Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

إن هناك شكوى من المؤمنين، الذين هم في طور التكامل.. حيث أن هناك أناسا تهمهم الحياة الدنيا، كما يقول الإمام علي (ع): (كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها).. بعض الناس يأكلون كما تأكل الأنعام، والنار مثوى لهم.. نعم أغلب الناس يعيش هذه الحالة البهيمية: همه بطنه، وفرجه.. ولكن هناك قسما من الناس، يعبر عنهم القرآن الكريم: {فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا}.

إن الإنسان له هم، وله سبيل في هذه الحياة.. هناك نقطة يحب أن يصل إليها، حياته غير مبعثرة: ليس في السفر على هيئة، وفي الحضر على هيئة.. ليس في الجلوات على هيئة، وفي الخلوات على هيئة.. إنسان يمشي مشية مضطردة ثابتة، وبخطى متوازنة.. هذه مواصفات الإنسان السائر إلى الله -عز وجل-، ولكن هذا الإنسان له بلاء، وهذا البلاء يتمثل في مسألة الإدبار بعد الإقبال: ليلة يصلي صلاة الليل وهو في قمة الخشوع، وليلة يصلي وهو كاره للقيام.. تارة يصلي صلاة الفريضة وهو في قمة الإقبال، وفي فريضة لاحقة يعاني الإدبار.. فالإنسان هو الإنسان، والمسجد هو المسجد؛ ولكنه يعيش إدبارا قلبيا قاسيا، رغم أنه لم يعمل شيئا.. ما هو التعليق على هذه الحالة؟..

أولاً: إن هناك فرقا بين الحالات الشعورية، وبين الموقف الاستراتيجي للإنسان في هذه الحياة.. الإنسان عليه أن يمشي مع ربه مشية متزنة؛ أي لا يقرب المعاصي، ويؤدي واجباته.. وهذه النفحات هي هبات من الله -عز وجل- قد يعطى الهبة وقد لا يعطى الهبة.. مثل الموظف الذي يعمل بكامل نشاطه، ويأخذ راتبه الشهري، وفي بعض الأشهر يعطى العلاوات التشجيعية.. ولكن إذا لم يأخذ العلاوة، هل يستقيل من العمل؟.. قال رسول الله (ص): (إن لله في أيام دهركم نفحات، ألا فتَعرَّضوا لها.. فلعلّ أحدكم تصيبه نفحة، فلا يشقى بعدها)؛ إذن هذه النفحات تأتي وتذهب.. وقد ورد عنهم (ع): (أن لنا مع الله حالات، لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل)؛ حالات: أي ليس كل ساعة، وليس في كل يوم.

فإذن، إن الإنسان عليه أن يعمل بوظيفته، ولا تهمه النتائج.. فالإنسان يصلي صلاة لا أفكار فيها، وبعد ذلك أعطي الإقبال أو لم يعط؛ فهذا شأن الرب وليس من شأن العبد.. العبد عليه بالعبودية، ورب العالمين يعمل بمقتضى الربوبية.

ثانياً: إن العبد في بعض الأوقات، لا يقدر هذه النعمة {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}.. طالما رأينا في مجالس أهل البيت (ع)، أيام محرم أناسا دموعهم على وجناتهم، ولكن بمجرد أن ينتهي المجلس وإذا بهم يخوضون بما لا يليق لا بالمكان ولا بالحالة التي هم عليها: من المزح، والضحك، و…الخ؛ أليس هذا كفران بنعمة الإقبال؟!.. أو مثلا: إنسان يأتي إلى المسجد فيصلي صلاة خاشعة، وعلى باب المسجد يتكلم كلام هذر وباطل.. فهذا الإنسان من الطبيعي أن لا يعطى حالة الإقبال مرة أخرى؛ لأنه أعطي الهدية ورماها جانبا؛ فهو لا يستحقها.

بإمكان الإنسان بعد أن يصلي مستحبه وواجبه في المسجد، وبعد تفقد الأخوان؛ إذا كان يعيش جو إقبال روحي؛ الذهاب إلى مكان آخر: كالحديقة، أو شاطئ البحر.. ويحاول أن يعيش هذه الحالة؛ حتى يعطى الإقبال مرة أخرى.. إن استمر الإدبار فترة طويلة، يجب أن لا يستسلم، بل عليه أن يقدم الشكوى إلى الله عز وجل.. وخير ما يعبر عن هذه الحالة، كلام الإمام السجاد (ع) في مناجاة الشاكين: (إِلَيْكَ أَشْكُو قَلْباً قاسِياً مَعَ الْوَسْواسِ مُتَقَلِّباً، وَبِالرَّيْنِ وَالطَّبْعِ مُتَلَبِّساً، وَعَيْناً عَنِ الْبُكاءِ مِنْ خَوْفِكَ جامِدَةً…).. إن دعا بهذا الدعاء مرة واحدة بتوجه، يرجى أن ترجع إليه حالة الإقبال مرة أخرى.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.