Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

التأسي بالمعصومين..
إن الإمام الحسن -عليه السلام- تميز بصفة الحلم؛ والتميز هنا بمعنى: الاشتهار، وإلا كُلَّ المعصومين واجدونَ لكُل الملكات.. فصفة الجود والسخاء، والحِلم وكَظم الغيظ، والرضا بقضاء الله وقدره؛ كُل هذهِ الصفات موجودة في أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على حَدٍ سواء.. ولكن بعض الروايات تشير إلى أنَ لعليٍّ -عليهِ السلام- مزيته، فعن الصادق -عليه السلام- أنه قال: (رسول الله (ص) ونحنُ في الأمر والنهي، والحلال والحرام؛ نجري مجرىً واحداً.. فأمّا رسول الله (ص) وعليّ؛ فلهما فضلهما).. وعنه -عليه السلام-: (اعلم أن أمير المؤمنين -عليه السلام- أفضل عند الله من الأئمة كلهم، وله ثواب أعمالهم، وعلى قدر أعمالهم فُضّلوا).. وهُناكَ أيضاً بعض المزايا للإمام الحجة -عجل الله تعالى فرجه الشريف-.. فالإمام المجتبى -عليه السلام- متصفٌ ومشتهرٌ بصفة الحِلم، والحلم هو كَظم الغيظ، فعن أمير المؤمنين -عليه السلام- أنه قال للحسين -عليه السلام-: (يا بني!.. ما الحلم؟.. قال: كظم الغيظ، وملك النفس).. فحلمُ الإمام الحَسن، وكَظم الغيظ للإمام الكاظمِ (عليه السلام) من جَذرٍ واحد، ومن أساسٍ واحد.

إن المؤمن عادةً يُحيي ذكر أهل البيت (عليهم السلام)، بالمجالس، والقصائد، والبكاء، والحُزن.. ولكن من أهمِ صورِ إحياءِ أمرهم؛ التأسي بهم!.. أي في مناسبة كل معصوم، ينظر الإنسان إلى الصفة التي يشتهر بها ذاك الإمام، ويحاول أن يتصف بها.. فمثلاً: في مناسبة الإمام الحسن -عليه السلام- ينظرُ إلى حِلمه، وإلى سعةِ صدره، وإلى حالتهِ عندَ الغضب؛ ثُمَ يُعطي لنفسهِ دَرجة؛ هذهِ الدرجة هي دَرجةُ الولاية!.. فالولاية ليست بإنشاد الشعر، وإلقاء القصائد، والبكاء؛ رغم أنه أمر مطلوب!.. ولكن الأمر الأهم هو أنَ يتصف الإنسان بصفاتهم (عليهم السلام).

الملكات..
يا حبذا لو أنَ كل مؤمن يجتاز دورة في جانبِ الفضائلِ والرذائل، مثلاً: كتاب “جامعُ السعادات” كتابٌ قيم في هذا المجال، ومن أرادَ أن ينظر للملكات الصالحة والخَبيثة، فليقرأ هذا الكتاب.. وأمثال هذهِ المؤلفات كثيرة؛ ولكن هذهِ الأيام ما أكثر الكُتب، وأقل المطالعين!.. وما أكثر المطالعين، وأقل المعتبرين!..

إن الشيطان لهُ حيل: فمنها ما هو مفضوح؛ كدعوتهُ لشرب الخَمر، وللزنا، وللفحشاء؛ فهذه الحيل لا تنطلي على المؤمن.. ومنها ما هو خفيٌّ؛ يمكن أن تنطلي على المؤمنين، بل على الخَواص؛ كالانشغال بالعبادات الجوارحية عن التحلي بالفضائل الجوانحية.. فلو رأى الشيطان في إنسان مَلكة أو ملكتين فاسدتين: كالكِبر والحسد -مثلاً-؛ عندئذٍ الشيطان لا يمنعه من التعبد، والذهاب إلى المساجد، ولكن يمنعه من علاج الرذائل الباطنية!..

وعليه، فإنه لابد للمؤمن من العمل والسير على خطين متوازيين.. فالإنسان غير الحسود، وغير المُتكبر، وطيب النَفس؛ ولكن لا عبادةَ له، ولا تعبدَ له؛ هذا إنسان ليس على شيء أيضاً.. مثلاً: عندما تُسأل بعض السافرات عن سبب عدم ارتدائها للحجاب، فإذا بها تدّعي أنها لم ترتكب حراماً في حياتها، وأنه يجب النظر إلى نظافة وبياض قلبها، لا إلى مظهرها الخارجي!.. هذا الكلام من أسخف القول!.. لأن الشريعة لها شِقان: شِقٌ يتعلقُ بالجوارح؛ وهو سترُ المرأة لما لا يجوزُ إظهارهُ.. وشق يتعلق بالجوانح؛ وهو العِفةُ.. أي أن المرأة مطلوب منها: العفة الباطنية، والعفة الظاهرية.

صفة الحِلم..
يقول أمير المؤمنين -عليهِ السلام- في باب الفضائل والرذائل، في غرر الحِكم: (وأنّ الحلمَ سجيةٌ فاضلةٌ).. البعض يتصور بأنَّ الحلم عبارة عن قضية خارجية، أي إذا تم التشويش على إنسان أو تعرض للشتم، ولم يتكلم بكلام فاحش؛ فهذا إنسان حليم!.. ولكن الحليم هو ذاك الإنسان الذي لا يغلي في باطنه: فإن كان يغلي باطنياً، ولكنه يسكت حياءً، ومخافة السقوط من أعين الناس؛ لأنه إذا غَضب قد يتكلم بكلام غير مُناسب، فيسقط من الأنظار، وإذا كانَ تاجراً يُقاطع، وإذا كانَ عالماً لا يُصلى خَلفهُ مثلاً.. هذا ليسَ بحليم؛ لأن الحِلمُ الباطني عنده غير متحقق.. حيث أن هناك فرقاً بين إنسان يسكتُ على مضض، وبينَ إنسان باطنهُ هادئ لا يغلي؛ إنسان إذا خاطبهُ الجاهل قالَ: سلاماً.. يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾، هناك فرقٌ بينَ الإعراضِ عن اللغو، وبينَ عدم التفاعلِ معَ اللغو!.. فالإنسان الذي يواجه اللغو، ويتفاعل، ولا يرتب عليه الأثر؛ هذا إنسان جيد!.. ولكنه على شفا حُفرةٍ من النار؛ لأنه إن كظمَ غيظه مرة أو مرتين أو ثلاث؛ فإنه سيسقط يوماً ما، فهذه الفرامل في يوم من الأيام تنقطع.. إذ أن المؤمن لهُ فرامل، ولكن في نفس الوقت، هو الذي يقود دابتهُ إلى الجهة التي يريدها، لا يزيدُ من السرعة ثُمَ يفرمل، هو من أول الأمر يعلم أينَ يسير، ومتى يسير، وبأية سرعة!.. وإذا فلتت منهُ الأمور، يستطيع السيطرة عليها من خلال تلك الفرامل!..

فإذن، إن الإنسان الحَليم هو ذلكَ الإنسان المُتعالي عن سفاسف الأمور!..

الطريقُ إلى الحِلم..
إنَ وسائل المعيشة، والراحة، والرفاهية؛ متوفرة هذه الأيام في أعلى صورها!.. لذا، من المفروض أن يكون الإنسان في أعلى درجات الاطمئنان والراحة النفسية!.. ولكن كُلما امتدَ الزمان؛ كُلما كَثُرت المشاكل الباطنية!.. حيث أن هُنالكَ إحصائية تقول: أنَ أغلب الناس مبتلون بأمراض نفسية، ولكن لا يصرحونَ بها.. فالاكتئاب، والاضطراب، والوسواس، والقلق، والخَوف منَ المجهول ومنَ المستقبل، والتبرم؛ كُل هذهِ المشاكل النفسية، أو بعضها في نفوس معظم الناس.. أما المؤمنون فلهم حساب آخر؛ لأن قلوبهم مطمئنةٌ بذكر الله -عزَ وجل-.. والطريق إلى التخلص من تلك الأمراض، هو التحلي بصفة الحلم.. فمن موجبات الحلم:

أولاً: ملء الفراغ الباطني.. إن الإنسان الفارغ باطنياً، لا الفارغ خارجياً، لأنه قد يكون لهُ عشرات الشركات والمسؤوليات، ولكن لَهُ خواء باطني؛ أي لا فِكر وقاد له، ولا ذهنية صافية، ولا همة عالية، ولا حمل لهموم كُبرى في الحياة؛ هذا الفراغ الباطني يوجب التبرم.. ولهذا نُلاحظ ظاهرة العصبية، والخروج عن الطور في جانب النساء أكثر من الرجال، وكذلكَ الغيبة؛ لأنَ طبيعة حياة المرأة حياة رتيبة: فهي تعيش بين أربعة جدران، ومسؤولياتها الخارجية ضعيفة؛ لذ فإن أقل مُثير يخرجها عن طورها!.. أما الرجل لما لهُ منَ الهموم، يجعله في شغل عن بعض الترهات البسيطة.. ومن هنا نُلاحظ بأنّهُ حتى في الطبقات المثقفة، كالجراح -مثلاً- له شيء منَ الهدوء والاستقرار -هذا الحِلم يختلف عن حِلم المؤمن- فهذا مشغولٌ بعالمهِ، ولو تَركَ عالمهُ وتقاعس؛ فإنه يعود إلى ما كانَ عليهِ العامي.. ولكنه عندما يكون في غرفة العمليات، فإنه من الطبيعي أن لا يغتابُ زوجتهُ -مثلاً- لأنه مشغول بجراحة المُخ، فليس لهُ مجال أن يتكلم بأمور جانبية؟!.. والمؤمن في حركتهِ الحياتية دائماً كمثل جراح المُخ في غُرفة العمليات؛ لهُ ما يشغلهُ، لَهُ مملكتهُ الباطنية: فهو يحمل همّ نفسه، وهمّ آخرته؛ هذه الأمور تشغله عن التنزل إلى مستوى الجاهلين!..

ثانياً: إعظام الخالق.. هُناك مجموعة من الروايات تُسمى بروائعُ أهل البيت (عليهم السلام)، رغم أن كُل كلماتهم رائعة!.. ولكن بعض كلماتهم (عليهم السلام) كما يُقال في عُرف الأُدباء السَلف: “يُستحق أن يُكتب من نور على أحداق الحُور”!.. فمن أجمل ما قيل في وصف المتقين، عن أمير المؤمنين -عليه السلام-: (عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ؛ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ).. هل هذا الإنسان يمكن أن يُثار بأي شيء: هذا الإنسان الذي ينظر إلى الجمال الإلهي، هل يُغريهِ جمال امرأة فاسقة فاجرة؟!.. وهل الإنسان المشغول بالذكر الإلهي، يُلهيهِ غَضبُ الغضوب؟.. بالتأكيد لا!.. لأن هذا لهُ عالمه الخاص، وهو مشغولٌ به، كما يقول المعصوم في حديث للراوي: (لا تُفسد عليَ وردي).. روي أن أحدهم دخل على الإمام الصادق -عليه السلام- فبعد أن نصحه وتكلم معه بعض الوقت، قال له -عليه السلام-: (قم عني يا أبا عبد الله!.. فقد نصحت لك، ولا تفسد عليّ وردي.. فإني امرؤٌ ضنينٌ بنفسي، والسلام على مَن اتبع الهدى).

فإذن، إن من موجبات الحِلم: الإنسان إذا عظمَ الخالق في نفسهِ، صَغُرَ ما دونهُ في عينه!.. فهو لا يرى وزناً لمن تكلم عنه، ولا وزناً لكلامه، ولا وزناً لهذا الباطل الذي يتكلم عنه!.. ومن هنا فإن المؤمن في هذا المجال من أقوى الناس قلباً!.. أحد العلماء الكبار قيلَ لَهُ: أنَ الناس يتكلمون عليك!.. فقال: “كلام هؤلاء هواء”، والهواء لا يؤذيني!.. الإنسان عندما يتكلم تخرج أمواج صوتية من فمه؛ فما قيمة هذهِ الأمواج؟!.. ولكن قال: أرجو أن لا يصل الأمر إلى الضرب؛ لأن الضرب موجع.. أنظروا إلى ثقل ووقار المؤمن!.. والمرجع لا يصل إلى هذا المقام إلا عندما يجتاز هذهِ المراحل، فمقام المرجعية -مثلاً- شبيهةٌ بالإمامة بمعنى ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾.. فالذي يقود الأمة، أيضاً يَمر بابتلاءات.. وبالتالي، فإن هذا المعنى جاء، لأنه عَظُمَ الخالق في أنفسهم، فصغرَ ما دونهُ في أعينهم!.. فعن الرسول (ص) أنه أتى إليه ابن مسعود يقول له: يا رسول الله!.. فلان يسبك قال: (رحم الله موسى، ابتلي بأكثر من هذا فصبر)!.. وأصل القصة: (أن موسى كلم الله -عز وجل-، فقال: يا رب، أسألك مسألة!.. قال: ما هي؟.. قال: أن تكف ألسنة الناس عني، قال: يا موسى!.. ما اتخذت ذلك لنفسي، إني خلقتهم ورزقتهم، ويسبونني ويشتمونني).. رَب العالمين لم يَسلم من كلام الناس!..

آثار وبركات الحِلم..
أولاً: سرعة التأثير في الآخرين.. في أغلب الحالات الغضب يكون للتأثير والإصلاح، وهذه من النظريات الباطلة؛ لأن الإنسان لا يُمكن أن يُقدم طعاماً من خلال الغضب.. فالأم لا تُسقي رضيعها الدواء وهو يبكي، لأنه قد يغصُ بهِ ويموت، بل تُلاعبهُ وتجعله يضحك، وعندما يهدأ تجعل في فمهِ الدواء المُر.. إذن، الدواء المُر لا يمكن أن يُعطى للطفل، إلا عندما يكون هادئاً مستقراً.. والإنسان كذلك في حال الغضب، لا يمكن أن يوصل فكرته أبداً!.. فبعض الفتيات البالغات، عندما تُسأل عن سبب عدم ارتدائها للحجاب؟!.. فإن الإجابة تكون: أنه عناداً بالأب والأم؛ لأنَ هؤلاء استعملوا معها أسلوب الغضب، والأذية، وأساليب غير تربوية!.. وهذا منطق سخيف جداً، فهي تُعاند رَبَ العالمين وتخالفه من أجلِ والديها!..

ثانياً: المحبة في قلوب الناس.. يقول تعالى: ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾.. هذهِ الآية من الآيات الغريبة!.. أي لو أنَ النبي (ص) كانَت فيهِ جَميعُ خصال الخير من: الأمانةِ، والصدقِ، و…الخ، وسُلبت منه صفة واحدة، لما عادَ مؤثراً في الناس، حتى مع وجود الإعجاز.. فلو كان فظاً؛ فإن الأغلبية الساحقة ستتركه.. والإنسان الفظّ الغليظ، وإن كانت آثار السجود ظاهرة على جبهتهِ، وإن كان كريماً؛ فإنه لن يملك قلوب الناس، ولن يستطيع التأثير فيها!.. بعض الناس يُريد بمالهِ أن يستولي على العائلة، وعلى قلب المرأة، وإذا به يصرف المال، ولا يستطيع التأثير.. فعن الرسول الأكرم (ص) أنه قال: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن سعوهم بأخلاقكم).. لو خيرت المرأة بين زوج متوسط الحال، ولكنه حَسن الخُلق.. وبين زوج يُنفق ويُغدق عليها الأموال، ولكن لا خُلقَ له.. فإنها تختار هذا الفقير الخَلوق، وتقدمه على الثري غير الخلوق.. ولهذا لم نسمع أن هناك فقيراً حَسن الخُلق، تطلقت منهُ زوجتهُ لفَقره.. ولكن لطالما سمعنا أن امرأة تطلقت من غني لسوءِ خُلقه.

ثالثاً: الحِلمُ ساترٌ للعيوب.. إن الإنسان الذي لَهُ بذاءة في الباطن، إذا غَضبَ فإنه يتكلم بالفُحش.. ولكن إذا لم يغضب، هذا العقل الباطني لا يظهر، فيبقى عيباً مستوراً.. والحَليم الذي لهُ ملكات أُخرى فاسدة، هو بمثابة حوض مائي فيهِ ترسبات وطحالب: هو حسب الظاهر؛ ماء صاف رقراق، ترى الشمس والقمر من خلاله، ولكن إذا تم تحريك هذا الحوض بعصا؛ فإن هذا الصفاء يذهبُ في ثوان.. والإنسان كذلك عندما يغضب يتبين باطنه، ولهذا إذا كان هناك إنسان يحمل حقداً على أحد، وهو ضامرٌ لهذا الحِقد، فإنه يبقى مكتوماً؛ ولكنه يظهر عند الغضب.. ومن هنا قال الإمام علي -عليه السلام-: (الحِلم غطاءٌ ساتر).

روايات الحلم..
(الحِلمُ نظامُ أمرُ المؤمن).. إن كلمات أهل البيت (عليهم السلام) هي عبارة عن نظريات في عالم التربية.. يقول أمير المؤمنين -عليه السلام-: (الحِلمُ نظامُ أمرُ المؤمن).. فبعض الناس عندما يغضب لا يُركز: لا في صلاة، ولا في عبادة، ولا في محاضرة، ولا في تدريس.. فالإنسان غير الحليم، يعيش حالة من حالات البعثرة الباطنية، والتشويش، وعدم التركيز.

(إذا لم تكن حليماً فتحلّم).. عليٌ -عليهِ السلام- يعلمنا درساً في التَخلق بأخلاق اللهِ -عزَ وجل-، يقول -عليه السلام-: (إذا لم تكن حليماً فتحلّم)!.. أي حاول أن تكون حَليماً، وإن كنت بحسب الظاهر ساكتاً متحملاً، وفي باطنكَ غليان؛ فإن هذا الغليان الباطني يزول مع الأيام.. ولهذا المؤمن عندما لا يغضب، فإن القضية أعمق من عدم الفُحشِ في القول، هو ساكت ولكن أيضاً قلبهُ مطمئنٌ بذكر اللهِ -عزَ وجل-.. فمن يريد أن يتمتع بالحِلم الإلهي؛ فليكن حليماً!.. ومن يُريد المغفرة؛ فليغفر!.. ومن يُريد المسامحة من رب العالمين؛ فليسامح!.. ومن يُريد عدم نزول الغضب الإلهي عليه، فلا يُنزل هو غضبه أيضاً على الغير!.. القاعدة العامة تقول: “إرحم من في الأرض؛ يرحمكَ من في السماء”!..

(الحلم يطفئ نار الغضب، والحدة تؤجج إحراقه).. إن الإنسان عندما يغضب؛ فإن غَضبهُ لا يكون بحجم المشكلة، وإنَما أكبر بكثير!.. هو أرادَ أن يغضب، فكانَ متوقعاً أن يقول جملة أو جملتين، ولكن في مقام العمل أعطى الغضب شُحنة إضافية، وإذا بهِ يُلقي خطاباً نارياً على من أمامهُ.. بتعبير الإمام: هذهِ الحِدة تؤجج النار الباطنية.. وهذهِ حالة من الحالات التي تُذهب هيبة المؤمن، وتجعلهُ لا وزنَ لهُ أمام من يعاشر.

الخلاصة:

١. أن التأسي من أهمِ صورِ إحياءِ أمر أهل البيت (عليهم السلام) ؛ فبقدر ما يتصف الإنسان بصفاتهم (عليهم السلام) يعطي نفسه درجة ؛ هذهِ الدرجة هي دَرجةُ الولاية.

٢. أن الإمام الحسن -عليه السلام- تميز بصفة الحلم؛ والتميز هنا بمعنى: الاشتهار، وإلا كُلَّ المعصومين واجدونَ لكُل الملكات.

٣. أن للشيطان حِيَلاً خفيّةً يمكن أن تنطلي حتى على الخَواص؛ كالانشغال بالعبادات الجوارحية عن التحلي بالفضائل الجوانحية.

٤. أن الحليم هو ذاك الإنسان الذي لا يغلي في باطنه ،ويتعالى عن سفاسف الأمور.

٥. أنَ أغلب الناس مبتلون بأمراض نفسية، والطريق إلى التخلص من تلك الأمراض، هو التحلي بصفة الحلم.

٦. أن المؤمن في حركتهِ الحياتية لَهُ مملكتهُ الباطنية: فهو يحمل همّ نفسه، وهمّ آخرته؛ فلا يعيش الخواء الباطني الذي يوجب التبرم والعصبية.

٧. أن من موجبات الحِلم: (عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ؛ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ) فالإنسان المشغول بالذكر الإلهي، لهُ عالمه الخاص، وهو مشغولٌ به.

٨. أن من آثار وبركات الحِلم: سرعة التأثير في الآخرين، والمحبة في قلوب الآخرين، وستر العيوب.

٩. أن الإنسان غير الحليم، يعيش حالة من حالات البعثرة الباطنية، والتشويش، وعدم التركيز، فـ (الحِلمُ نظامُ أمرُ المؤمن).

١٠. أن الحِدّة الناشئة من المبالغة في الغضب تؤجج النار الباطنية، وهذهِ حالة من الحالات التي تُذهب هيبة المؤمن، وتجعلهُ لا وزنَ لهُ أمام من يعاشر.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.