Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

إن انتفاء المشوشات من موجبات الاستقرار في الحركة الروحية إلى الله -عز وجل-.. فالمؤمن كي يكون موفقاً في أمرِ آخرته، لابد أن يعيش في هذهِ الدُنيا: بأمنٍ وأمان، وارتياحٍ باطني وخارجي.. لأن الإنسان الذي لهُ مشوش في الباطن، وعلاقات متوترة في الخارج؛ لا يؤمن أن يسير إلى ربهِ سيراً حثيثاً.. بمثابة التلميذ الذي يبتلى بتوتر أو قلق أيام الامتحانات الدراسية؛ فلا يتمكن من أداء الامتحان بشكلٍ جيد؛ فكيفَ بامتحان الآخرة، والإعداد له؟!..

كيفَ نُعالج المشوشات الباطنية والخارجية؟..

أولاً: المشوش الباطني..
إن من الضروري لمن يريد السير إلى الله تعالى، أن يستبعد عن طريقه كل موجبات القلق والاضطراب.. فعدم الاستقرار الباطني، هو بمثابة تحريك العصا في الماء العكر.. وهذه المشوشات لها أسباب، منها:

١. الوهم: إن توارد الأوهام والخيالات من موجبات التشويش الباطني، فالبعض يرى نفسهُ غارقاً في المشاكل، والحال بأنَ هذا الشعور هو وهمٌ في وهم.. لأنه يرى الناس كلهم أعداء، والأمرُ ليس كذلك!.. فهذه الأيام كُل إنسانٍ مشغول بمشاكله وهمومه، وليس هناك إنسان متفرغ للتصدي لإيذاء هذا وذاك، إلا ما ندر!..

٢. الصورة الذهنية: نحن نتعامل مع الغير من خلال الصورة الذهنية للآخرين، وليس مع واقعهم الحقيقي!.. لأنه لم نطّلع على ذات أنفسنا؛ فكيف بذات الغير؟!.. ومن هُنا الإنسان هو الذي يرسم للطرف المقابل صورة في ذهنه: فإن كانت إيجابية، تعامل مع ذلك الطرف بإيجابية.. وإن كانت سلبية، تعامل معه بسلبية.. وإلا كيفَ نُفسر تعامل الإنسان مع زوجتهِ في أول يوم من الزواج على أنهُ يوم عسل، وفي اليوم الثالث -مثلاً- يقع الخلاف؟.. ما ذلك إلا لأن هذه الصورة التي رسمها في ذهنه قد اختلت!.. وعليه، فإن الذي يحرك الإنسان في الحياة، هي الصور الذهنية عن الأشياء، وعن الأشخاص.. فهل هناك من يتعامل مع واقع زوجته، على أنها زوجة لها وجود، ولها كيان؟.. الإنسان لم يكتشف نفسه، فكيف بزوجته؟..

فإذن، إن القضية مرتبطة بالصور الباطنية.. وهُنا يأتي دور النور الإلهي، فهذا النور يجعل الإنسان يرى الأمور على حقيقتها!.. ليس مائة بالمائة؛ فهذا مقام المعصوم؛ ولكن يقترب من الواقع، ولهذا من الأدعية الجميلة هذا الدعاء الذي قلما يُدعى به.. فنحنُ ندعو لشفاء مرضانا، وأداء ديوننا، ولكن هل دعونا في يوم من الأيام قائلين: (اللهمَّ!.. أرنا الأشياء كما هيَّ)؟.. لا بمعنى الانكشاف الذي يدّعيه البعض؛ إنما رؤية الأمور كما يُحب الله ويرضى ولو جُزئياً!.. إذ قلما تكون هذه الصورة الذهنية مطابقة للواقع، إلا في موارد نادرة ممن أراهم الله -تعالى- الأشياء كما هي، حيث ورد في الخبر: (اتقِوا فراسة المؤمن؛ فإنه ينظر بنور الله عز وجل).. والإنسان لا يطلب القُدرة على فَهمِ واقع الناس، لأنه لو انكشفَ له واقعهم لولى منهم فراراً، ولذهب إلى أعالي الجبال، وهجر الخَلق، وما وصلَ رحماً.. عن أمير المؤمنين -عليه السلام- أنه قال: (لو تكاشفتم، ماتدافنتم)!.. بل يطلب من الله -عز وجل- أن يفهم واقع من يعنيه أمرهم، واقع: الزوجة، والولد، والوالدين؛ ليتعامل معهم كما يحب الله -تعالى- ويرضى!..

٣. الوسوسة: والمشوش الباطني يأتي أيضاً من خلال تصرف الشياطين في قلب الحقائق للإنسان.. فالشياطين دورها الوسوسة، ولو كان لهم سلطة على الأبدان، لذكر ذلك القرآن الكريم.. فمن منا يدّعي أن الشيطان دفعه إلى المعصية دفعاً؟!.. هل أخذ الشيطان في يوم من الأيام كأساً منَ الخَمر، وجعلهُ في فم إنسان؟.. فلو فَعل ذلك؛ لما كان ذلك الإنسان مأثوماً!.. والذي يدّعي أنّ الشيطان يدفعه للحرام دفعاً بدنياً، هذا إنسان غير صادق!.. لأن الشيطان لا سلطة له على الأبدان، ولكن له سلطة على عالم النفس.. والشيطان لا يُريد من الإنسان أن يقوم بالمعصية وهو مُكره، لذا فإنه يُغير تركيبته الباطنية، ويقلب له حقائق الأشياء.. فهو له خبرة عريقة في إغواء بني آدم، منذ أن خلق الله -عزّ وجلّ- آدم، وارتكب أول جريمة وهي إخراج آدم -عليه السلام- من الجنة، وقد حاول أن يصطاد الأنبياء حتى أولو العزم منهم، ولكنه يأس من ذلك.. فإذن، نحن أمام هذا الموجود الذي عداوته عريقة وعميقة، وأساليب كيده متنوعة.. وبالتالي، فإن لهُ قُدرة ماهرة في التدخل في الشؤون النفسية، يقول تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ}، وهذهِ مرحلة متقدمة في سيطرة الأبالسة على مملكة الوجود.. حيث أن الشياطين: تارةً تُعطي مشورة باطلة، وتارة تتحكم في البعض.

علاج المشوشات الباطنية:
أ- استفهام رب العالمين.. إن المؤمن لا يقدم خطوةً ولا يؤخر أخرى، إلا وينظر: هل لله -عز وجل- فيهِ رضا أم لا؟.. والذي يبحث عن رضا ربه في الجزئيات وفي الكليات؛ فإن رب العالمين سيأخذ بيده؛ كما ورد عن الإمام الصادق -عليه السلام-: (.. واستفهم الله يفهمك)!.. فهنيئاًً لمن ينظر إلى الأمور بالمنظار الإلهي!..

ب- الاستعانة برب العالمين.. إن المؤمن قبل أن يفكر في شخص، أو في أمر، وقبل اتخاذ أي قرار؛ يقول: يا رب!.. سددني، وخذ بيدي، ولا تكلني إلى نفس طرفة عين أبداً!.. وخاصة في القرارات المصيرية، إذا أراد أن يقوم بعمل هام جداً، يصلي ركعتين بتوجه، ولو بدون سورة، ويقول: يا رب، تولَّ أمري بحُسن كفايتك!.. وسوفَ يرى المدد الإلهي في كُلِ خطوةٍ يخطوها!.. فقد ورد في الحديث القدسي: (يا موسى!.. سلني كلّ ما تحتاج إليه، حتّى علف شاتك، وملح عجينك)!..

ثانياً: المشوشات الخارجية..
فكما أن المؤمن يحتاج إلى هدوء باطني مع نفسه، يحتاج أيضاً إلى هدوءٍ في التعامل مع الغير، أي يجب أن لا تكون لهُ علاقة متوترة بالناس.. وأساس التوتر في العلاقة مع الغير، والخروج عن الحالة السوية، أمر معروف وشائع وهو:

الحدة والغضب: فبالرغم من أنَ أمور الحياة، أصبحت هذه الأيام ميسرة من كافة الجهات، إلا أننا نرى توتراً في النفوس، وحدة في الطباع.. فأغلب الناس هذهِ الأيام يشكو من حدة مزاجه، وسرعة غضبه، وقد يبلغ الأمر بالبعض أن يقوم بما لا يتصور في حقه من إيذاء لمن تحت يده.. والتعذيب ليسَّ دائماً بدنياً فقط، بل قد يكون نفسياً، وهذا أسوأ صور التعذيب!.. فمسألة الحدة والغضب، هذهِ الحالة موجودة حتى في خواص المؤمنين، الذين يقيمون صلاة الليل بدموع جارية؛ ولكن إذا أصبح النهار، فإنهم ينقلبون إلى أناس مختلفين تماماً!..

علاج الغضب:
أ- السكون.. فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: (ألا وإن الغضب جمرةٌ في قلب ابن آدم، أما رأيتم إلى حُمرة عينيه وانتفاخ أوداجه.. فمن أحس بشيءٍ من ذلك؛ فليلصق بالأرض).. الالتصاق بالأرض؛ معناه: إما الجلوس فقط، أو البقاء في المكان وعدم الحركة؛ أي بمعنى السكون والهدوء.

ب- تأمل النفس لحظة الغضب.. هذا المؤمن الوديع، عندما يغضب يتحول إلى وحش يُخاف من هيئته، وإن لم يتفوه بكلمة واحدة.. فعن الإمام الباقر -عليهِ السلام-: (… وإن أحدكم إذا غضب: احمرت عيناه، وانتفخت أوداجه، ودخل الشيطان فيه…).. فهذه الجمرة من الشيطان، ولكنْ لها مظاهر في الخارج: احمرار العينين، وانتفاخ الأوداج.. لذا إذا غضب الإنسان، فلينظر إلى نفسه في المرآة.. فلو قُدّر له أن ينظر إلى صورته في المرآة حين غضبه، لكره نفسه ومنظره، وخجل من نفسه.. والبعض يستعمل أسلوباً آخر، يطلب من أحد أن يصوره أثناء الغضب.. فلعل هذا الأسلوب يكون أيضاً من أساليب الردع، التي تجعل الإنسان يلتفت إلى نفسه في حال الغضب.

ج- الصمت.. عن النبي -صلى الله علـيه وآله وسـلم- أنه قـال: (علِّمـوا وبشِّـروا ولا تعـسروا، وإذا غضب أحدكم فليسكت)!.. ويقول الإمام علي -عليه السلام-: (داووا الغضب بالصمت، والشهوة بالعقل)!.. إن غضبت فاعلم أنَّ الشيطان قد ركبك، لذا عليك بالصمت، لأن أي كلمة في حال الغضب، ستكون بإملاء من الشيطان!..

د- الوضوء.. إذا أحس الإنسان بالغضب، فليتوضأ ويصلي لله -عز وجل- ركعتين.. وإذا به يعيش في عالمٍ آخر، وما هي إلا لحظات ويرجع معتذراً ممن غضبَ عليه!.. قال رسول الله -صـلى الله علـيه وآله وسلم-: (إن الغـضـب من الشيطان؛ وإن الشيطان خُلِقَ من النار، وإنما تُطْفَأ النار بالماء؛ فإذا غضب أحدكم فليتوضأ)!..

ه- تغيير الحالة.. إن الإنسان في حال الغضب، يخرج عن طوره، وقد يفحش في القول.. لذا عليه الخروج من الجو الذي هو فيه، ولهذا من الوصايا النبوية في حال الغضب: (إذا غضب أحدكم وهو قائم، فليجلس.. فإن ذهب عنه الغضب، وإلا فليضطجع).

و- استحضار أجر كظم الغيظ.. فالذي يكظم غيظه له جوائز في الدنيا والآخرة، وهذه الجوائز وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، منها:
١. محبة الله عز وجل: يقول تعالى في كتابه الكريم: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
٢. الأمن والإيمان: إن الإنسان عندما يكظم غيظه، فإن رب العالمين يعطيه مكافأة سريعة، فيجد حلاوة الإيمان في قلبه.. عن الباقر -عليه السلام-: (مَنْ كَظَمَ غَيْظاً وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إِمْضَائِهِ، حَشَا اللَّهُ قَلْبَهُ أَمْناً وَإِيمَاناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، وكذلكَ في الحياة الدُنيا رَب العالمين يجعل في قلبهِ نوراً.
٣. رضا الله عز وجل: عن الصادق -عليه السلام-: (مَنْ كَظَمَ غَيْظاً وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، أَمْلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِضَاهُ).
٤- العز: كما جاء في الحديث عن الصادق -عليه السلام-: (مَا مِنْ عَبْدٍ كَظَمَ غَيْظاً إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عِزّاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} وَأَثَابَهُ اللَّهُ مَكَانَ غَيْظِهِ ذَلِكَ).
٥. دخول الجنة: عن أبي الدرداء قال: قلت: يا رسول الله!.. دلني على عمل يدخلني الجنة.. قال: (لا تغضب!.. ولك الجنة).
٦. الحور العين: قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: (من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، حتى يخيره من الحور العين ما شاء).

فإذن، هذه الفضائل والامتيازات هي للإنسان الذي يكظم غيظه، ولكن بقيد: يكظم غيظاً وهو قادر على إنفاذه.. لأن الإنسان تارة يغضب على كبير، لا يمكنه الوصول أو الغضب عليه.. وتارة يغضب على من لهُ سُلطان عليه، كـ: الزوجة، والخادم، والولد.

ز. الاستعاذة بالله عز وجل.. يقول تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.. وقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: (إذا غضب الرجل فقال: أعوذ بالله، سكن غضبه).

ح. ذكر الله عز وجل.. يقول تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}!.. فالانشغال بذكر الله -عز وجل- يجعل الإنسان يشعر بالطمأنينة والسكينة.

صفات الإنسان الغاضب..
١. من جنود إبليس.. عن علي -عليه السلام-: (وَاحْذَرِ الْغَضَبَ؛ فَإِنَّهُ جُنْدٌ عَظِيمٌ مِنْ جُنُودِ إِبْلِيسَ)!..
٢. خارج عن الآدمية.. الإنسان الغضوب إنسان خَرجَ من دائرة الآدمية، وهذا المعنى ورد بشكل صريح في الروايات، فقد روي عن الإمام علي -عليه السلام- أنه قال: (من غَلبَ عليهِ غضبهُ وشهوته، فهو في حيز البهائم)!..
٣. جاهل.. إن الإنسان في بعض الأوقات قد يتورط مع من هو ليس بجاهل، ولكن في ساعة الغضب يكون من الجاهلين.. لذا يجب عدم المبالاة بكلامه، هو في تلكَ الساعة ليسَّ بحكيم، فلمَ نرتب عليهِ الأثر؟.. وإذا جاءَ معتذراً فلنقبل عُذره!.. فهذا إنسان صرعه إبليس في تلكَ الساعة، فإذا أفاق أعنه!.. ولهذا الزوجة المخلصة المؤمنة، هيَ التي تُعالج زوجها.. والزوج كذلك، إن كانت زوجته مبتلاة بشهوة أو بغضب؛ وإلا فأينَ المودة الزوجية؟!..

أنواع الغضب..
١. الغضب المحمود: وهو الغضب الذي يكون لله -عز وجل-.. فالغضب ليسَّ دائماً في الباطن، أمير المؤمنين -عليه السلام- عندما ودّع أبا ذر قال له: (إنك غضبت لله، فارج من غضبت له.. إن القوم خافوك على دنياهم، وخفتهم على دينك.. فاترك في أيديهم ما خافوك عليه، واهرب منهم بما خفتهم عليه.. فما أحوجهم إلى ما منعتهم، وأغناك عمّا منعوك!.. وستعلم من الرابح غداً، والأكثر حُسّداً.. ولو أن السموات والأرضين كانت على عبدٍ رتقاً ثم اتقى الله، لجعل الله له منهما مخرجاً).. أبو ذر غضب، ولكن غضبه كان لله عز وجل.. والنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كان حليماً لا يغضب إلا لله، عن عائشة أنها قالت: (ما ضرب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- شيئاً قط بيده، ولا امرأة، ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله.. وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن يُنتهَك شيء من محارم الله؛ فينتقم لله عز وجل).. فالذي لا يغضب لانتهاك محارم الله؛ هذا إنسان ضعيف الإيمان، لا وزن له.

٢. الغضب المذموم: وهو الغضب الذي يكون لغير الله -عز وجل- ولمصالح شخصية، وبواعث أنانية.. كأن يكون غضب الإنسان لإهانة شخصية، أو لتقصير في حقه، أو لهتك حرمته.. فهذا الغضب ليس لله -عز وجل- هذا لأجل الأنا.. وهذا الغضب يُفسد أكثر مما يفيد!..

خاتمة..
أولاً: إن المؤمن الذي يغضب، ويعمل بكل ما تقدم في فقرة “علاج الغضب” من: وضوء، وصلاة، وصمت، و..الخ؛ وقلبه يغلي.. فإنه كُلما زادَ الغليان، وزادَ صبرهَ وسكوته؛ كُلما تقربَ إلى الله -عزَ وجل- أكثر!..

ثانياً: على الرغم من أن كظم الغيظ عملية صعبة جداً، وشاقة، وتحتاج إلى صبر.. إلا أنها تسهل بالتكرار، وتصبح مسألة عادية.. بل وسارة أيضاً، خصوصاً عند الالتفات إلى الآثار الكبيرة والعظيمة لهذه المسألة!.. فهنيئاً لمن كانت أمورهُ كلها بيده!..

ثالثاًً: إن الإنسان عندما يغضب، عليه أن يُدخل هذا الغضب في المختبر: فإن كان إلهياً؛ يغضب بالطريقة التي يرضى عنها الله عز وجل، ولا يكون ملكياً أكثر من الملك!.. وإن كان الغضب شيطانياً؛ يكظم غيظه.

رابعاً: إن الغضب إذا كان لله عز وجل؛ فرب العالمين يجعل لهذا الإنسان هيبة، عندئذ بنظراته يدين الطرف المقابل، ولا يحتاج الأمر إلى أن يرفع صوته.. ولهذا النبي الأكرم –صلى الله عليه وآله- لم يكن يغضب كغضبنا، كان إذا لم يعجبه شيء يعرض بوجهه؛ فيذوب الطرف الآخر خجلاً منه، وندامة على ما اقترفت يداه.. يقول من كان في زمانه: (وإذا غضب أعرض وأشاح)!.. فقد روي عن أنس بن مالك: “أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- خرج فرأى قبة مشرفة، فقال: (ما هذه)؟.. قال له أصحابه: هذه لفلان رجل من الأنصار.. فسكت وحملها في نفسه حتى إذا جاء صاحبها رسول الله -صلى الله عليه وآله- يسلم عليه في الناس، أعرض عنه.. صنع ذلك مراراً حتى عرف الرجل الغضب فيه، والإعراض عنه.. فشكا ذلك إلى أصحابه، فقال: والله!.. إني لأنكر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قالوا: خرج فرأى قبتك.. فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض.. فخرج رسول الله -صلى الله عليه وآله- ذات يوم فلم يرها، قال: (ما فعلت القبة)؟.. قالوا: شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه، فأخبرناه فهدمها.. فقال: (أما إن كل بناء وبال على صاحبه، إلا ما لا).. -إلا ما لا؛ يعني ما لا بد منه-“.. الرجل هدم ذلك البيت، لأن النبي -صلى الله عليه وآله- أعرض عنه.. والمؤمن كذلك يُربي بنظراته، إذا رأى من الزوجة أو الأولاد ما لا يعجبه، فإنه يكفي أن يدخل البيت مكفهر الوجه، أو يطأطئ برأسه، فيُعلم أنه ليس براضٍ عنهم، فيذوبوا خَجلاً منه.. ولا يحتاجُ إلى انتفاخ الأوداج، واحمرار العين!..

الخلاصة:

١- إن من الضروري لمن يريد السير إلى الله تعالى، أن يستبعد عن طريقه كل موجبات القلق والاضطراب، فانتفاء المشوشات من موجبات الاستقرار في الحركة الروحية إلى الله -عز وجل-.

٢- أن من مسببات التشويش الباطني: الأوهام والصور الذهنية التي نعامل الآخرين من خلالها والوسوسة الإبليسية.

٣- أن من ينظر إلى الأمور بالمنظار الإلهي فيبحث عن رضا ربه في الجزئيات وفي الكليات، ويطلب من الله السداد في كل خطوة يخطوها؛ فإن رب العالمين سيأخذ بيده.

٤- أن على المؤمن تجنب الحدة والغضب، فهو يحتاج إلى هدوءٍ في التعامل مع الغير كما يحتاج إلى هدوء باطني مع نفسه.

٥- أن من معالجات الغضب: السكون والصمت، والوضوء، وذكر الله، والاستعاذة، والالتصاق بالأرض، وتغيير حالته التي هو عليها، وتأمل النفس حال الغضب، واستحضار أجر كظم الغيظ.

٦- أن الغضب إن كان إلهياً؛ فعلى العبد أن يغضب بالطريقة التي يرضى عنها الله عز وجل، ولا يكون ملكياً أكثر من الملك، أما إن كان شيطانياً؛ فعليه أن يكظم غيظه.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.