Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

الشورى..
أولاً: إن الشورى من صفات المؤمنين، وهناك سورة كاملة في القرآن الكريم باسم “الشورى”، يقول تعالى فيها: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾؛ فالمؤمن له هذه الحالة من المشاورة.. ولكن يجب الانتباه إلى أمر مهم، وهو: أن أمرهم شورى، ولكن ليس أمر الله عز وجل شورى؛ فلا ينبغي أن نخلط بين المباحث العقائدية!.. فنحن نعتقد أن الإمامة والوصاية من شؤون الله عز وجل، أي كما أن ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾؛ الله عز وجل أعلم أيضاً حيث يجعل وصايته.. لأن الرسالة كالوصاية، والوصي كالنبي في أنهما منتسبان إلى الله عز وجل، وهذا ما يؤكده حديث المَنْزِلَة، الذي هو قول رسول الله (صلی الله عليه) لعلي بن أبي طالب (عليه السَّلام): (أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي)!..

ثانياً: إن البعض يرى بأن المشورة هي خلاف الحزم، لأن الإنسان الحازم هو الذي يأخذ قراراً ويمضي في تنفيذه.. أما الذي يستشير ويأخذ رأي الآخرين، فإنه يصبح مشوش البال، ضعيف الهمة.. والحال بأن الأمر ليس كذلك، فالنبي (صلی الله عليه) يقول: «الحزم أن تستشير ذا الرأي».. هذا الحديث يشير إلى أن الاستشارة هي من مصاديق الحزم؛ لأن الإنسان عندما يقدم على خطوة واضحة بالنسبة له؛ فإنه عندما يستشير خيار المؤمنين، إذا وافقوه على الرأي؛ فإن همته تتضاعف، ويصبح حازماً، بعد أن كان متردداً.. فإذن، إن استشارة أصحاب الرأي، تساعد الإنسان على الوصول إلى حالة الحزم، والإقدام على العمل، وتجاوز الحيرة والتردد.

المستشار..
إن المستشارين على قسمين:

أولاً: أصحاب الحكمة.. إن المستشار المستضيء بنور الله عز وجل؛ هو الإنسان المؤمن العاقل الذي عنده حكمة ربانية.. هذه الحكمة لها موجبات، فمن موجباتها:

١. قيام الليل: روي عن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال: (ما تركت صلاة الليل، منذ سمعت قول النبي (صلی الله عليه) صلاة الليل نور..).

٢. الصمت: روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال: (..إنّ الصمت باب من أبواب الحكمة، إنّ الصمت يُكسب المحبة، إنه دليل على كل خير).

٣. الجوع: روي عن النبي (صلی الله عليه) أنه قال: (نور الحكمة الجوع، والتباعد من الله الشبع، والقربة إلى الله حبّ المساكين والدنو منهم.. لا تشبعوا؛ فيطفئ نور المعرفة من قلوبكم.. ومن بات يصلي في خفة من الطعام؛ بات وحور العين حوله، وقال (صلی الله عليه): لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب، وإنّ القلوب تموت كالزروع إذا كثر عليه الماء).. فالجوع والصوم؛ يورثان الحكمة.

ثانياً: أصحاب التجارب.. وهم الذين لهم تجارب في الحياة!.. فمن يريد أن يدخل إلى السوق -مثلاً- يذهب إلى تاجر له خبرة، وقد لا يكون مؤمناً، ولكن له خبرة في أمور السوق والتجارة.. فإذا لم يكن خائناً في إبداء النصحية؛ فإنه من الممكن أن ينتفع برأيه.. روي عن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال: (أفضل من شاورت ذو التجارب، وشر من قارنت ذو المعايب)؛ أي أن المستشار يجب أن يكون صاحب تجربة في الحياة.. لذا، فإن صفة مستشار تطلق على من لهم باع طويل في مهنتهم، كـ: الحقوق والطب والهندسة.

فإذن، إن المستشار يجب أن يكون صاحب حكمة، أو صاحب تجارب.. روي عن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال: (خير مـن شـاورت ذوي النهى والعلم، وأولوا التجارب والحزم).. وإذا لم تكن هذه الصفات موجودة لدى المستشار، فإن على الإنسان أن لا يذهب إلى هنا وهناك، بل عليه أن يسأل الله عز وجل أن يريه المصلحة.. عن أبي عبد الله (عليه السلام): (إذا أردت أمراً فلا تشاور فيـه أحداً، حتى تشاور ربك).. قال الراوي: قلت: وكيف أشاور ربي؟.. قال: (تقول: استخير الله مائة مرة ، ثم تشاور الناس ، فانّ الله يجـري لك الخيرة على لسان من أحب).

صفات المستشار
عن أبي عبد الله (عليه السلام): (إن المشـورة لا تكون إلاّ بحدودها، فمن عرفها بحدودها، وإلاّ كانت مضرّتها على المستشير أكثر من منفعتها له.. فأولها: أن يكون الذي تشاوره عاقلاً.. والثانية: أن يكون حراً متديناً.. والثالثة: أن يكون صديقاً مؤاخياً.. والرابعة: أن تطلعه على سرك، فيكون علمه به كعلمك بنفسك، ثم يستر ذلك ويكتمه.. فإنه إذا كان عاقلاً؛ انتفعت بمشورته.. وإذا كان حراً متديناً؛ أجهد نفسه في النصيحة لك.. وإذا كان صديقاً مؤاخياً؛ كتم سرك إذا أطلعته على سرك.. وإذا أطلعته على سرك؛ فكان علمه به كعلمك به؛ تمت المشورة، وكملت النصيحة).. إن الإمام الصادق (عليه السلام) يذكر هنا أربعة شروط، ينبغي أن تتوافر في المستشار:

أولاً: العقل.. يجب أن يكون المستشار عاقلاً، ولكن من هو العاقل؟.. قيل للصادق (عليه السلام): ما العقل؟.. قال: (ما عُبد به الرحمن، واكتسب به الجنان).. والعاقل والحكيم ليسا بمعنى واحد؛ ولكنهما في سياق واحد.. فالعاقل هو الذي يفكر من دون غلبة الهوى.

ثانياً: الحرية.. إن هناك احتمالين لمعنى الحرية هنا:

١. قد يكون بمعنى أن لا يكون عبداً مملوكاً؛ لأن العبد من الممكن أن يجر النار إلى قرصه.. فالعبيد في صدر الإسلام كانوا يعيشون حالة من الذلة الباطنية، ولهذا الحرية كانت مزية تلك الأيام.

٢. قد يكون المراد بالحر؛ أي إنسان حر عن القيود، كغلبة الطبع أو العرف مثلاً.

ثالثاً: المحبة.. إن المستشار يجب أن يكون صديقاً مؤاخياً محباً لمن يستشيره، وإلا فإنه قد يضره ولا ينفعه.

رابعاً: الأمانة.. إن المستشار الذي له ما له من التجارب، ولكنه يفشي الأسرار؛ هذا لا ينفع.. فكم من القبيح أن يؤتمن الإنسان على سر، ثم يفشيه للآخرين!..

من لا نعطيه المشورة..
عن أبي عبد الله (عليه السلام): (لا تكوننّ أول مشير، وإياك والرأي الفطير، وتجنب ارتجال الكلام، ولا تشر: على مستبد برأيه، ولا على وغد، ولا على متلوِّن، ولا على لجوج.. وخف الله في موافقة هوى المستشير، فإن التماس موافقته لؤم، وسوء الاستماع منه خيانة).

أولاً: المستبد برأيه.. وهو الإنسان الذي يتفرد بقراره، ويصرّ عليه.. فالشاب الذي يأخذ قراراً في الزواج من فتاة، ووالده غير راضٍ عن زواجه -مثلاً- فإن كان مصراً ولا يريد أن يسمع الكلام؛ فإن المشورة هنا لا داعي لها؛ لأن الأب سيتحول إلى عدو في نظره.

ثانياً: الوغد.. وهو الضعيف العقل الأحمق!.. فالإنسان اللئيم قد يحمل الكلام على محمل غير حسن، فإن نصحه أحدهم بعدم الزواج من فتاة معينة، فإن هذا الإنسان الوغد اللئيم، قد يذهب ويثير فتنة بين المستشار وبين أهل الفتاة، ويخبرهم أن ذاك الشخص هو الذي كان وراء فسخ القضية.. المستشار أعطاه مشورة نافعة صالحة، لوجه الله تعالى، ولكن هذا الوغد اللئيم أساء الاستفادة.

ثالثاً: المتلون.. إن الإنسان المتلون هو الذي يكون: يوماً معك، ويوماً عليك.. يوم لك، ويوم ضدك.. يوم صديق، ويوم عدو.. هذا أيضاً لا يُعطى النصيحة؛ لأنه إن كان اليوم صديقاً، فإنه غداً يصبح عدواً؛ فهذا الإنسان، ليس بأهل!..

رابعاً: اللجوج.. وهو الإنسان الذي يجادل ويعاند.

إن هذا أيضاً ينطبق على الأمور العقائدية؛ أي يجب عدم مجادلة كل إنسان: لجوج، أو وغد، أو مستبد برأيه، أو متلون.. هذا الإنسان المؤمن لا يدخل معه في نقاش؛ لأنه نقاش عقيم!..

نصح المستشار..
إن الإنسان الذي لا يخلص النصيحة لمن استشاره، له عقاب عظيم في الدنيا.. مثلاً: إن كان هناك شاب يريد الزواج بفتاة، فأخذ رأي إنسان هو أيضاً يريد الزواج منها: إما لهوى، أو لقرابة، أو لمصلحة.. عليه أن يخاف الله عز وجل، ويعطيه الرأي السديد، وإلا فإن جزاءه سيكون:

أولاً: سلب الرأي.. روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (من استشار أخاه فلـم ينصحه محض الرأي؛ سلبه الله عز وجل رأيه)؛ أي إن أعطاه رأياً يوافق مزاجه؛ وفكرة غير سليمة؛ فإن رب العالمين يسلبه التفكير الصحيح.

ثانياً: دخول النار.. عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (خيـــانة الــمستسلم والــمستشير من أفــــظع الأمـــور، وأعظم الشرور، وموجب عذاب السعير).. بعض الأوقات يُعجب الناس بعالم لتقواه، فيستسلمون له؛ أي أن كل ما يقوله كأنه هو الحق!.. هذه مرحلة خطيرة أن يصبح الإنسان مراداً للناس؛ أي يصبح له وزن اجتماعي وأخلاقي؛ لأن الناس تقبل رأيه على علاته.. هذا الإنسان إذا كان أهلاً لذلك؛ لا بأس!.. ولكنه يصبح خطيراً، لو أساء الاستفادة من إقبال الناس عليه!..

فإذن، إذا استسلم لك إنسان، خف الله عز وجل فيه، ولا تعطيه ما لا يرضاه الله عز وجل!..

من لا نستشير؟..
١. قـال رسول الله (صلی الله عليه): (يا علي!.. لا تشاورن جباناً، فإنه يضيق عليك المخرج.. ولا تشاورن بخيلاً؛ فإنه يقصر بك عن غايتك.. ولا تشاورن حريصاً؛ فإنـه يزين لك شرها.. واعلم إن الجبن والبخل والحرص غريـزة، يجمعها سوء الظن).

٢. عن الصادق (عليه السلام): (… ولا تشاور من لا يصدقه عقلك، وإن كان مشهوراً بالعقل والورع..).

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.