Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

(اَللّـهُمَّ !.. اَعِنّي فِيهِ عَلى صِيامِهِ وَقِيامِهِ ، وَجَنِّبْني فيهِ مِنْ هَفَواتِهِ وَآثامِهِ ، وَارْزُقْني فيهِ ذِكْرَكَ بِدَوامِهِ ، بِتَوْفيقِكَ يا هادِيَ الْمُضِلّينَ !).

قلنا بأن مضامين أدعية الأيام جميلة جداً ، وعلينا أن نستوعبها بكل أبعادها ، بغض النظر عن سند الدعاء ، سواء صح الانتساب إلى المعصوم ، أو لم يصح..

– (اَللّـهُمَّ اَعِنّي فِيهِ عَلى صِيامِهِ وَقِيامِهِ..) :

إذا كان صيام شهر رمضان وقيام شهر رمضان على مستوى واحد ، ودرجة واحدة من الصيام ، فالإنسان لا يطلب الرقي ، لأنه الأمر ثابت ، وهناك درجة واحدة يصل إليها جميع الصائمين.. ولكن لنعلم أن الصوم ذو درجات لا يعلمها إلا الله عزوجل : فهناك صوم العوام ، وهناك صوم خواص العوام ، وهناك صوم الخواص ، وهناك صوم خواص الخواص.. أي أن الصيام درجات ، ويبدأ من الإمساك من الطعام والشراب ، ويترقى إلى الإمساك عن كل حرام ، إلى أن يصل إلى درجة الإمساك عما سوى الله عزوجل ؛ وهذه الدرجة الأخيرة كلمات نرددها على اللسان ، ولكن المعنى لا يعلمه إلا الله عزوجل.. ولهذا لأن القضية ذو درجات ، فإن الإنسان يطلب من الله عزوجل أن يعينه على صيامه وعلى قيامه ، ويطلب الرقي في درجة الصوم.. ولهذا ورد في الحديث القدسي : (كل عمل ابن آدم له ، إلا الصوم فإنه لي ، وأنا أجزي به).

إذن، من المناسب أن يطلب الإنسان المؤمن من الله عزوجل ، أن يعينه على ذلك الصيام ، الذي يشبه صيام الرسول (ص) ، ويشبه صيام إمام زماننا (عج) ، ويشبه صيام الخلص من أوليائه.

– (وَجَنِّبْني فيهِ مِنْ هَفَواتِهِ وَآثامِهِ…) :

المؤمن إما أن يبتلى بالهفوات أو بالآثام ، ولهذا فإنه يطمع في الخلاص من هذين الأمرين معاً.. ومن هنا لا ينبغي أن يكون الإنسان فرحاً بأن نهار شهر رمضان مر عليه من دون معصية ، وإن كان ذلك حسناً ، لكن هناك درجة أرقى ، وهي تجنب الهفوات.. ومن المعلوم أن الإثم هو الفعل الحرام : كالغيبة ، والكذب ، وغيره.. أما الهفوة فإنها أمور مباحة لم ترقَ لدرجة الحرام ، ولكنها لا تفيد الإنسان لدنيا ولا آخرة.. ومن مصاديق الهفوة : الإنس مع البطالين ، وفضول القول والنظر.. وقد ورد في الحديث الشريف : (إذا رأيت قساوةً في قلبك ، ووهناً في بدنك ، وحرماناً في رزقك ؛ فاعلم أنك تكلمت فيما لا يعنيك).. إن هذا الحديث يصرح بعقوبات عظيمة جداً !.. مثلاً : إنسان يبتلى بنقص في ماله ، ومرض في البدن ، ومع ذلك فهو يعاني من قساوة القلب ، أي لا يجد في نفسه ميلاً -مع ما هو فيه من البلاء- للدعاء والذكر !.. ولننظر ما هو السبب ؟!.. فإن السبب مخيف !.. فهو لم يرتكب حراماً ، كأن وقع في فاحشة -والعياذ بالله- ، أو سرق مالاً ، بل لمجرد أنه تكلم بكلام لغو زائد !..

ومن المعلوم أنه قراءة آية في شهر رمضان تعدل ختمة ، كما أنه قراءة سورة التوحيد ثلاث مرات في غيره من الشهور تعدل ختمة.. وعليه، نستفيد -بحساب رياضي سريع- أنه لو التزم الإنسان بقراءة سورة التوحيد بكثرة في هذا الشهر الكريم ، فكم سيربح من رصيد لا يعد ولا يحصى في ذلك العالم !.. ولكن الملاحظ -مع الأسف- هو صرف هذا الوقت الثمين في شهر رمضان -الذي يمكن أن تتحول فيه الدقيقة إلى ما لا يقل عن عشر مرات من سورة : {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، أو تسع مرات ، يعني ثلاث ختمات للقرآن الكريم ، وكل آية بختمة – ، في كل باطل وحق ولغو وما شابه ذلك..

إذن، المؤمن قد لا يقع في الآثام ، ولكن يقع في الهفوات ؛ ولهذا فإنه يطلب من الله عزوجل أن يجنيه هذه الهفوات.

– (وَارْزُقْني فيهِ ذِكْرَكَ بِدَوامِهِ…) :

إن مشكلة المشاكل في الذكر ، هو أن يصل الإنسان إلى درجة الذكر الدائم.. إذ من المعلوم أن الإنسان بطبعه يميل إلى الغفلة في أغلب حالاته ، ولكنه إذا وقع في بلية ما ، فإنه يبادر إلى الذكر الحثيث ، كما في قوله تعالى : {حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}.. ولكن هذا الذكر المتقطع : أي ذكر الأزمات ، وذكر المستشفيات ، وذكر السجون ، وذكر المصابين… ، الإنسان قد يؤجر عليه ، ولكنه لا يتكامل به ، ولا يقربه إلى الله عزوجل كذات ، فالذات هي الذات.. ولهذا فهو بعد أن يخرج من المستشفى أو من السجن -مثلاً- ، لعله في ثاني يوم يرتكب المنكرات العجيبة ؛ لأن ذلك الذكر كان ذكراً فعلياً ، لا ذكراً ذاتياً ، ولم يكن ذكر دائماً..

إذن، ينبغي علينا أن نحول الذكر المتقطع إلى ذكر دائم.. ويقول علماء الأخلاق : أن السبيل الوحيد لتحويل الذكر المؤقت إلى ذكر دائم هو : الحب.. فالحب هو الذي يغير الذكر المؤقت إلى ذكر دائم.. وهذا ما نراه في حياة عشاق الهوى وعشاق النساء ، حيث يعيشون حالة الذكر الدائم لمن يحبون.. لأن الحب ينقل صورة المحبوب من الذاكرة ومن الذهن ، إلى القلب.. وإذا كان المذكور أو المحبوب في عالم الخيال والفكر ، فإنه يذهب ويأتي.. أما لما تتحول الصورة من عالم الذهن إلى عالم القلب ؛ فإن عالم القلب لا يزول ، إلا إذا انقطع الحب ، فإنه الذكر ينقطع أيضاً.. ومن هنا رب العالمين يصف المؤمنين في قوله تعالى : {وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ }.. لأنه إذا كانت صورة المحبوب في القلب ، فإن القلب لا يفارق المحبوب أبداً ، ولكن الذهن قد يفارق..

ولهذا في شهر رمضان في اليوم السابع الإنسان يسأل الله عزوجل ، الذكر الدائم.. وكأنه بشكل غير مباشر -بشكل مبطن- ، يقول العبد لربه : يا رب، ارزقني هذا القلب الذي يحمل حبك !.. فإذا رزق الإنسان ذلك القلب المحب ، عندئذ يتحول إلى إنسان ذاكر بالدوام.

– (يا هادِيَ الْمُضِلّينَ !) :

قال تعالى : {مَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ } ، وعليه، فإن من لا هادي له من الله عزوجل ، فإن هذا الإنسان لا تنفعه موعظة الواعظين !.. حتى النبي الأكرم (ص) الذي شق القمر ، وسبحت الحصاة بين يديه ، ولكن بعض القلوب لم تنشق لرسول الله (ص) ، لأن الله تعالى ختم على تلك القلوب ، نعوذ بالله عزوجل من هذه القلوب القاسية !..

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.