
الخطبة ١٨٩: في الايمان ووجوب الهجرة
ومن خطبة لمولانا أميرالمؤمنين على بن أبي طالب صلوات الله عليه
[في الايمان ووجوب الهجرة] [أقسام الايمان]
فَمِنَ الاِْيمَانِ مَا يَكُونُ ثَابِتاً مُسْتَقِرّاً فِي الْقُلُوبِ، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ عَوَارِىَ[١] بَيْنَ الْقُلُوبِ وَالصُّدورِ، إِلَى أَجَل مَعْلُوم، فَإِذَا كَانَتْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ مِنْ أَحَد فَقِفُوهُ حَتّى يَحْضُرَهُ الْمَوْتُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقَعُ حدُّ الْبَرَاءَةِ.
[وجوب الهجرة]
وَالْهِجْرَةُ قَائِمَةٌ عَلَى حَدِّهَا الاَْوَّلِ[٢]، مَا كَانَ لله تعالى فِي أَهْلِ الاَْرْضِ حَاجَةٌ مِنْ مُسْتَسِرِّ[٣] الاُْمَّةِ[٤] وَمُعْلِنِهَا، لاَ يَقَعُ اسْمُ الْهِجْرَةِ عَلَى أَحَد إلاَّ بِمَعْرِفَةِ الْحُجَّةِ في الاَْرْضِ، فَمَنْ عَرَفَهَا وَأَقَرَّ بِهَا فَهُوَ مُهَاجِرٌ، وَلاَ يَقَعُ اسْمُ الاسْتِضْعَافِ عَلَى مَنْ بَلَغَتْهُ الْحُجَّةُ فَسَمِعَتْهَا أُذُنُهُ وَوَعَاهَا قَلْبُهُ.
[صعوبة الايمان]
إِنَّ أَمْرَنا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ، لاَ يَحْتَمِلُهُ إِلاَّ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ امْتَحَنَ اللهُ قَلْبَهُ لِلاِيمَانِ، وَلاَ يَعِي حَدِيثَنَا إِلاَّ صُدُورٌ أَمِينَةٌ، وَأَحْلاَمٌ[٥] رَزِينَةٌ.
[علم الوصي]
أَيُّهَا النَّاسُ، سَلُوني قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُوني، فَلاََنَا بِطُرُقِ السَّماءِ أَعْلَمُ مِنِّي بِطُرُقِ الاَْرْضِ، قَبْلَ أَنْ تَشْغَرَ بِرِجْلِهَا[٦] فِتْنَةٌ تَطَأُ فِي خِطَامِهَا[٧] وَتَذْهَبُ بِأَحْلاَمِ قَوْمِهَا.
——————————————
[١] . عَوَاري: جمع عارية، والكلام كناية عن كونه زعماً بغير فهم.
[٢] . على حدها الاول: أي لم يزل حكمها الوجوب على من بلغته دعوة الاسلام ورضي الاسلام ديناً.
[٣] . استسر الامر: كتمه.
[٤] . الاُمّة ـ بضم الهمزة ـ: الطاعة، وبكسرها: الحالة.
[٥] . أحلام: عقول.
[٦] . شَغَرَ بِرِجْله: رفعها، ثم الجملة كناية عن كثرة مداخل الفساد فيها، من قولهم: بلدة شاغرة برجلها أي معرّضة للغارة لا تمتنع عنها.
[٧] . تَطأ في خطامها: أي تتعثر فيه، كناية عن إرسالها وطيشها وعدم قائد لها.