تبالغ في إشباعه عاطفياً وجسدياً حتى ينقطع.. فالقضية ليست قضية توصيات، وإنما رجل تعلق بامرأة، سواءً إن كان التعلق تعلقاً شرعياً أو غير شرعي!.. والمرأة عادةً -الساذجة أو غير العاقلة- طريقتها هي التأنيب والمشاكل والتهديد، والذهاب إلى بيت الأب!.. هو عندما رأى جمالاً أفضل، وعاطفة أكثر، ازداد ميلاً إلى تلك، وبعداً من هذه.. فإذن، هي بسوء تصرفها تدفعه دفعاً إلى ذلك العالم.. ولهذا لاحظنا أن بعض الرجال لهم ذرية طيبة صالحة، قد تركوا حياتهم الزوجية، وذهبوا إلى شقة بعيدة مع امرأة يعشقها.. ويحبذ أن يعيش مع هذه الإنسانة، ويترك تاريخا وبيتا بناه في ثلاثين سنة.. يهدم هذا البيت، لأجل أن يعيش في بيت أو في كوخ آخر.

وعليه، أقول للمرأة المؤمنة أو العاقلة: ليكن الجهد مضاعفاً في جذبه للحياة الزوجية، لا إلى دفعه.. هو الآن مندفع ومعرض، وهي تزيده إعراضاً!.. ليس هذا من العقل في شيء!.. وكذلك على الخصوص عدم تذكيره بالماضي.. مع الأسف بعض المؤمنات أو بعض النساء لهن مهارة في التعيير، وفي التذكير بالماضي!.. هذه الحركة حركة سلبية، وحركة غير عقلائية، أن تركز المرأة على ماضي الرجل، أو العكس، فقد تتفق للمرأة أن تصاب بنزوة أيضاً.. هذه الأخت تسأل عن الرجل، وقد نُسأل من قبل الرجال هذا السؤال، ولكن بشكل معكوس.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.