Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

س١/ كيف يمكننا أن نحول الصلاة على النبي (ص) من شعار إلى شعور ؟..
إذا أردنا أن نأخذ إحصائية في عالم الأذكار والأوراد ، فإنه من الأذكار المتكثرة أو الشائعة في حياة المؤمنين كافة -بكل أصنافهم- ، هي الصلاة على النبي وآله.. يلهج بها الإنسان في كل المناسبات ، سواءً كان عند قبره الشريف ، أو كان في أماكن بعيدة ، أو في صلاته ، أو في قيامه.. فسيد الأذكار التوسلية -إن صح التعبير- الصلاة على النبي وآله ، كما أن سيد الأذكار التوحيدية كلمة التهليل.. ولا إله إلا الله سيد كل الأذكار ، وخاصة أن هذا الذكر فيه خاصية الخفاء ، فبإمكان الإنسان أن يهلل ولا يفتح شفتيه ، ليكون الأمر بينه وبين ربه.

إن الصلاة على النبي وآله (ص) سنة متفشية وسارية في حياة المؤمنين طوال التأريخ ، ولكن المشكلة أن الذكر أو الورد عندما يتكرر في حياة الإنسان ، فإنه يفقد في بعض الحالات المغزى المعنوي ، ويتحول من محطة تأمل وتدبر ، إلى لقلقة لسان.. ونحن نعتقد -كما هو الاعتقاد الصحيح عند جميع العلماء- أنه الذكر من صفات القلب.. الاستغفار من صفات القلب.. في الكتاب الفقهي المعروف (العروة الوثقى) ، صاحب الكتاب عندما يصل إلى الاستغفار ، يقول : هذا عمل قلبي.. ويطرح فرع فقهي بعد ذلك : أنه هل حقيقة التوبة متوقفة على الاستغفار اللفظي أم لا ؟.. فينتهي إلى القول : أن الأحوط استحباباً أن نضم الذكر اللساني إلى التوبة ، وإلا فالتوبة متحققة بمجرد الندامة والعزم على عدم العود.

فإذن، كيف نحول الصلاة على النبي وآله من شعار إلى شعور ؟.. الأمر يحتاج إلى حركة باطنية ، حركة مع النفس.. إن الصلاة على النبي وآله شعار عظيم ، وما يؤكد ذلك ، أنه يستحب رفع الصوت بالصلاة على النبي (ص) ، وقد ورد أن ذلك يذهب بالنفاق : قال رسول الله (ص) : (ارفعوا أصواتكم بالصلاة عليّ ، فإنها تذهب بالنفاق).. فهذه حركة شعارية مباركة ، ولكن -كما قلنا- بشرط أن لا نُفقد هذه الحركة جوهرها الباطني.. فينبغي للمؤمن قبل أن يصلي على النبي وآله ، أن يحاول أن يقف هنيئة مع نفسه ، ويستجمع فكره ؛ ليصلي على النبي وآله صلاة حقيقية ، فيها معنى ، وفيها مغزى.

س٢/ الصلاة على النبي وآله ، كثيراً ما تتردد على الألسن ، فكيف يمكننا أن نجمع بين الكم والكيف ؟..
إن هذه المشكلة في كل الأذكار والأوراد !.. فالذي يتخذ لنفسه ذكراً أو ورداً معيناً ، من الممكن أن يقع في ذوبان ، أو أن يكون الجانب الكيفي فيه باهتًا..
وهنا أولاً أقول لإخواني : إذا أردنا أن نتخذ ذكراً أو ورداً في حياتنا اليومية ، فلابد أن نراجع النصوص المأثورة في هذا المجال.. نحن من دعاة الالتزام بالمأثور ؛ لا أن يخترع الإنسان لنفسه ذكراً ، ويلتزم به ، ويُلزم الآخرين به !.. وقد رأينا -مع الأسف- هذه الأيام البعض يرّوج لدعاء أو لعمل صالح ، والدعاء لا ضير فيه ، ولكن نقل من خلال منام : رآه إمام مسجد ، أو رآه شخصية معينة -كما يُنقَل- ، ويهدد من لا ينشر هذا لدعاء بكذا وكذا !.. فهذا أسلوب لا يتناسب مع روح الشريعة أبداً !.. أن يروج الإنسان لما لم يثبت يقينه أولاً ، وثم يهدد من لا يروج لذلك ، بأنه سيبتلى بالعقوبات !.. هذه طريقة بعيدة عن روح الشريعة.. إذا أردنا أن نتخذ ورداً أو ذكراً ، فلابد أن نلجأ إلى الكتاب والسنة.. ومن المناسب حفظ أو تسجيل الآيات القرآنية التي ابتدأت : بـ(ربنا) أو (يا ربي) ؛ فإنها عبارات جداً جميلة وراقية ، ومن الممكن الاستفادة منها في الطواف ، وفي القنوت ، وفي مشاهد المعصومين (ع) مثل قوله تعالى : {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا..} ، {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا..} ، {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} ، {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ..}.. هذه الآيات التي بدأت : بـ(ربنا) أو (يا ربي) ، نِعم الذكر ونِعم الورد في هذا المجال.

ومن المناسب هذه الاستغفار -للذي يحب أن يتخذ لنفسه ذكراً يومياً- : (استغفر الله الذي لا إله إلا هو ، الحي القيوم ، الرحمن الرحيم ، بديع السماوات والأرض ، من جميع ظلمي وجرمي ، وإسرافي على نفسي ، وأتوب إليه).. وقد ورد أنه من يلتزم به كل يوم أربعمئة مرة لمدة شهرين ، فإنه يرزق علماً أو مالاً ، وكلاهما خير للمؤمن.
الذي يلزم نفسه بهذا الذكر المأثور ، فمن الطبيعي أنه عندما يذهب من مكان إلى مكان ، أو عندما يكون خالياً أو وحيداً ، أو عندما يكون في ملأ متشاغل بالباطل ؛ أنه يحب أن يكمل ذكره.. أضف إلى أن الإنسان الذي يلزم نفسه بذكر معين ، فإن ذلك من موجبات أن يبحث عن فراغ ، حتى يقوم بهذا الأمر ، وبالتالي فإنه يتحول إلى إنسان كما في دعاء أمير المؤمنين في دعاء كميل : واجعل لساني بذكرك لهجا.. الإنسان المؤمن من صفاته أن لسانه لهج بذكر الله عزوجل.. وقد ورد عن الإمام الباقر (ع) أنه قال : (ورطّب شفتيك بالاستغفار).. أي لا توقف لسانك عن ذكر الله عزوجل.. والنبي الأكرم (ص) هو سيد الذاكرين ، وسيد الذين لهجوا بذكر الله عزوجل : ورد عن الإمام الصادق (ع) : (إنّ رسول الله (ص) كان لا يقوم من مجلس – وإن خفَّ- حتى يستغفر الله عزّوجلّ خمسا وعشرين مرة).

س٣/ الكثير من علمائنا الأفاضل يقول : أن الدعاء لا يتحقق إلا من خلال الصلاة على النبي (ص) ، في بداية الدعاء ، وفي ختام الدعاء.. فهل الصلاة على النبي (ص) من مصاديق الدعاء ؟..

بلا شك، ليس من مصاديق الدعاء فحسب ، بل هو أشرف الأدعية.. لأنه نحن عندما ندعو ، فإنه يغلب على دعائنا الجانب الفردي ، والحوائج الفردية والشخصية ، أي قلّما الإنسان يدعو لحوائجه المعنوية أولاً.. وخصوصاً في المشاهد الشريفة.. نحن إذا أردنا أن نأخذ إحصائية في الحوائج التي ندعو لأجلها ، فإن الأمر لا يتجاوز -عادةً- شفاء المرضى ، وأداء الديون ، ورفع بعض المشاكل الاجتماعية… تقريباً حوائج الناس تدور في هذا الفلك.. والحال بأنه الحوائج المعنوية ، أحوج أن نُصِّر عليها بين يدي الله عزوجل.. هل هناك إنسان ذهب إلى الحج أو العمرة ، أو زار ، أو وقف تحت قبة الحسين (ع) ؛ وأخذ يشكو الله عزوجل حسده الباطني مثلاً ؟.. أو يشكو الله عزوجل كِبره الباطني ؟.. أو أنه إنسان لا يمكنه أن يُخلص في عمله ؟.. هذه حوائج سنية وحوائج قيمة ، وينبغي للمؤمن أن لا يستهين بهذه الحوائج الباطنية.

الصلاة على النبي وآله قبل الدعاء وبعد الدعاء ، من موجبات الاستجابة قطعاً ؛ لأن العبد يطلب من الله عزوجل حاجة تعود إلى حبيبه المصطفى وآله ، ليست هنالك حاجة شخصية في هذا المجال ، ورب العالمين أجلَّ وأكرم من أن يستجيب الطرفين ويهمل الوسط.

الصلاة على النبي وآله دعاء ، ومن هنا نقول : أنه مادام الأمر من مصاديق الدعاء ، فإنه ينبغي أن نلتزم بآداب الدعاء.. والدعاء له آداب ظاهرية مثلاً : كون الإنسان في المسجد متطيباً ، وبثياب نظيفة طاهرة.. ومن أهم الآداب الباطنية للدعاء : الالتفات للمدعو.. الإنسان الداعي إذا لم يلتفت إلى الله عزوجل ، والساهي الذي لا يرى مدعواً ، فهذا الإنسان كيف يتحقق في حقه الدعاء ؟.. إن حقيقة الدعاء كالبيع ، وكالمعاملة.. فالبيع فيه مشتري ، وبائع.. أرأيت إنساناً يبيع ، وهو في غرفة مغلقة ، وليس هنالك من مشتري ، ولا من سلعة ، ولا من ثمن ، ولا من مُثمَن ؟.. فالدعاء عبارة عن طلب من جهة معينة ؛ وإذا الإنسان لا يلتفت لهذه الجهة ، ولا يخشع لها ، ولا يتوجه لها ؛ فلا شك أن هنالك خلل في أصل تحقق مفهوم الدعاء.

فعليه، الداعي قبل أن يقول : (اللهم) ، عليه أن يعلم أنه في محضر الله عزوجل.. ومن المعلوم أن كلمة (اللهم) أصلها في اللغة (يا الله) ، أي أن فيها خطاب لله عزوجل ، وبالتالي فإنه عندما يقول : (يا الله) وهو ملتفت إلى برنامج تلفازي مثلاً ، أو يقول : (اللهم) وهو يحك رأسه مثلاً ؛ فإن هذا ليس فيه أدب الدعاء.
وهنالك بحث علمائي يتناول هذه المسألة ، وهي : أن الدعاء اللفظي الذي فيه خطاب ، أي فيه كلمة : (اللهم) ، إذا إنسان -مثلاً- يصلي على النبي وآله كثيراً ، أو أي دعاء آخر ، ولكنه غير ملتفت للمضمون ، هل يؤجر عليه أم لا ؟.. يعني هذا أول الكلام.. وأنا أعتقد شخصياً -والله العالم- أن رب العالمين لا يهمل شيئاً.. الآن الإنسان دعا بلقلقة اللسان ، فإنه يعطى شيئاً ما ، ولكن الأثر الأكبر والأهم للصلاة على النبي وآله ، أن يكون بشرط التوجه والإقبال.

س٤/ لماذا التأكيد في الصلوات على آل النبي (ص) ؟..
نحن نقول كلمة يتفق عليها معي جميع المسلمين : أولاً آل النبي المقصود بهم : هم الذين أمُرنا بمودتهم.. فليس من دأب الأنبياء السلف ، أنهم يطلبون لأنفسهم أجراً ، بل كانوا هم يصرحون كما في قوله تعالى : {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، فرب العالمين أعطاهم ما أعطاهم ، فلا يتوقعون شيء في هذا المجال.. والنبي الأكرم (ص) من بين الأنبياء جميعاً.. كما هو المعروف -إن كانت هذه الإحصائية مطابقة للواقع- أنه لدينا مئة وأربعة وعشرون ألف نبي .. النبي الأكرم (ص) طلب أجراً على الرسالة ، وهي المودة في القربى : {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} ، أمن المعقول أن النبي الأكرم (ص) يطلب الأجر من الأمة ، ويكون هذا الأجر : محبة عمومته ، وأبناء عمه ، أو مثلاً أقربائه ؟.. ما هذا الطلب ؟!.. الطلب لابد أن يكون معقولاً.. الأجر على الرسالة ، لابد أن يكون في طريق تأييد الرسالة.. فهنا المراد بآل النبي : هم الذين حملوا دعوته بعده (ص) ، وعلى رأس الآل -كما نعرف- تلك الشخصية الكبرى التي خصها النبي (ص) بمزايا لم تحصل لأحد من المسلمين ، حيث زوجه ابنته ، وآخى بينه وبينه ، والأهم من ذلك أنه نقل إليه علمه من خلال حديث مدينة العلم.. فعليه، آل النبي : هم الذين حفظوا تراث النبي ، كما هو حقه.. والمثل يقول : أهل البيت أدرى بما في البيت.

وإن ذكر الآل ، من باب الوفاء لآل النبي (ص).. فإن رب العالمين من صفاته أو من أسمائه أنه وفي ، ورب العالمين هو من أوفى الأوفياء.. ومما يشير إلى ذلك ، قوله تعالى في هذه الآية : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.. {يُصَلُّونَ} : فعل مضارع ، والفعل المضارع يدل على الاستمرار.. أي أن رب العالمين وفاءً لحبيبه المصطفى (ص) ، لا يمر آن من أنات الوجود إلا ولله عزوجل على نبيه صلوات منه.. ويا له من فخر !.. أنا لا أدري عندما هذه الآية نزلت على النبي (ص) ، ماذا كان حال النبي (ص) ؟!.. أنا أعتقد أنه ذهب كل تعبه في الحياة ، عندما نزلت هذه الآية.. أنه يا رسول الله ، نحن نصلي عليك إلى الأبد.. وأنا أعتقد أن الصلاة على النبي وآله من الله عزوجل وملائكته ، هذه الصلوات لا تنقطع حتى في الجنة ، لأنه ما ذكر نهاية لهذه الصلوات ، ما قال أيام حياتك ، ولا أيام حياة الدنيا ، ولا في البرزخ ، ولا في القيامة.. فيا له من مكسب عظيم ، أن النبي (ص) إلى أبد الآبدين -إلى الأبدية- ، والصلوات الإلهية تنهمر عليه في كل آن !.. ومن المعلوم أن حقيقة الصلوات الإلهية على نبيه ، لا يفهمها أحد إلا الله عزوجل ، هو أدرى بفعله..

فعليه، أرجع وأقول أنه الصلاة على النبي وآله من صفات الله عزوجل ، ولهذا نحن نستن بهذه الصفة ، كما أمرنا الله عزوجل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.. أي أنتم أيضاً تخلقوا بأخلاقي ، وصلوا عليه وسلموا تسليما.

س٥/ هل يمكننا القول بأننا نتأسى بالله سبحانه وتعالى من خلال الصلاة على النبي وآله النبي (ص) ؟..
نعم، نتأسى به ، من خلال الصلاة على النبي وآله.. ومعنى صلوات الله على النبي ، أي مباركته للنبي ولآل النبي ، ومن مصاديق هذه المباركة : أن الله عزوجل جعل ذكر النبي (ص) مع ذكره : في الأذان ، وفي الإقامة ، وفي التشهد.. وفي إعلان الإسلام : إذا أراد الإنسان أن يسلم ، لابد أن يشهد بالنبوة كما شهد بالتوحيد..

هناك بحث طريف في ذيل هذه الآية : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} : أنه هل المراد أن نقول : اللهم صلِّ وسلم على النبي وآله ؟.. ومن الملاحظ في بعض البلاد أن المؤمنين يلتزمون بهذه الصيغة من الصلوات ، أي يقولون : اللهم صلِّ وسلم على محمد وآل محمد..

البعض يقول : المراد هنا قد يكون معنى أرقى من السلام اللفظي : {صَلُّوا عَلَيْهِ} : أي صلوا عليه بهذه الصلوات.. أما {سَلِّمُوا تَسْلِيمًا} : قد يكون -والله العالم- المراد هو التسليم الفعلي ، وليس المراد فقط السلام القولي.. أي كما أنكم تصلون على النبي وآله -وهذا أمر جيد- ، ولكن أثر الصلوات : أن يكون الإنسان في مقام العمل مسلِّماً ومستسلِماً في كل شؤون الحياة.

س٦/ هل يمكننا نحن البشر أن نصل إلى مرحلة ، أن الله تعالى وملائكته سيصلّون علينا ؟..

هذا سؤال مهم وطريف وجميل !.. نعم، من الممكن أن يصل العبد إلى مرحلة ، لا هو يصلي على النبي وآله فقط ، ولكن الله وملائكته يصلون عليه.. وهذا مما نفهمه من القرآن الكريم ، في قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}.. وإنها لآية رهيبة في القرآن الكريم !.. أن الإنسان يصل إلى درجة ، يصبح كالنبي ، لا في كل الخصوصيات ، ولكن في أن الله عزوجل يصلي عليه.
وأثر هذه الصلاة على الإنسان المؤمن ، أن الإنسان يخرج من الظلمات إلى النور.. والخروج هنا ليس خروجاً قهرياً ، بمعنى الخروج التكويني ؛ أي أن رب العالمين يهيئ الأسباب للمؤمن ، من خلال الربط على القلب -على الفؤاد- ، في أن يخرج من الظلمات إلى النور.. وأنا أعتقد -والله العالم- أن هنالك مناسبة أكيدة بين الإكثار من الصلاة على النبي وآله ، وبين صلوات الله على عبده.. فالذي يكثر من الصلاة على النبي وآله ، فإن جائزته في هذه الحياة الدنيا ، أن يصلي رب العالمين عليه.

لو أن الإنسان صلى على النبي وآله في حياته مليون مرة مثلاً -وقد يكون أكثر من ذلك ، في كل الحياة- ، ولكن إحدى هذه الصلوات استجيبت ، لَماذا سيحدث ؟.. الذي سيحدث -طبعاً من خلال التصور- لو أن الله عزوجل أمر نبيه المصطفى وآله (ص) ، أن يتحولوا في عالم البرزخ من درجة من درجات النعيم الأخروي إلى درجة أرقى ، ويقال له : يا رسول الله ، ويا آل رسول الله ، هذه الرفعة -هذا الانتقال- من بركات صلوات فلان عليك.. فلان في هذه الساعة ، كان في الروضة النبوية ، ودعا بالصلوات -لا صلى فقط- ؛ فاستجيبت الدعوة ، وأنت الآن ارتفعت درجتك.. ولك أن تتصور ماذا سيكون حال النبي وآل النبي تجاه هذا الإنسان ، الذي بفعل صلواته فاز النبي (ص) وآله بهذه الجائزة الكبرى !.. ومن هنا ينبغي أن يحاول الإنسان أن يتقن الصلاة على النبي وآله ، من خلال الالتفات إلى كلمة (اللهم) ، فلما يقول : كلمة (اللهم) يكون في توجه.

ومن المناسب للإنسان الذي لا توجه له بشكل كامل ، أن يتحول من الإنشاء إلى الإخبار ، أي بدلاً من أن يقول : اللهم صلِّ على النبي وآله ، ويحتاج إلى خطاب مع الله عزوجل ، يستعمل هذه الصيغة الجميلة المروية عن الإمام الصادق (ع) : (صلوات الله ، وصلوات ملائكته ، وأنبيائه ورسله ، وجميع خلقه ، على محمد وآل محمد ، والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته).. فمن الملاحظ أن الصيغة أجمع صيغة ، والكيفية أفضل كيفية ، أي السلام والرحمة والبركات على النبي وآله من الله والملائكة ، ومن الخلق أجمعين.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.