Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

أهمية العلم..
عندما نقول “العِلم والتعلُم” لا نعني العِلوم التي بها نتكسب، حيث إن هُناكَ نوعين من العلم:

أولاً: العِلم مقدمة للمعاش.. أي العلم الذي هو قِوامُ العَمل الدنيوي والعَمل المعاشي، فالمُقدِمة إذا كانت شريفة فإن كُل ما يؤدي إليها شريفٌ أيضاً.. فلو أن إنساناً كانَ لَهُ ولد على السَطح وعلى وشك السقوط، ولا يوجد أمامه إلا سُلَم خشبي متواضع، وثمنه آلاف الدنانير؛ فهو يشتري هذا السُلَم؛ لأنَّ بهِ حياة ولده.. وعليه، فإن كل أمرٍ مُقدس، وكُل أمرٍ لازم، هذا الأمر يتعدى إلى مُقدماته، فالمؤمن إنسانٌ مُستَقلٌ في الحياة من حيث الكَسب، لَهُ كَسبٌه ولهُ معاشه.. ومن لا يُبالي بمعيشته، ويحمل همّ الرزق؛ هذا الإنسان موزع الاهتمام، روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (من لا معاشَ له لا معادَ له)، لذا المؤمن يسأل اللهَ عزَّ وجل الكفاف، كي لا يفكر في أداءِ دَين، ولا في استقراض من أحد، أو استجداء من الآخرين.. المؤمن يُريحُ بالهُ من كُل الشواغل، فهو يصلح أمر زوجته، وأمر معاشه، وأمره مع الناس؛ لا طَلباً للراحة وإنّما ليكون في حركةٍ إلى اللهِ عزَ وجل من دونِ شاغل.

وعليه، فإن العِلم الذي هو مُقدِمة للمعاش، هذا أمرٌ راجحٌ بلا رَيب، فكل إنسان لَهُ تخصصٌ في مجال؛ وهذه التخصصات محترمة.

ثانياً: العلم مقدمة للمعاد.. إن هناك فرقاً بين العِلم الذي يكونُ مُقدمةً للمعاش؛ والعِلم الذي يكون مُقدمةً للمعاد؛ إذ فَرقٌ بينَ علم ينفع الإنسان في الدنيا لأيام قصيرة، وبينَ العِلم الذي ينفعه في حياة الأبديّة.. فما ينفع المؤمن في القَبر، أو في عرصات القيامة؛ هو عِلمهُ بالقرآن، فيوم القيامة حَملة القرآن هم الذين لهم تميز، عن النبي الأكرم (صلی الله عليه): (أشراف أمتي: حملة القرآن، وأصحاب الليل)؛ ليس في الدنيا فقط، وإنما في البرزخ والقيامة أيضاً.. فصاحبُ الليل، وحامل القرآن، ومُفسر القُرآن، وحافظ القرآن، والعامل بالقرآن؛ كُلُ هؤلاء المختصين بالقرآن الكريم لهم تميّز في عرصات القيامة، بعكس سائر الاختصاصات، فيوم القيامة لا يُقال للأطباء: تعالوا في هذهِ الزُمرة مَثلاً، ولا يُعطى أي مقام مُميز للمُهندسين، فهؤلاء في الدُنيا لهم تميّز، ولكن بعدَ الدُنيا التميُّز لمن كانَ مرتبطاً باللهِ عزَّ وجل.

فإذن، إن كل علم نافع، سواء كان مقدمة للمعاش، أو مقدمة للمعاد؛ ولكن المؤمن يسعى وراء العلم الذي يوجب له الخشية.

ما هو العلم الذي يوجب الخشية؟..
يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾، إن العِلم الذي يوجبُ الخَشية، هو العِلمُ بالله عَزَّ وجل؛ أي: معرفة صفاتِ جلالهِ وكماله، ومعرفة منازل الآخرة، ومعرفة مقامات النَبي (صلی الله عليه)، ومعرفة صفاتِ أوصياءِ نبيه (عليهم السلام)؛ فالعِلم الذي يورث الخَشية هو العِلم المرتبط بهذهِ الذوات المُباركة.. يقول الخَليل بنِ أحمد: “أحثُ كلمةٍ على طَلبِ علمٍ قولُ عليِّ بن أبي طالب: (قَدرُ كُلُّ امرئٍ ما يُحسن)”؛ أي أن قيمة الإنسان بما يحسنه، ولهذا هناك فرق بين إنسان يحسنُ العمل في الطِب، وبين إنسان خبير في الحاسوب مثلاً؛ لأن الطِب يوجبُ نجاةَ الإنسان من الموت، أما الحاسوب لو احترق، فإنه لا يتغير في حياة الإنسانِ شيء، ولكن الإنسان الذي ينزف، إذا لم يُسعفه طبيب؛ فإنه: يموت، وتُيتم أطفاله، وتُرمل زوجته.. وعليه، فإن قيمة كُلُ امرئ ما يُحسِن، وكُلما زادَ إتقان الإنسان للشيء؛ صار ذا قيمة.

أصناف الناس..
إن الناس في هذهِ الدُنيا ليسوا صنفاً واحداً، إنما هم أصناف مختلفة:

الصنف الأول: إن هناك قسماً من الناس همه اللعبِ واللهو والمجون والغَفلة، فهو يُصبح ويُمسي ليتمتع، حتى عمله الدنيوي يكون مُقدمة للاستمتاع في هذهِ الدُنيا، رغم أن البعض من هذا الصنف متقدم في السن، ولكنه بحكم الطفل الذي همه اللهو واللعب.

الصنف الثاني: إن هناك قسماً يحملُ هَماً إنسانيّاً، حتى هذهِ الثورة الشيوعية التي ظهرت قبلَ عشرات السنين في أوروبا وفي قِسم من العالم الإسلامي، أصحابها كانوا يغرون الأمم بدعوى الإنسانية؛ فقد كانوا يعملون على إنقاذ الإنسانِ من الفَقر، وتحسين أحوال الطَبقة الكادِحة، وإلغاء الطبقة المترفة؛ فدعوتهم بحسب الظاهر دعوة إنسانية؛ لأنها تدعو إلى تحرير الإنسانِ من الفَقر.. وهناك شخصيات من ديانات مختلفة، كانوا يحملون هَم الإنسان، حتى أن بعض المنحرفين عَن الأديان السماويّة، ممن كان يحمل هَم الإنسانية، وصلَ بهِ الأمر إلى أن يُحكم عليهِ بالإعدام شنقاً، فإذا به يُقبّل حَبلَ المشنَقة، ويفتخر بعمله؛ هكذا يتفانى البعض في مبدئهِ ولو كانَ باطِلاً!..

الصنف الثالث: إن هذا الصنف هَمهُ اكتشاف ما هو جَديدٌ في هذا الكَون: فالبعض يغوصُ في أعماق البِحارَ؛ وقَد لا يرجعُ إلى السَطح، والبعضُ يدخُل المغارات والكهوف، والبَعض يتسَلق الجبال المرتفعة التي تبلغ آلاف الأمتار!.. هؤلاء يجازفون بحياتهم من أجل اكتشاف جديد أو اختراع جديد!.. فأصحابُ الاكتشافات والاختراعات، هذا صنفٌ من البَشر لا يلعب ولا يلهو، ولا يحملُ هَم الإنسانية، ولكن يحب أن يكتشف كل ما هو جديد.

الصنف الرابع: إن هناك صنفاً هَمهُ المعاش، وإتقان المعاش، لذا عينهُ على الأصفار دائماً، فهو يُصبح ويُمسي ليزدادَ صِفرٌ في رصيد حسابه.. هذا الصنف لا يعرف الكَلل والمَلل، فقد تكون زوجتهُ في حكم المُطلقة، وأولادهُ في حُكم اليتامى، وهو من الصباحِ إلى الليل لا يعرفُ إلا المَتجَرَ والمهجر.

الصنف الخامس: إن هذا القِسم يريد ُأن يكونَ سماوياً ربانياً إلهيّاً، يقول: أنا لي صاحِب، هذا الصاحب أخرجني من بطون الأمهات من نُطفةِ من مَنيٍّ يُمنى، والذي طورني في عالم الأرحام، وأخرجني من بطنِ أُمّي لا أعلمُ شيئاً، يُريدُ مني مستوى من الكَمال، فقد جئتُ إلى هذهِ الدُنيا لأحققَ هذا الكمال المنشود؛ ألا هو العبودية!.. ومن صارَ عَبداً؛ أعطاهُ الله عز وجل المزايا التي لا يمكن تخيلها في عالم الجنان!.. ولكن من يريد أن يكونَ من هذا القِسم، لابُد أن يعلَم خارطة الطريق، فالطريقً إلى اللهِ عَزَ وجل لهُ خارطة، فكما أن الإنسان عندما يريد أن ينتقل من بلدِ إلى بلد، أو من منزلٍ إلى منزل، يستعين بالخرائط التي أصبحت -هذه الأيام- موجودة في الأجهزة الإلكترونية، كذلك الأمر لمن يريد أن يسلك الطريق إلى اللهِ عَزَّ وجل؟..

خارطة الطريق الإلهي..
إن الإنسان الذي هَمهُ: العَيش، أو المال، أو العِلم الدنيوي، أو الإنسان، أو اللهو -الأقسام السابقة- هذا الإنسان لا يمكن أن يَصِلَ إلى شَيء.. أما القسم الرباني العالم، فهو الذي يصفه القرآن الكريم في آية من سورة “الزُمَر”: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾.

-﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾.. هؤلاء هم العُلماء الذين يتصفون بـ:

أولاً: القنوت.. عندما نقول: “القنوت” يتبادر إلى الذِهن حركة اليَد في الركعة الثانية، ولكن التعريف الدقيق في اللغة العربية لكلمة “القانت” هو المُطيع الخاضِع!.. -فاللغة العربية من أدقِ لُغات العالم، وإنها لمفارقة غريبة: أن أرقى لُغة في عالم الوجود التي هي لُغةُ أهل الجَنّة، ولُغة القرآن، كانت تجري على ألسنة الجاهليين،، حيث كانت الحضارة في الحَضيض، أما اللُغة فقد كانت أرقى اللُغات- فالخادم الذي يُطيع مولاه في كُلِ ما يقول، ويمتثل لأوامره، ولكنهُ لا يُقدره ولا يخضع له؛ هذا لا يُسمى قانتاً.. وهذا ينطبق على الولد الذي يحب أبويه، ويحترمهما، ولكن إن طلبوا منه شيئاً كالدواء -مثلا- لا يُحضره لهما؛ هذا ليسَ بقانت.. القانت هو: العابدُ الخاضِع المُطيعُ.

ثانياً: السجود.. إن الصفة الثانية للعالم، أنه كثير السجود لله عز وجل.

ثالثاً: القيام.. إن قيام الليل من سمات المؤمن.

رابعاً: الخوف.. إن هذا الصِنف رَغمَ أنّهُ قانت، ورَغمَ أنّهُ ساجد، معَ ذلك يخافُ الآخرة، فالآخرة من صفاتها كما ورد في سورة “الواقعة” ﴿خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ﴾؛ حيث إن المؤمن يموت وهو يَظنُ أنّهُ على خَير، ولكن يَومَ القيامة يُفاجأ بدماء الأبرياء، وأنه كان شريكاً في قَتلِ إنسان، روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: (يُحشر العبد يوم القيامة وما ندا دماً، فيُدفع إليه شبه المحجمة أو فوق ذلك فيُقال له: هذا سهمك من دم فلان، فيقول: يا ربّ!.. إنك لتعلم أنك قبضتني وما سفكت دماً، فيقول: بلى، سمعتَ من فلان رواية كذا وكذا فرويتها عليه، فنُقلت حتى صارت إلى فلان الجبّار فقتله عليها، وهذا سهمك من دمه).. هو قاتل، ولكن لا بمعنى القَتل الكامل، إنما له سَهمٌ من دَمِ إنسان، فهو قال كلمة جاهلة، هذهِ الكلمة تفاعلت إلى أن قُتِلَ ذاك الإنسان بسببها.. لذا، فإن الإنسان في شتى الأحوال عليه أن يحذر الآخرة.

خامساً: الرجاء.. إن المؤمن العالم الرباني، يرجو رحمة ربه في الجنة.

-﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾.. إن العِلم معَ القنوت متلازمان، ولكن ليس كل علم؛ إنما العلم الذي يوجبُ الخَشيَة، يقول تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ قيلَ في تفسير هذهِ الآية: إن المؤمن مرفوعٌ، ولكن المؤمن إذا صارَ عالماً ارتفعَ مقامهُ درجات، إذ فَرقٌ بينَ الزاهد العابد وبينَ العالم!..

صفات طلبة العلم..
إن أمير المؤمنين (عليه السلام) يُقسم العُلماء، فهو يقول: (طلبة هذا العلم على ثلاثة أصناف، ألا فاعرفوهم بصفاتهم وأعيانهم: صنفٌ منهم يتعلّمون للمراء والجهل، وصنفٌ منهم يتعلّمون للاستطالة والختل، وصنفٌ منهم يتعلّمون للفقه والعمل. فأما صاحب المراء والجهل: تراه مؤذيا مماريا للرجال في أندية المقال، قد تسربل بالتخشع، وتخلّى من الورع؛ فدقّ الله من هذا حيزومه، وقطع منه خيشومه (كناية عن الإذلال). وأما صاحب الاستطالة والختل: فإنه يستطيل على أشباهه من أشكاله، ويتواضع للأغنياء من دونهم، فهو لحلوائهم هاضمٌ، ولدينه حاطمٌ؛ فأعمى الله من هذا بصره، وقطع من آثار العلماء أثره. وأما صاحب الفقه والعقل: تراه ذا كأبة وحزن، قد قام الليل في حندسه (ظلمته) وقد انحنى في برنسه، يعمل ويخشى خائفا وجلا من كل أحد إلا من كل ثقة من إخوانه؛ فشدّ الله من هذا أركانه، وأعطاه يوم القيامة أمانه).

-(طلبة هذا العلم على ثلاثة أصناف، ألا فاعرفوهم بصفاتهم وأعيانهم).. أي لا تغتروا بكُّل عالم، ولا بكل ذَلق اللسان، ولا بكل إنسان لَهُ قُدرة بلاغيّة، فهؤلاءِ على أقسام:

الصنف الأول: صاحب المراء والجهل:
-(فأما صاحب المراء والجهل: تراه مؤذيا مماريا للرجال في أندية المقال، قد تسربل بالتخشع، وتخلّى من الورع).. هذا صاحبُ جَدَل، لَهً فكرة يُريد أن يثبتها، هو في قرارة نفسه يعلَم أنّها فِكرة باطلة، ولكن دُنياه ووجاهته ومنصبه؛ كل هذه الأشياء قائمة على هذا الأمر، لذا لا يستطيع أن يتراجع عَن طريقٍ مشى بهِ دَهراً، هناك شعار يرفعه الإنسان يقول: “العار ولا النار”ُ، ولكن البعض شعارهم العكس؛ أي: النارُ ولا العار.. إن كلمة أمير المؤمنين (يُماري الرِجال في أندية المقال) تنطبق على وسائل الإعلام الحَديثة.

-(فدقّ الله من هذا حيزومه، وقطع منه خيشومه).. أمير المؤمنين (عليه السلام) يدعو على هذا العالم الذي ظاهرهُ خاشِع، ويبكي أمامَ الناس؛ ولكن لا ورعَ له.

الصنف الثاني: صاحب الاستطالة والختل:
-(وأما صاحب الاستطالة والختل: فإنه يستطيل على أشباهه من أشكاله).. هذا ليسَ همهُ الجَدل، وليس همهُ الفِكر.

-(ويتواضع للأغنياء من دونهم، فهو لحلوائهم هاضمٌ، ولدينه حاطمٌ).. أي المُهم الحلوى، كل ما يهمه هو الراتب الذي يأخذهُ منهم، هؤلاءِ من بطانة السلاطين، يأخذُ منهم ما يُصيبُ من دُنياهم.

-(فأعمى الله من هذا بصره، وقطع من آثار العلماء أثره).. إن أمير المؤمنين (عليه السلام) ينوّع الدُعاءَ، فهؤلاءِ بَعدَ المَوت لا قيمة لهم، ولا يُعدّون مِنَ العُلماءِ بشيء.

الصنف الثالث: صاحب الفقه والعمل:
-(وأما صاحب الفقه والعمل).. أي في مقام العِلم هو فقيه، والفقيه هو العالم ولو لم يَصل للاجتهاد، فالاجتهاد هو أعلى الدرجات!.. فصاحب الفقه هو مشروعٌ لأن يكون فقيهاً؛ وذلك إذا أخذ دورة عندَ عالم بَصير، سواء كان من خلال عالم حَي بشكل مباشر، أو من خلال الفضائيات والكُتب، فلو قرأ الرِسالة العمليّة بجزئيها: المعاملات، والعبادات، فإنه بالإمكان أن يصير مُدرساً للرسالة العملية.. إن البعض يُدّرس في الجامعة الرياضيات البَحتة، ويعيش الذِهول، دائماً يُفكر في المُعادلات، هو يتقن التدريس في هذه المادة الصعبة، ولكنه يستصعب الرسالة العمليّة التي هي أسهل بكثير؛ هذا تكاسل، وإلا هو لَهُ القُدرَة على فهمها!.. وعليه، فإن كل إنسان هو مشروع، لأن يُصبح مُدرساً للرسالة العمليّة بجزئيها، هذا هو الفقيه أو المتفقه.

-(تراه ذا كأبة وحزن).. إذا رأيتَ مؤمناً يُقهقهَ، وكثير الدُعابة؛ اعلم أنّهُ غافِل!.. لأن المؤمن في قلبهِ كأبة وحُزن، هذه الكأبة مُقدَسَة.

-(قَد قامَ الليل في حندسه، وقَد انحنى في بُرنسه، يعمَل ويخشى).. أي خَشية في القَلب، وعَملٌ في الخارج، والفِقهُ في إدراكه، فهو: فقيهٌ، عاملٌ، خائف.

-(خائفا وجلا من كل أحد، إلا من كل ثقة من إخوانه).. ما جزاء من له هذه الصفات؟..

-(فشَدَّ اللهُ من هذا أركانه، وأعطاهُ يومَ القيامةِ أمانه).. أي أن من تكون هذه صفاته، الله سبحانه وتعالى يعطيه القوة والمتانة.

الدرس العملي:
١. إن الإنسان يُدققُ كَثيراً في الأكل الذي يتناوله، فكل طعام منتهية صلاحيته يرميه في سلة المهملات، رغم أنه اشتراه بالمال، ولكن عندما يمر عليهِ يَوم أو يومان، يخاف من ضرره إن أكله.. يقول الإمام المُجتبى (عليهِ السلام): (عجبٌ لمن يتفكّر في مأكوله، كيف لا يتفكّر في معقوله؟!.. فيجنّب بطنه ما يؤذيه، ويودع صدره ما يرديه)!..

٢. إن كل إنسان هو في حال تَعلُم، روي عن الإمام الجواد (عليه السلام) أنه قال: (من أصغى إلى ناطق فقد عبده: فإن كان الناطق عن الله؛ فقد عبد الله، وإن كان الناطق ينطق عن لسان إبليس؛ فقد عبد إبليس).. لذا، المؤمن لا يستمع إلى الصنفين الأولين من العلماء حسب تصنيف أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولكن يستمع إلى الصنف الثالث، فالمتقون هم الذين (وقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم).

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.