باب إخبار الله تعالى نبيه وإخبار النبي (ص) أمته بما جرى على أهل بيته صلوات الله عليهم من الظلم والعدوان
كان رسول الله (ص) جالساً ذات يوم ، إذا أقبل الحسن (ع) فلما رآه بكى ثم قال :
إليّ إليّ يا بني !.. فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى ، ثم أقبل الحسين (ع) فلما رآه بكى ، ثم قال :
إليّ إليّ يا بني !.. فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى ، ثم أقبلت فاطمة (ع) فلما رآها بكى ثم قال :
إليّ إليّ يا بنية !.. فأجلسها بين يديه ، ثم أقبل أمير المؤمنين (ع) فلما رآه بكى ، ثم قال :
إليّ إليّ يا أخي !.. فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن ، فقال له أصحابه : يا رسول الله (ص) !.. ما ترى واحداً من هؤلاء إلا بكيت ، أوَمَا فيهم من تُسرّ برؤيته ؟.. فقال (ع) :
والذي بعثني بالنبوة واصطفاني على جميع البرية ، إني وإياهم لأكرم الخلق على الله عزّ وجلّ ، وما على وجه الأرض نسمة أحبّ إليّ منهم .
أما علي بن أبي طالب (ع) فإنه أخي وشقيقي ، وصاحب الأمر بعدي وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة ، وصاحب حوضي وشفاعتي ، وهو مولى كلّ مسلم وإمام كلّ مؤمن ، وقائد كلّ تقي ، وهو وصيي وخليفتي على أهلي وأمتي في حياتي وبعد موتي ، محبّه محبي ، ومبغضه مبغضي ، وبولايته صارت أمتي مرحومةً ، وبعداوته صارت المخالفة له منها ملعونةً .
وإني بكيت حين أقبل ، لأني ذكرت غدر الأمة به بعدي ، حتى أنه ليُزال عن مقعدي وقد جعله الله له بعدي ، ثم لا يزال الأمر به حتى يضرب على قرنه ضربةً تخضب منها لحيته في أفضل الشهور { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان } .
وأما ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ، وهي بضعة مني ، وهي نور عيني ، وهي ثمرة فؤادي ، وهي روحي التي بين جنبيّ ، وهي الحوراء الإنسية ، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جلّ جلاله ، زهر نورها لملائكة السماء ، كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض ، ويقول الله عزّ وجلّ لملائكته :
يا ملائكتي !.. انظروا إلى أَمتي فاطمة سيدة إمائي : قائمةً بين يديّ ، ترتعد فرائصها من خيفتي ، وقد أقبلتْ بقلبها على عبادتي ، أُشهدكم أني قد آمنت شيعتها من النار .
وإني لما رأيتها ذكرتُ ما يُصنع بها بعدي ، كأني بها وقد دخل الذلّ بيتها ، وانتُهكت حرمتها ، وغُصبت حقّها ، ومُنعت إرثها ، وكُسرت جنبتها ، وأسقطت جنينها ، وهي تنادي :
يا محمداه !.. فلا تجاب ، وتستغيث فلا تُغاث .
فلا تزال بعدي محزونةً مكروبةً باكيةً ، تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة ، وتتذكر فراقي أخرى ، وتستوحش إذا جنّها الليل ، لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن ، ثم ترى نفسها ذليلةً بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزةً ، فعند ذلك يُؤنسها الله تعالى ذكره بالملائكة ، فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران فتقول :
يا فاطمة !.. { إن الله اصطفيك وطهرك واصطفيك على نساء العالمين } .
يا فاطمة !.. { اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين } .
ثم يبتدئ بها الوجع فتمرض ، فيبعث الله عزّ وجلّ إليها مريم بنت عمران تمرّضها وتُؤنسها في علتها ، فتقول عند ذلك :
يا ربّ !.. إني قد سئمت الحياة ، وتبرّمت بأهل الدنيا فألحقني بأبي ، فيلحقها الله عزّ وجلّ بي فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي ، فتقدم عليّ محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة ، فأقول عند ذلك :
اللهم !.. العن من ظلمها ، وعاقب من غصبها ، وذلّل من أذلها ، وخلّد في نارك من ضرب جنبيها ، حتى ألقت ولدها ، فتقول الملائكة عند ذلك: آمين . وأما الحسن (ع) فإنه ابني وولدي ومني ، وقرة عيني ، وضياء قلبي ، وثمرة فؤادي ، وهو سيد شباب أهل الجنة ، وحجّة الله على الأمة .
أمره أمري ، وقوله قولي ، من تبعه فإنه مني ، ومن عصاه فليس مني ، وإني لما نظرت إليه تذكرت ما يجري عليه من الذلّ بعدي .
فلا يزال الأمر به حتى يُقتل بالسمّ ظلماً وعدواناً ، فعند ذلك تبكي الملائكة والسبع الشداد لموته ، ويبكيه كلّ شيء حتى الطير في جو السماء ، والحيتان في جوف الماء ، فمن بكاه لم تعمَ عينه يوم تعمى العيون ، ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب ، ومن زاره في بقيعه ، ثبتت قدمه على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام .
وأما الحسين (ع) فإنه مني ، وهو ابني وولدي ، وخير الخلق بعد أخيه ، وهو إمام المسلمين ، ومولى المؤمنين ، وخليفة ربّ العالمين ، وغياث المستغيثين ، وكهف المستجيرين ، وحجّة الله على خلقه أجمعين ، وهو سيد شباب أهل الجنة ، وباب نجاة الأمة .
أمره أمري ، وطاعته طاعتي ، من تبعه فإنه مني ، ومن عصاه فليس مني ، وإني لما رأيته تذكّرت ما يُصنع به بعدي ، كأني به وقد استجار بحرمي وقربي فلا يُجار ، فأضمّه في منامه إلى صدري وآمره بالرحلة عن دار هجرتي ، وأبشّره بالشهادة ، فيرتحل عنها إلى أرض مقتله وموضع مصرعه ، أرضِ كربٍ وبلاءٍ ، وقتلٍ وفناءٍ ، تنصره عصابة من المسلمين ، أولئك من سادة شهداء أمتي يوم القيامة ، كأني أنظر إليه وقد رُمي بسهم فخرّ عن فرسه صريعاً ، ثم يُذبح كما يُذبح الكبش مظلوماً .
ثم بكى رسول الله (ص) وبكى من حوله ، وارتفعت أصواتهم بالضجيج ، ثم قام (ع) وهو يقول :
اللهم !.. إني أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي ، ثم دخل منزله . ص40
المصدر: أمالي الصدوق ص68
لما ثَقُل رسول الله (ص) في مرضه الذي توفى فيه ، أفاق إفاقةً ونحن نبكي فقال : ما الذي يبكيكم ؟.. قلت :
يا رسول الله !.. نبكي لغير خصلة ، نبكي لفراقك إيانا ، ولانقطاع خبر السماء عنا ، ونبكي الأمة من بعدك ، فقال (ص) :
أما إنكم المقهورون والمستضعفون من بعدي . ص40
المصدر: أمالي الطوسي 1/122
قال رسول الله (ص) : لتنقضنّ عرى الإسلام عروةً عروةً ، كلما نقضت عروة تشبّث الناس بالتي تليها ، فأولهن نقض الحكم وآخرهن الصلاة . ص41
المصدر: أمالي الطوسي 1/189
قال رسول الله (ص) : يأتي على الناس زمانٌ الصابر منهم على دينه كالقابض على الجمر . ص47
المصدر: أمالي الطوسي 2/99
قال علي (ع) : كنا جلوساً عند النبي (ص) وهو نائمٌ ورأسه في حجري ، فتذاكرنا الدّجال فاستيقظ النبي (ص) محمرّاً وجهه ، فقال : لغير الدّجال أخوف عليكم من الدّجال : الأئمة المضّلون ، وسفك دماء عترتي من بعدي ، أنا حربٌ لمن حاربهم وسلمٌ لمن سالمهم . ص48
المصدر: أمالي الطوسي 2/126
قال رسول الله (ص) : يأتي على الناس زمانٌ يذوب فيه قلب المؤمن في جوفه كما يذوب الآنك في النار – يعني الرصاص – وما ذاك إلا لما يرى من البلاء والأحداث في دينهم لا يستطيع له غيرا . ص48
المصدر: أمالي الطوسي 2/132
كنت جالساً بين يدي رسول الله (ص) في مرضته التي قُبض فيها ، فدخلت فاطمة (ع) فلما رأت ما بأبيها (ص) من الضعف ، بكت حتى جرت دموعها على خديها ، فقال لها رسول الله (ص) : ما يبكيكِ يا فاطمة ؟!.. قالت : يا رسول الله !.. أخشى الضيعة على نفسي وولدي بعدك ، فاغرورقت عينا رسول الله (ص) بالبكاء ، ثم قال :
يا فاطمة !.. أما علمتِ أنّا أهل بيتٍ اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، وإنه حتَم الفناء على جميع خلقه ، وأنّ الله تبارك وتعالى اطّلع إلى الأرض اطلاعةً فاختارني منهم وجعلني نبياً ، واطّلع إلى الأرض اطلاعةً ثانيةً ، فاختار منها زوجك ، فأوحى الله إليّ أن أزوجكِ إياه ، وأن أتخذه ولياً ووزيراً ، وأن أجعله خليفتي في أمتي ، فأبوك خير أنبياء الله ورسله ، وبعلك خير الأوصياء ، وأنت أول من يلحق بي من أهلي .
ثم اطّلع إلى الأرض اطلاعةً ثالثةً فاختارك ِوولدك ِوأنت سيدة نساء أهل الجنة ، وابناكِ حسنٍ وحسين ٍسيدا شباب أهل الجنة ، وأبناء بعلكِ أوصيائي إلى يوم القيامة ، كلهم هادون مهديون ، والأوصياء بعدي : أخي علي ثم حسن وحسين ثم تسعةٍ من ولد الحسين في درجتي ، وليس في الجنة درجةٌ أقرب إلى الله عزّ وجلّ من درجتي ، ودرجة أوصيائي ، وأبي إبراهيم ….
يا علي !.. إنّ الله تبارك وتعالى قد قضى الفرقة والاختلاف على هذه الأمة ، ولو شاء لجمعهم على الهدى حتى لا يختلف اثنان من هذه الأمة ، ولا ينازع في شيء من أمره ، ولا يجحد المفضول ذا الفضل فضله ، ولو شاء لعجّل النقمة والتغيير حتى يُكذّبَ الظالم ، ويعلم الحقّ أين مصيره ، ولكنه جعل الدنيا دار الأعمال وجعل الآخرة دار القرار { ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى } .
فقال علي (ع) : الحمد لله شكراً على نعمائه ، وصبراً على بلائه . ص54
المصدر: كمال الدين ص262
قال علي (ع) : كنت أمشي مع رسول الله (ص) في بعض طرق المدينة …. فلما خلا له الطريق اعتنقني ثم أجهش باكياً وقال :
بأبي الوحيد الشهيد ، فقلت : يا رسول الله ما يبكيك ؟!.. فقال (ص) :
ضغاين في صدور أقوام لا يبدونها لك إلا من بعدي : أحقاد بدر وترات أُحد ، قلت : في سلامة من ديني ؟.. قال : في سلامة من دينك ، فأبشر يا علي فإنّ حياتك وموتك معي .
وأنت أخي وأنت وصيي وأنت صفيي ووزيري ووارثي ، والمؤدِّي عني وأنت تقضي ديني وتنجز عداتي عني ، وأنت تبرئ ذمتي وتؤدّي أمانتي ، وتقاتل على سنّتي الناكثين من أمتي والقاسطين والمارقين ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى ، ولك بهارون أسوة حسنة إذ استضعفه قومه وكادوا يقتلونه.
فاصبر لظلم قريش إياك ، وتظاهرهم عليك ، فإنك بمنزلة هارون من موسى ومن تبعه ، وهم بمنزلة العجل ومن تبعه ، وإن موسى أمر هارون – حين استخلفه عليهم – إن ضلّوا فوجد أعواناً أن يجاهدهم بهم ، وإن لم يجد أعواناً أن يكفّ يده ويحقن دمه ، ولا يفرق بينهم .
يا علي !.. ما بعث الله رسولاً إلا وأسلم معه قومه طوعاً ، وقوم آخرون كرهاً ، فسلّط الله الذين أسلموا كرهاً على الذين أسلموا طوعاً ، فقتلوهم ليكون أعظم لأجورهم .
يا علي !.. إنه ما اختلفت أمة بعد نبيّها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها ، وإن الله قضى الفرقة والاختلاف على هذه الأمة . ص55
المصدر: كتاب سليم ص72
قال السجاد (ع) : بلغني يا زايدة أنك تزور قبر أبي عبد الله (ع) أحياناً ؟.. فقلت :
إنّ ذلك لكَما بلغكَ ، فقال لي : فلماذا تفعل ذلك ولك مكانٌ عند سلطانك الذي لا يحتمل أحداً على محبّتنا وتفضيلنا وذكر فضائلنا ، والواجب على هذه الأمة من حقّنا ؟.. فقلت :
والله ما أريد بذلك إلا الله ورسوله ، ولا أحفل بسخط من سخط ، ولا يكبر في صدري مكروهٌ ينالني بسببه ، فقال :
والله إنّ ذلك لكذلك ، يقولها ثلاثاً وأقولها ثلاثاً ، فقال : أبشرْ ثم أبشرْ ثم أبشرْ ، فلأخبرنّك بخبرٍ كان عندي في النخب المخزونة .
إنه لما أصابنا بالطفّ ما أصابنا ، وقُتل أبي (ع) ، وقُتل من كان معه من ولده واخوته وساير أهله ، وحُملت حُرَمه ونساؤه على الأقتاب يُراد بنا الكوفة ، فجعلت أنظر إليهم صرعى ولم يواروا ، فيعظم ذلك في صدري ، ويشتدّ لما أرى منهم قلقي فكادت نفسي تخرج ، وتبيّنتْ ذلك مني عمتي زينب بنت علي الكبرى فقالت :
ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وإخوتي ؟!.. فقلت :
وكيف لا أجزع ولا أهلع ، وقد أرى سيدي وإخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مصرّعين بدمائهم مرمّلين بالعراء ، مسلبين لا يُكفّنون ولا يوارون ، ولا يعرّج عليهم أحد ، ولا يقربهم بشر ، كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر .. فقالت : لا يجزعنّك ما ترى ، فوالله إنّ ذلك لعهد من رسول الله (ص) إلى جدك وأبيك وعمك .
ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض ، وهم معروفون في أهل السماوات أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرّقة فيوارونها ، وهذه الجسوم المضرّجة ، وينصبون لهذا الطفّ علماً لقبر أبيك سيد الشهداء (ع) لا يُدرس أثره ، ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام ، وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه ، فلا يزداد أثره إلا ظهوراً ، وأمره إلا علواً .. فقلت : وما هذا العهد وما هذا الخبر ؟.. فقالت :
حدثتني أم أيمن أنّ رسول الله (ص) زار منزل فاطمة (ع) في يوم من الأيام ، فعملتْ له حريرة (أي دقيق بلبن) ، وأتاه علي (ع) بطبق فيه تمر ، ثم قالت أم أيمن :
فأتيتهم بعسّ ( أي القدح الكبير ) فيه لبن وزبد ، فأكل رسول الله (ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (ع) من تلك الحريرة ، وشرب رسول الله (ص) وشربوا من ذلك اللبن ، ثم أكل وأكلوا من ذلك التمر والزبد ، ثم غسل رسول الله (ص) يده وعلي (ع) يصبّ عليه الماء .
فلما فرغ من غسل يده مسح وجهه ، ثم نظر إلى علي وفاطمة والحسن والحسين (ع) نظراً عرفنا فيه السرور في وجهه ، ثم رمق بطرفه نحو السماء ملياً ، ثم وجّه وجهه نحو القبلة وبسط يديه ودعا ، ثم خرّ ساجداً وهو ينشج ( أي يغص بالبكاء من دون انتحاب ) فأطال النشوج وعلا نحيبه ، وجرت دموعه ، ثم رفع رأسه وأطرق إلى الأرض ، ودموعه تقطر كأنها صوب المطر ، فحزنت فاطمة وعليّ والحسن والحسين وحزنت معهم لما رأينا من رسول الله (ص) ، وهِبْناه أن نسأله حتى إذا طال ذلك ، قال له علي ّوقالت له فاطمة :
ما يبكيكَ يا رسول الله ، لا أبكى الله عينيك ، فقد أقرح قلوبنا ما نرى من حالك ؟.. فقال :
يا أخي !.. سُررت بكم سروراً ما سررت مثله قطّ ، وإني لأنظر إليكم وأحمد الله على نعمته عليّ فيكم ، إذ هبط عليّ جبرائيل فقال :
يا محمد !.. إنّ الله تبارك وتعالى اطّلع على ما في نفسك ، وعرف سرورك بأخيك وابنتك وسبطيك ، فأكمل لك النعمة ، وهنّاك العطية بأن جعلهم وذرياتهم ومحبيهم وشيعتهم معك في الجنة ، لا يُفرَّق بينك وبينهم ، يُحبَون كما تُحبَى ، ويُعطون كما تُعطى ، حتى ترضى وفوق الرضا ، على بلوى كثيرة تنالهم في الدنيا ، ومكاره تصيبهم بأيدي أناس ينتحلون ملّتك ، ويزعمون أنهم من أمتك براء من الله ومنك ، خبطاً خبطاً ، وقتلاً قتلاً ، شتى مصارعهم ، نائية قبورهم ، خِيَرة من الله لهم ولك فيهم .
فاحمد الله عزّ وجلّ على خيرته وارضَ بقضائه ، فحمدتُ الله ورضيتُ بقضائه بما اختاره لكم ….
ثم يبعث الله قوماً من أمتك ، لا يعرفهم الكفّار ، لم يشركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولا نية ، فيوارون أجسامهم ، ويقيمون رسماً لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء يكون علماً لأهل الحق ، وسببا للمؤمنين إلى الفوز ، وتحفّه ملائكة من كلّ سماء مائة ألف ملك في كلّ يوم وليلة ، ويصلّون عليه ، ويسبّحون الله عنده ، ويستغفرون الله لزوّاره ، ويكتبون أسماء من يأتيه زائراً من أمتك ، متقرّباً إلى الله وإليك بذلك ، وأسماء آبائهم وعشائرهم وبلدانهم ، ويسِمون في وجوههم بميسم نور عرش الله :
” هذا زائر قبر خير الشهداء وابن خير الأنبياء “.
فإذا كان يوم القيامة ، سطع في وجوههم من أثر ذلك الميسم نورٌ ، تغشى منه الأبصار ، يدلّ عليهم ويُعرفون به .
وكأني بك يا محمد بيني وبين ميكائيل ، وعليّ أمامَنا ، ومعنا من ملائكة الله ما لا يُحصى عدده ، ونحن نلتقط من ذلك الميسم في وجهه من بين الخلائق حتى يُنجيهم الله من هول ذلك اليوم وشدائده ، وذلك حكم الله وعطاؤه لمن زار قبرك يا محمد ، أو قبر أخيك أو قبر سبطيك ، لا يريد به غير الله جلّ وعزّ ، وسيجدّ أناسٌ – حقّت عليهم من الله اللعنة والسخط – أن يعفوا رسم ذلك القبر ويمحوا أثره ، فلا يجعل الله تبارك وتعالى لهم إلى ذلك سبيلا ، ثم قال رسول الله (ص) : فهذا أبكانى وأحزنني ، قالت زينب :
فلما ضرب ابن ملجم – لعنه الله – أبي (ع) ورأيت أثر الموت منه ، قلت له : يا أبه !.. حدّثتني أم أيمن بكذا وكذا ، وقد أحببت أن أسمعه منك ، فقال: يا بنية !.. الحديث كما حدثتك أم أيمن ، وكأني بك وببنات أهلك سبايا بهذا البلد ، أذلاّء خاشعين ، تخافون أن يتخطفكم الناس ، فصبرا .. فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، ما لله على الأرض يومئذ وليّ غيركم وغير محبيكم وشيعتكم . ولقد قال لنا رسول الله (ص) حين أخبرنا بهذا الخبر : انّ إبليس في ذلك اليوم يطير فرحاً ، فيجول الأرض كلها في شياطينه وعفاريته ، فيقول :
يا معشر الشياطين !.. قد أدركنا من ذرية آدم الطلبة ، وبلغنا في هلاكهم الغاية ، وأورثناهم السوء إلا من اعتصم بهذه العصابة ، فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم ، وحمْلهم على عداوتهم وإغرائهم بهم وبأوليائهم ، حتى تستحكم ضلالة الخلق وكفرهم ، ولا ينجو منهم ناج { ولقد صدّق عليهم إبليس ظنّه } وهو كذوب إنه لا ينفع مع عداوتكم عملٌ صالحٌ ، ولا يضرّ مع محبتكم وموالاتكم ذنبٌ غير الكبائر .
قال زايدة : ثم قال علي بن الحسين (ع) بعد أن حدثني بهذا الحديث : خذه إليك ، وأما لو ضربت في طلبه آباط الإبل ( كناية عن الركض والإستعجال ) حولاً لكان قليلاً . ص61
المصدر: كامل الزيارات ص259
قال الصادق (ع) : لما أُسرى بالنبي (ص) قيل له : إنّ الله مختبرك في ثلاث لينظر كيف صرك ؟.. قال : أسلّم لأمرك يا ربّ !.. ولا قوة لي على الصبر إلا بك ، فما هنّ ؟.. قيل :
أولهن : الجوع والأثرة على نفسك وعلى أهلك لأهل الحاجة ، قال : قبلتُ يا ربّ ورضيت وسلّمت ، ومنك التوفيق والصبر .
وأما الثانية : فالتكذيب والخوف الشديد ، وبذلُك مهجتَك فيّ ، ومحاربة أهل الكفر بمالك ونفسك ، والصبر على ما يصيبك منهم من الأذى ومن أهل النفاق ، والألم في الحرب والجراح ، قال : يا ربّ قبلت ورضيت وسلّمت ، ومنك التوفيق والصبر .
وأما الثالثة : فما يلقى أهل بيتك من بعدك من القتل : أما أخوك فيلقى من أمتك الشتم والتعنيف والتوبيخ والحرمان والجهد والظلم وآخر ذلك القتل ، فقال : يا ربّ سلّمت وقبلت ، ومنك التوفيق والصبر …. الخبر . ص62
المصدر: كامل الزيارات ص332
قال أمير المؤمنين (ع) : زارنا رسول الله (ص) وقد أهدت لنا أم أيمن لبناً وزبداً وتمراً ، فقدمناه فأكل منه ، ثم قام النبي (ص) زاوية البيت وصلّى ركعات ، فلما أن كان في آخر سجوده ، بكى بكاءً شديداً فلم يسأله أحدٌ منا إجلالاً له ، فقام الحسين (ع) فقعد في حجره وقال له :
يا أبت !.. لقد دخلت بيتنا فما سررنا بشيء كسرورنا بذلك ، ثم بكيت بكاءً غمّنا ، فلِمَ بكيت ؟.. فقال :
يا بني !.. أتاني جبرائيل آنفا فأخبرني أنكم قتلى ، وأنّ مصارعكم شتى ، فقال : يا أبت !.. فما لمن يزور قبورنا على تشتتها ؟.. فقال :
يا بني !.. أولئك طوايف من أمتي يزورونكم يلتمسون بذلك البركة ، وحقيقٌ عليّ أن آتيهم يوم القيامة حتى أخلّصهم من أهوال الساعة من ذنوبهم ، ويُسكنهم الله الجنة . ص81
المصدر: أمالي الطوسي 2/280