باب حجة الوداع وما جرى فيها إلى الرجوع إلى المدينة وعدد حجه وعمرته (ص) وسائر الوقائع إلى وفاته (ص)
قال أبو الحسن (ع) : دخل النبي (ص) الكعبة ، فصلّى في زواياها الأربع ، صلّى في كلّ زاوية ركعتين . ص 380
المصدر: فروع الكافي 1/309
قال الصادق (ع) : لم يدخل الكعبة رسول الله (ص) إلا يوم فتح مكة.ص380
المصدر: فروع الكافي 1/309
ولما قضى رسول الله (ص) نُسُكه ، أشرك عليّا (ع) في هْديه ، وقفل إلى المدينة وهو معه والمسلمون ، حتى انتهى إلى الموضع المعروف بغدير خم ، وليس بموضع إذ ذاك يصلح للمنزل لعدم الماء فيه والمرعى ، فنزل (ع) في الموضع ونزل المسلمون معه ، وكان سبب نزوله في هذا المكان ، نزول القرآن عليه بنصبه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) خليفة في الأمة من بعده ، وقد كان تقدّم الوحي إليه في ذلك من غير توقيت له ، فأخّره لحضور وقتٍ يأمن فيه الاختلاف منهم عليه .
وعلم الله عزّ وجلّ أنه إن تجاوز غدير خم انفصل عنه كثير من الناس إلى بلدانهم وأماكنهم وبواديهم ، فأراد الله أن يجمعهم لسماع النص على أمير المؤمنين (ع) وتأكيد الحجة عليهم فيه ، فأنزل الله تعالى :
{ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك } ، يعني في استخلاف عليّ (ع) والنص بالإمامة عليه.
{ وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس } فأكّد الفرض عليه بذلك وخوفه من تأخير الأمر فيه ، وضَمِن له العصمة ومنع الناس منه ، فنزل رسول الله (ص) المكان الذي ذكرناه ، لما وصفناه من الأمر له بذلك وشرحناه ، ونزل المسلمون حوله ، وكان يوماً قايظاً شديد الحرّ .
فأمر (ع) بدوحات فقُمّ ما تحتها وأمر بجْمع الرحال في ذلك المكان ، ووضع بعضها فوق بعض ، ثم أمر مناديه فنادى في الناس : ” الصلاة جامعة ” فاجتمعوا من رحالهم إليه وإن أكثرهم ليلف رداءه على قدميه من شدة الرمضاء ، فلما اجتمعوا صعد على تلك الرحال حتى صار في ذروتها ، ودعا أمير المؤمنين (ع) فرقى معه حتى قام عن يمينه ، ثم خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ فأبلغ في الموعظة ، ونعى إلى الأمة نفسه .
وقال : ” قد دُعيت ويوشك أن أجيب ، وقد حان مني خفوق من بين أظهركم وإني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا من بعدي : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ” ، ثم نادى بأعلى صوته : ” ألست أولى بكم منكم بأنفسكم ؟.. ” قالوا : اللهم !.. بلى ، فقال لهم على النسق من غير فصل ، وقد أخذ بضبعي أمير المؤمنين (ع) فرفعها حتى بان بياض إبطيهما :
” فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ، اللهم !.. وال من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ” ، ثم نزل (ص) وكان وقت الظهيرة فصلّى ركعتين ثم زالت الشمس ، فأذن مؤذنه لصلاة الظهر ، فصلّى بهم الظهر وجلس (ع) في خيمته وأمرعليّا (ع) أن يجلس في خيمة له بإزائه ، ثم أمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً ، فيهنؤه بالمقام ، ويسلّموا عليه بإمرة المؤمنين ، ففعل الناس ذلك كلهم ، ثم أمر أزواجه وسائر نساء المؤمنين معه أن يدخلن عليه ويسلمن عليه بإمرة المؤمنين ففعلن ، وكان فيمن أطنب في تهنيته بالمقام عمر بن الخطاب ، وأظهر له من المسرّة به ، وقال فيما قال : بخ بخ لك يا عليّ ، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة . ص288
المصدر: إعلام الورى ص80 ، الإرشاد ص89
وجاء حسان بن ثابت إلى رسول الله (ص) فقال : يا رسول الله !.. أتأذن لي أن أقول في هذا المقام ما يرضاه الله ؟.. فقال له : قل يا حسان على اسم الله فوقف على نَشَز (أي مرتفع) من الأرض ، وتطاوَلَ المسلمون لسماع كلامه فأنشأ يقول :
يناديهمُ يوم الغدير نبيهم***بخمّ وأسمع بالرسول مناديا
وقال فمن مولاكم ووليكم***فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا
إلهك مولانا وأنت ولينا *** ولن تجدنْ منا لك اليوم عاصيا
فقال له : قم يا عليّ فإنني*** رضيتك من بعدي إمام وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه *** فكونوا له أتباع صدقٍ مواليا
هناك دعا اللهم وال وليه***وكن للذي عادى عليّا معاديا
فقال له رسول الله (ص) :
” لا تزال يا حسان مُؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك ” ، وإنما اشترط رسول الله (ص) في الدعاء له لعلمه (ع) بعاقبة أمره في الخلاف ، ولو علم سلامته في مستقبل الأحوال لدعا له على الإطلاق ، ومثل ذلك ما اشترط الله تعالى في مدح أزواج النبي (ص) ، ولم يمدحهن بغير اشتراطٍ ، لعلمه أنّ منهن من تتغير بعد الحال عن الصلاح الذي تستحق عليه المدح والإكرام ، فقال :
{ يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن } ولم يجعلهن في ذلك حسب ما جعل أهل بيت النبي (ص) في محل الإكرام والمدحة ، حيث بذلوا قوتهم لليتيم والمسكين والأسير ، فأنزل الله سبحانه في عليّ وفاطمة والحسن والحسين (ع) وقد آثروا على أنفسهم مع الخصاصة التي كانت بهم فقال تعالى :
{ ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا ، إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ، فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا ، وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا } ، فقطع لهم بالجزاء ، ولم يشترطْ لهم كما اشترط لغيرهم ، لعلمه باختلاف الأحوال على ما بيناه . ص389
المصدر: إعلام الورى ص80 ، الإرشاد ص89