Search
Close this search box.
Layer 5
فهرس نهج البلاغة
فهرس الخطب نهج‌البلاغة

الخطبة الثالثة والعشرون بعد المائتين من خطب أميرالمؤمنين عليه السلام المذكورة في كتاب نهج البلاغة يفسر فيها قول الله سبحانه:(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) ويحذر الإنسان من التمادي في معصية الله ذلك الرب الذي لم يحرم العاصي طرفة عين من لطفه وعفوه وحنانه فكيف لو أطاع الله (سبحانه وتعالى) ولم يغتر بالدنيا.

من كلام له عليه السلام قاله عند تلاوته: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ﴾
قاله عند تلاوته: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ﴾

أَدْحَضُ مَسْئُولٍ حُجَّةً وَأَقْطَعُ مُغْتَرٍّ مَعْذِرَةً، لَقَدْ أَبْرَحَ جَهَالَةً بِنَفْسِهِ.
يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا جَرَّأَكَ عَلَى ذَنْبِكَ وَمَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ وَمَا أَنَّسَكَ بِهَلَكَةِ نَفْسِكَ؟ أَمَا مِنْ دَائِكَ بُلُولٌ، أَمْ لَيْسَ مِنْ نَوْمَتِكَ يَقَظَةٌ؟ أَمَا تَرْحَمُ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَرْحَمُ مِنْ غَيْرِكَ؟ فَلَرُبَّمَا تَرَى الضَّاحِيَ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ فَتُظِلُّهُ أَوْ تَرَى الْمُبْتَلَى بِأَلَمٍ يُمِضُّ جَسَدَهُ فَتَبْكِي رَحْمَةً لَهُ، فَمَا صَبَّرَكَ عَلَى دَائِكَ وَجَلَّدَكَ عَلَى مُصَابِكَ وَعَزَّاكَ عَنِ الْبُكَاءِ عَلَى نَفْسِكَ، وَهِيَ أَعَزُّ الْأَنْفُسِ عَلَيْكَ؟ وَكَيْفَ لَا يُوقِظُكَ خَوْفُ بَيَاتِ نِقْمَةٍ وَقَدْ تَوَرَّطْتَ بِمَعَاصِيهِ مَدَارِجَ سَطَوَاتِهِ! فَتَدَاوَ مِنْ دَاءِ الْفَتْرَةِ فِي قَلْبِكَ بِعَزِيمَةٍ وَمِنْ كَرَى الْغَفْلَةِ فِي نَاظِرِكَ بِيَقَظَةٍ، وَكُنْ لِلَّهِ مُطِيعاً وَبِذِكْرِهِ آنِساً، وَتَمَثَّلْ فِي حَالِ تَوَلِّيكَ عَنْهُ إِقْبَالَهُ عَلَيْكَ يَدْعُوكَ إِلَى عَفْوِهِ وَيَتَغَمَّدُكَ بِفَضْلِهِ وَأَنْتَ مُتَوَلٍّ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ. فَتَعَالَى مِنْ قَوِيٍّ مَا أَكْرَمَهُ وَتَوَاضَعْتَ مِنْ ضَعِيفٍ مَا أَجْرَأَكَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَأَنْتَ فِي كَنَفِ سِتْرِهِ مُقِيمٌ وَفِي سَعَةِ فَضْلِهِ مُتَقَلِّبٌ، فَلَمْ يَمْنَعْكَ فَضْلَهُ وَلَمْ يَهْتِكْ عَنْكَ سِتْرَهُ بَلْ لَمْ تَخْلُ مِنْ لُطْفِهِ مَطْرَفَ عَيْنٍ فِي نِعْمَةٍ يُحْدِثُهَا لَكَ أَوْ سَيِّئَةٍ يَسْتُرُهَا عَلَيْكَ أَوْ بَلِيَّةٍ يَصْرِفُهَا عَنْكَ. فَمَا ظَنُّكَ بِهِ لَوْ أَطَعْتَهُ؟ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ كَانَتْ فِي مُتَّفِقَيْنِ فِي الْقُوَّةِ مُتَوَازِيَيْنِ فِي الْقُدْرَةِ لَكُنْتَ أَوَّلَ حَاكِمٍ عَلَى نَفْسِكَ بِذَمِيمِ الْأَخْلَاقِ وَمَسَاوِئِ الْأَعْمَالِ. وَحَقّاً أَقُولُ، مَا الدُّنْيَا غَرَّتْكَ وَلَكِنْ بِهَا اغْتَرَرْتَ، وَلَقَدْ كَاشَفَتْكَ الْعِظَاتِ وَآذَنَتْكَ عَلَى سَوَاءٍ وَلَهِيَ بِمَا تَعِدُكَ مِنْ نُزُولِ الْبَلَاءِ بِجِسْمِكَ وَ[النَّقْضِ] النَّقْصِ فِي قُوَّتِكَ أَصْدَقُ وَأَوْفَى مِنْ أَنْ تَكْذِبَكَ أَوْ تَغُرَّكَ، وَلَرُبَّ نَاصِحٍ لَهَا عِنْدَكَ مُتَّهَمٌ وَصَادِقٍ مِنْ خَبَرِهَا مُكَذَّبٌ. وَلَئِنْ تَعَرَّفْتَهَا فِي الدِّيَارِ الْخَاوِيَةِ وَالرُّبُوعِ الْخَالِيَةِ لَتَجِدَنَّهَا مِنْ حُسْنِ تَذْكِيرِكَ وَبَلَاغِ مَوْعِظَتِكَ بِمَحَلَّةِ الشَّفِيقِ عَلَيْكَ وَالشَّحِيحِ بِكَ، وَلَنِعْمَ دَارُ مَنْ لَمْ يَرْضَ بِهَا دَاراً وَمَحَلُّ مَنْ لَمْ يُوَطِّنْهَا مَحَلًّا، وَإِنَّ السُّعَدَاءَ بِالدُّنْيَا غَداً هُمُ الْهَارِبُونَ مِنْهَا الْيَوْمَ.
إِذَا رَجَفَتِ الرَّاجِفَةُ وَحَقَّتْ بِجَلَائِلِهَا الْقِيَامَةُ، وَلَحِقَ بِكُلِّ مَنْسَكٍ أَهْلُهُ وَبِكُلِّ مَعْبُودٍ عَبَدَتُهُ وَبِكُلِّ مُطَاعٍ أَهْلُ طَاعَتِهِ؛ فَلَمْ [يَجْرِ] يُجْزَ فِي عَدْلِهِ وَقِسْطِهِ يَوْمَئِذٍ خَرْقُ بَصَرٍ فِي الْهَوَاءِ وَلَا هَمْسُ قَدَمٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا بِحَقِّهِ. فَكَمْ حُجَّةٍ يَوْمَ ذَاكَ دَاحِضَةٌ وَعَلَائِقِ عُذْرٍ مُنْقَطِعَةٌ.
فَتَحَرَّ مِنْ أَمْرِكَ مَا يَقُومُ بِهِ عُذْرُكَ وَتَثْبُتُ بِهِ حُجَّتُكَ. وَخُذْ مَا يَبْقَى لَكَ مِمَّا لَا تَبْقَى لَهُ وَتَيَسَّرْ لِسَفَرِكَ وَشِمْ بَرْقَ النَّجَاةِ وَارْحَلْ مَطَايَا التَّشْمِير.