Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

إن رب العالمين في سورة “الرحمن” التي هي عروس القرآن الكريم، بين مقطع وآخر يذكّرنا بآلائه ونعمه.. وقد ورد في بعض الروايات: أن الإنسان عندما يقرأ ﴿فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾؛ عليه أن يقول: لا بشيء من آلائك ربي أكذب؛ أي يؤكد على أنه ممنون لله -عز وجل-.. روي عن الصادق -عليه السلام- أنه قال: (من قرأ سورة الرحمن ليلاً يقول عند كل ﴿فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾: لا بشيء من آلائك يا رب أكذب؛ وكل الله به ملكاً.. إن قرأها في أول الليل؛ يحفظه حتى يصبح.. وإن قرأها حين يصبح؛ وكل الله به ملكاً يحفظه حتى يمسي).. وتكرار: ﴿فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾؛ بعد النعم المختلفة، يُفهم أن الإنسان المؤمن تجاه كل نعمة، لابد وأن يعيش حالة الشكر.. فالمؤمن شكور لله عز وجل!..
﴿وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ * فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ * وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ﴾.. الحب ذو العصف؛ أي الحب الذي له قشر، فالعصف هو قشر الحبة.. والريحان؛ نبات طيب الرائحة.. نحن اعتدنا على منظر الفواكه، وإلا فهي آية من آيات الله -عز وجل-!.. انظروا إلى النباتات التي لا ساق لها، كيف تكون منبطحة على الأرض، وليس هناك إلا عدة سنتيمترات بين الجذور وبين الفاكهة!.. ماذا الذي جرى في هذه المسافة القصيرة، حتى يصبح هناك أطيب أنواع الفاكهة؟!.. مثلاً: ثمرة الفراولة لا يفصلها عن السماد ذي الرائحة النتنة سوى سنتيمترات قليلة!.. رب العالمين يريد أن يذكّرنا بهذه العظمة، فلو أردنا أن نبني مصنعاً لإنتاج هذه الفواكه، كم يحتاج من الآلات والمعدات؟.. ورب العالمين بهذا اليسر رزقنا من الطيبات.
﴿فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.. هل التكرار محمود؟.. نعم، والدليل على ذلك من القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة:
أولاً: السنة النبوية:
١. إن النبي (صلی الله عليه) وأولياءه من بعده، استعملوا أسلوب التكرار، هكذا نفهم من مختلف النصوص، أن النبي (صلی الله عليه) طالما أكد على أهل بيته وعلى عترته قائلاً: (إني تارك فيكم الثقلين).. فالنبي (صلی الله عليه) بصيغ مختلفة كرر هذا الأمر.
٢. عندما نزل قوله تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ﴾ قال الطبرسي: “أي أهل بيتك وأهل دينك بالصلاة، روى أبو سعيد الخدري قال: لما نزلت هذه الآية كان رسول الله (صلی الله عليه) يأتي باب فاطمة وعلي تسعة أشهر وقت كل صلاة، فيقول: (الصلاة يرحمكم الله، ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾)”.. أي هؤلاء أهلي، هؤلاء هم الذين أمرت بنسبتهم إليّ.
٣. الأذان والإقامة: في الأذان أربع مرات، نقول: الله أكبر!.. وكل فقرات الأذان مكررة، وأيضاً هناك تكرار بين فقرات الأذان والإقامة.
ثانياً: القرآن الكريم:
١. سورة المرسلات: هناك آية مكررة في سورة المرسلات، وهي: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾؛ لإيجاد الخوف في نفوس العباد.
٢. آية البسملة: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾؛ إذ كان يكفي أن تنزل البسملة في أول الفاتحة، ولكن الله -عز وجل- يكررها قبل كل سورة.
٣. سورة القمر: هناك آية مكررة في سورة القمر، وهي: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾؛ دعوة للناس إلى التأمل في كتاب الله -عز وجل-.
٤. ومن الآيات المكررة في القرآن الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ﴾؛ كم من التأكيد على هذا الخطاب في القرآن الكريم!..
٥. وكذلك من الآيات المكررة في القرآن الكريم: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾؛ تأكيد على عزة الله -عز وجل- وربوبيته.
٦. سورة الشعراء: هناك آية مكررة في سورة الشعراء، وهي: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾؛ أي أنا كنبي في سياق إطاعة الله -عز وجل-.. ومن هنا نفهم قوله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾؛ أي الذين أمروا بتكليف الرسالة، هؤلاء متصلون بالله -سبحانه وتعالى- كما يُفهم من وحدة السياق؛ وإلا الحاكم -ولو كان عادلاً- لا يطاع في كل شيء.
﴿خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ﴾.. انظروا إلى خلقة الإنسان!.. عندما يمر الإنسان بهذه الآيات؛ يتعجب من فلسفة الخلقة.. فرب العالمين عبّر عن خلقة الإنسان بتعابير مختلفة: تارة يقول: ﴿خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِِ﴾؛ أي من الطين اليابس كالفخار.. وتارة عبر عنه بأنه خلق من تراب: ﴿فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ﴾.. وتارة عبر عنه بالطين: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ﴾.. وتارة عبر عنه بالحمأ المسنون: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ﴾؛ أي الطين كريه الرائحة.. فإذن، أي هذه العبارات نعتمد: هل هو من الفخار، أم من التراب، أم من الطين، أم من الحمأ المسنون؟.. الجواب هو: أن هذه العبارات المختلفة هي عبارة عن مراحل الخلق: فرب العالمين خلق الإنسان من تراب، ثم حوّله إلى طين معه ماء، الطين والماء بعد فترة أصبح له رائحة كريهة، ثم جفّ الماء فصار صلصالا كالفخار؛ هذه مراحل خلقة الإنسان.. ثم بعد ذلك خلقه من ماء مهين، هذا الماء كريه الرائحة، وهو نجس كباقي النجسات
الدرس العملي:
يا بني آدم!.. إن أردت أن تنظر إلى تكوينك المادي، فأنت: إما من الحمأ المسنون، وإما من ماء مهين؛ فما الذي ميزك؟.. يقول تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ﴾.. هل الطين الكريه الرائحة يستحق السجود؟..

﴿وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ﴾.. إن النار عندما تسلط على الطين؛ تجعله يابساً، فأين الحمأ المسنون وأين النار؟.. النار فيها نور، ويستفاد منها في أمور كثيرة!.. “المارج: هو اللهب الخالص من النار، وقيل: اللهب المختلط بسواد”.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.