Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

إن المؤمن دائما على مائدة القرآن الكريم، وهو من صور المتعة في الحياة.. فالمؤمن يستمتع بأن يسمع تارة حديث ربه؛ فيقرأ القرآن.. ويستمتع تارة بالحديث مع ربه؛ فيصلي بين يديه.. فالقرآن الصاعد هي الصلاة، والنازل هو الذي بين أيدينا.. فهنيئا لمن صارت له هذه الحالة من الأنس بكتاب الله عز وجل!..

إن الأنس بكتاب الله عز وجل له طريقان:
الطريق الأول: التلاوة الكثيرة.. فالذي يتلو القرآن كثيرا؛ يختلط لحمه ودمه وعظمه بالقرآن، والتلاوة تكون مع أدنى درجات الالتفات الذهني؛ أي أن يعي ما يقرأ.. أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كانوا يقولون: لبيك اللهم لبيك!..عندما يتلون: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}.. قد لا يتوقع منا نحن هذه الدرجة، ولكن من المناسب للإنسان عندما يقرأ المصحف، أن يقرأ تفسير بعض الكلمات المشكلة.

الطريق الثاني: التدبر والتأمل.. إذ لا مانع أن يفتح الإنسان المصحف، ولو كان على شاطئ البحر وفي مكان مريح، وهو في غاية النشاط.. ولكن نحن -مع الأسف- نعطي للدنيا أفضل الأوقات، وإذا جاء وقت الرب؛ نعطيه ساعة النعاس، وساعة الكسل؛ فنقوم لصلاة الليل بتثاقل.. إن البعض لا يراجع التفسير عندما يفتح القرآن، بل يحاول أن يفهم من كتاب الله -عز وجل- المعاني والأشياء الملفتة، دون أن يستعين بالتفسير، حتى يتأكد أن ما حصل عليه هبة من عالم الغيب، ثم يراجع التفسير.. وإذا به يتفاجأ -بعض الأوقات- أنه لم يقرأ جديدا في التفسير، والذي فهمه هو عمدة ما قاله المفسرون، وهذا يعطي الإنسان حالة من الحافزية؛ أي يشجعه على ذلك.

في أسئلة القرآن الكريم : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي}، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}، {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ}.. رب العالمين يقول: قل كذا، ولكن عندما يصل إلى نفسه تعالى يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}، فيلغي كلمة (قل) فيقول: {إِنِّي قَرِيبٌ}؛ حتى الواسطة في هذا المجال ملغية هنا.. أو مثلا عندما يلجأ للذكر من أجل التوبة، بعض الأوقات يقترن ذلك الذكر بالعمل الصالح؛ إذ لابد للتائب أن يترجم توبته.. أي إبداء حسن نية.. إذن طريق التأمل في القرآن الكريم طريق آخر؛ علينا أن نسلكه.. فكتاب رب العالمين، أسهل بكثير من كتاب “الشفاء” لابن سينا مثلا، وأسهل من كتب أرسطو وأفلاطون؛ فهو تبيان لكل شيء، سهل التدبر، لا يوجد فيه عبارات أو كلمات معقدة.. نعم هناك حروف مقطعة في بعض السور، مثل: {الم}، و{الر}، و{حم}،..؛ ولكن هذا له جوابه، كما بالنسبة إلى الآيات المتشابهة، فمعظم القرآن يفهمه من يتكلم بالعربية.

{وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا}.. إن الإنسان لا يرى أن هناك علاقة إلهية بين قضايا الحياة المعاصرة وبين الرب، كمثال: إنسان يتزوج من زميلة له في الجامعة، يقول: أعجبنا ببعضنا في الجامعة، وتقدمت وطلبت يدها من أبيها، ثم عقدنا.. إذن القضية هي (فعلي أنا) أنا الذي عملت كذا، ولكن القرآن الكريم يقول: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}.. كان بإمكان رب العالمين ألا يجعل فينا الغريزة؛ عندئذ لا ينظر رجل لامرأة.. إذن، هناك من جعل هذا التجاذب.

إن الملائكة المقربة في بعض النصوص الشريفة، يبدون استغرابهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}؛ أي تريد وجودا مسبحا عابدا، فنحن نؤدي هذا الدور، فلماذا آدم؟.. فآدم فيه تقصير: تارة يثور غضبه فيسفك الدماء، وتارة تثور شهوته فيفسد فيها؟.. قال الصادق (ع) (… إنّ طائفةً من الملائكة عابوا ولد آدم في اللذّات والشهوات -أعني الحلال ليس الحرام- فأنف الله للمؤمنين من ولد آدم من تعيير الملائكة لهم، فألقى الله في همة أولئك الملائكة اللذّات والشهوات؛ كي لا يعيبوا المؤمنين.. قال: فلما أحسّوا ذلك من همّهم، عجّوا إلى الله من ذلك فقالوا: ربنا!.. عفوك عفوك!.. رّدّنا إلى ما خُلقنا له، وأجبرتنا عليه؛ فإنّا نخاف أن نصير في أمر مريج (أي مضطرب).. فنزع الله ذلك من هممهم، فإذا كان يوم القيامة، وصار أهل الجنة في الجنة، استأذن أولئك الملائكة على أهل الجنة، فيُؤذن لهم، فيدخلون عليهم، فيسلّمون عليهم، ويقولون لهم: {سلام عليكم بما صبرتم} في الدنيا عن اللذّات والشهوات الحلال)؛ حتى الملائكة لم تتحمل هذه القضية.

إن رب العالمين عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا}؛ ومن أفضل التفسيرات لهذه الأمانة، أنها بمعنى (التكليف) في هذا الوجود، فبني آدم هو الموجود الوحيد الذي يتخلف عن عمله.. أما النحلة المسكينة؛ فإنها تعمل من الصباح إلى الليل ولا تتخلف، تمشي كما هو مرسوم لها {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}.. انظروا دائما إلى (الجاعل)!.. في مناجاة المحبين يقول: (هيمت)، (قطعت)، (أخليت وجهه لك)، (اللهم!.. ارزقنا حبك وحب من يحبك).. فالأمر يعود إليه، سواء في الخلق، أو في إعادة التحذير في العقول، أو في القلوب وفي الجوارح.

{وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا}.. رب العالمين جعل هذا النوم حالة من حالات السكون للإنسان، وهذه الأيام النوم اصطلاح ذو حدين.. إن من موجبات الحسرة يوم القيامة ساعات النوم، والمعصية هي أيضا من موجبات الحسرة، ولكن أوقات المعاصي محددة.. أما النوم فهو السلطان الأكبر، حيث أن الإنسان ينام ثمان ساعات في اليوم، وهو المتعارف؛ ولكن الأفضل أن نقللها إلى ست ساعات، أما أقل من ذلك فالبعض يقول: أن هذه الحالة غير صحية.. من الممكن أن يقاوم الإنسان فترة من عمره، ولكنه يبدأ بعدها بالتراجع.. فإدمان النوم يأخذ ثلث الحياة، وخاصة في سنوات الشباب، ويوم القيامة يرى الإنسان أن ثلث عمره ذهب هباء منثورا، وهذا الأمر يوجب الحسرة.

هل من طريقة نقلب فيها النوم، في غير شهر رمضان إلى عبادة؟.. نعم، ممكن!.. والدليل: لو أن إنسانا أراد شراء فاكهة، وهذه الفاكهة غير متوفرة في السوق، وقيل له: إذا أردت أن تأكل هذه الفاكهة، فاذهب إلى منزل التاجر الفلاني؛ فإن هذا التاجر يضيف الناس في الشهر أو في السنة ليلة أو ليلتين، وهذه الفاكهة موجودة في منزله، فهل يذهب إلى ذلك التاجر ليأكل هذه الفاكهة المحببة إليه؟.. وبعبارة أخرى: كلما اشتهيت هذه الفاكهة، تراها في ضيافة هذا الرجل.. ولكن المشكلة أن الضيافة محدودة، تفتح الأبواب في ذلك التاريخ صباحا وتغلق ليلا؛ معناه أن هذه الفاكهة تعطى، ولكن لمن أمكن أن يصل إلى الضيافة في غير ساعة الضيافة، واللبيب من الإشارة يفهم!.. أي إذا أمكنك أن تكون في ضيافة الله -عز وجل- في غير شهر رمضان، فتنتقل مزايا (شهر فيه دعيتم إلى ضيافة الله)؛ إلى باقي الشهور فتتحول العبارة إلى (شهور دعيتم فيها إلى ضيافة الله).

فإذن، إن الفاكهة الغذائية موجودة في الضيافة، ولكن المشكلة أننا لا نطرق الباب الإلهي إلا بعد أن يغلق.. الضيافة تنتهي ليلة العيد، فالذي يفرح بالخروج من قاعة السلطان ويقول: الحمد لله، شهر رمضان انتهى؛ فإنه من الطبيعي أن لا يعود إلى هذه الضيافة إلا بعد سنة أخرى.. فالإنسان يتمنى في يوم العيد، وفي ليلة العيد، أن يكون كإمامنا زين العابدين (ع)، الذي كان يتكلم مع شهر رمضان (ما كان أطولك علي المجرمين، وأهيبك في صدور المؤمنين)!.. إذ يبدي شوقه لشهر رمضان، ويتأوه على فراقه.. فإذن، إذا أمكن الإنسان وبحركة ذكية، يرجع ويطرق الباب ويقول: يا رب، أنا سأكون بالداخل، أنا احتاج ضيافة شهور فلا تطردني من بابك (اِلـهي!.. مَنْ ذَا الَّذي ذاقَ حَلاوَةَ مَحَبَّتِكَ فَرامَ مِنْكَ بَدَلاً، وَمَنْ ذَا الَّذي اَنـِسَ بِقُرْبِكَ فَابْتَغى عَنْكَ حِوَلاً)؟!..

وبالتالي، فإننا يجب أن نحول النوم إلى عبادة، فإذا صار العبد في ضيافة الله -عز وجل- فنومه كله عبادة {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}، ليس المقصود بالظمأ العادي، كظمأ شهر رمضان، الإنسان يذهب للقتال في سبيل الله ثم يظمأ؛ وهذا أفضل من ظمأ شهر رمضان بمراحل، هو ظمأ مفطر، ولكنه في سبيل الله.. الإنسان الذي يذهب للحج والعمرة، نومه في عرفة ومزدلفة ألا يعد عبادة؟.. هنيئا لمن حول كل لحظات حياته إلى ما يشبه التمر؛ فالتمر كله فوائد، حتى أنه في بعض العبارات يقال: (مثل المؤمن كالنخلة: إن صاحبته نفعك، وإن جالسته نفعك، وإن شاورته نفعك.. كالنخلة؛ كل شيء منها ينتفع به)، النخلة ترميها بالحجارة فتساقط عليك رطبا جنيا، ومن طرق قطف النخلة الهز {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا}، وهناك حديث حار فيه العلماء (أكرموا عمتكم النخلة؛ فإنها خُلقت من فضلة طينة أبيكم آدم، وليس من الشجر شجرة أكرم على الله، من شجرة ولدت تحتها مريم ابنة عمران، فأطعموا نساءكم الولد الرطب، فإن لم يكن رطب فتمر).

بالنسبة إلى النوم: وهذه حقيقة مذهلة، وهي أن الإنسان في النوم يذهب إلى ربه {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ}، رب العالمين يتوفى الأنفس حين موتها {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.. النوم من أسرار البعث، ولعل من الحكم الإلهية في النوم: أنه يذكرنا بالبعث، فالموت كالنوم، والاستيقاظ كالبعث.. لو كان هذا النائم ميتا، ما الفرق بينه وبين النائم؟.. بعض الناس حين ينام، تتغير ملامح وجهه كالأموات.. إذن هذه الروح ذهبت إلى الله عز وجل، لماذا لا نصعد ونسعد هذه الروح في عروجها؟.. الذي ينام على وضوء، روحه تبقى طاهرة.. والطهارة تكون في التيمم، والغسل.. كيف يقضي الإنسان سنوات من عمره دون وضوء؟!.. كان بإمكانه أن يحول الفرش إلى مسجد، قال الصادق (ع): (من بات على وضوء؛ بات وفراشه مسجده.. فإن تخفّف وصلى، ثم ذكر الله؛ لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه)؛ وعنه (ع): (من أوى إلى فراشه، فذكر أنه على غير طُهر، وتيمم من دثار ثيابه كائنا ما كان؛ كان في صلاة ما ذكر الله)، لماذا لا نختم عملنا اليومي بذكر الله عز وجل؟.. ذلك الذكر الذي وصل إلينا من خلال مولاتنا فاطمة الزهراء (ع)، عند الصلاة وقبل النوم، لماذا لا نحول ثلث العمر إلى بركة؟..

فكم من الجميل عندما يستيقظ الإنسان من نومه، وهو مترنح بين النوم واليقظة؛ فيخر لله ساجدا، في تلك الهيئة وفي ثياب النوم، وقبل أن يغسل وجهه؛ يبدأ في مناجاة ربه!.. فالكمال كل الكمال في أن تحدث جوا دعائيا في غير وقته، قال أبو جعفر (ع): (مكتوب في التوراة: إن موسى (ع) سأل ربه -جل وعلا- قال: إلهي!.. إنه يأتي علي مجالس، أعزك وأجلك أن أذكرك فيها.. فقال الله -عز وجل-: يا موسى، اذكرني على كل حال، وفي كل أوان).. هنالك أدعية تستنزل الدمعة، فالإنسان وهو في بيت الخلاء يمسح على بطنه ويقول: (الحَمْدُ لله الَّذِي أَماطَ عَنِّي الأذى، وَهَنّأَني طَعامي وَشَرابي، وَعافاني مِنَ البَلوى)!.. يشكر الله أن خلصه من الخبائث، ولو بقيت في جوفه لأردته قتيلا.. شخص في بيت الخلاء، يحوله إلى محراب عبادة!.. هذا الدين يريد منا أن نكون في حال عبادة في كل مكان، وليس في المساجد فقط.

عندما يسجد الإنسان يقول في الدعاء: (الحمد لله الذي أحياني بعد أن أماتني، وإليه النشور)؛ أي أنا كنت ميتا {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}.. لذا فإن أول خطوة يقوم بها الإنسان بعد الاستيقاظ، هو أن يشكر الله على هذه النعمة!.. ويقول أيضا: (الحمد لله الذي رد عليّ روحي؛ لأحمده وأعبده)؛ أي يا رب، أرجعت لي الروح لغاية وهدف، وهو أنه من هذه الساعة أعبدك.. ولهذا يذهب إلى محل الوضوء، فيتوضأ ويصلي لله -عز وجل- يصلي صلاة الليل، أو نافلة؛ المهم أنه يبدأ حياته بذكر الله عز وجل.. وهناك دعاء آخر عند أول النهار” (اللهم!.. هب لي نورا)؛ أي هذا يوم جديد، وأنا أخشى أن يمر علي هذا اليوم، ولا أحصل فيه على نور.

الخلاصة:
{وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا}.. فالله -عز وجل- جعل كل نعم هذا الوجود تعود إليه.. والنوم نعمة كبيرة، فمن أساليب التعذيب في السجون الحديثة والقديمة، عدم السماح للمسجون بالنوم.. يقول أحد الأطباء: سلامة القلب في حركة البدن، فمن يريد قلبا سليما؛ لابد له من الحركة.. وقال طبيب آخر: إن النعاس مقدمة للنوم، والذي يجلب النعاس هو الأمنة؛ {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ}.. الإنسان الذي يعيش الأمان الباطني، والارتياح النفسي؛ فهذا يأتيه النعاس، والنعاس يوجب النوم.. فالمصاب بالأرق والاضطراب في حياته، عليه أن يذهب للأطباء النفسانيين، ويتعاطى العقاقير، ليعالج نفسه.

إن الطريق الذي يحقق في نفسه حالة الاطمئنان، هو هذه الآية {أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}؛ وهي علاج لا علاج بعده.. فاللغة العربية لغة عجيبة وغريبة، ما خلق الله -عز وجل- منذ أن خلق آدم وإلى قيام الساعة، لغة أدق وأتقن وأكثر توسعا بمفرداتها من اللغة العربية.. إذا أرادت العرب تخصيص أمر تقول: (إنما) فهي من أدوات التخصيص.. ومن صيغ التخصيص، تقديم الجار والمجرور مثلا: (زيد في الدار)، أما عندما نقول: (في الدار زيد) فهذا يفيد الحصر؛ أي تقديم ما حقه التأخير.. وفي هذه الآية أيضا رب العالمين، استخدم أكثر من أسلوب ليلهمنا أن هذا هو الحل ولا غير.. فالآية مصدرة بأداة تنبيه {أَلاَ}، وهذه الأداة من أدوات لفت النظر في القرآن الكريم، وهنالك تقديم لما حقه الحصر بذكر الله.. موقعها الأعرابي هو بعد الفعل والفاعل، ولكن قُدم لإفادة الحصر.. و{أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}؛ أي لا طريق إلى الاطمئنان إلا بذكر الله عز وجل، الاطمئنان المستقر بخلاف المؤقت: كالخمر والمخدرات مثلا.. فبلا شك بأن مضارهما أكبر من نفعهما، وكلها لا قيمة لها؛ فهما راحة سطحية للأعصاب فقط.. {تَطْمَئِنُّ} فعل مضارع؛ بمعنى أن هذا الاطمئنان عملية مستمرة.. فالقرآن لم يقيد الاطمئنان بحالٍ ولا بزمانٍ ولا بمكانٍ، لم يقيده ببيته الحرام، ولم يقيده بشهره الحرام؛ فالآية مطلقة.. {الْقُلُوبُ} جمع محلى بأل، والجمع المحلى بأل يفيد العموم.. معنى ذلك أن كل قلب في عالم الوجود، إذا أراد الاطمئنان، فلابد أن يبحث عن ذكر الله.

فإذن، إن الذي يريد أن ينام نوما مريحا؛ عليه بذكر الله عز وجل.. وذلك من خلال مجموعة من المستحبات، يقوم بها المؤمن قبل النوم، منها:

الوضوء.. والنوم على الجنب الأيمن؛ مستقبلا جهة القبلة.. وتسبيحات الزهراء (ع).. وقراءة آخر آية من سورة الكهف؛ كي يستيقظ للصلاة في وقتها، هنالك عبارة تقول: (استيقظ إن شاء الله ساعة كذا…) ويتلفظ بالوقت الذي يحب أن يستيقظ به.. وقراءة التوحيد ثلاث مرات.. والاستغفار.. والمناجاة.. وبعد كل هذه المقدمات، ينام الإنسان ويحاول أن يعيش المحضرية بين يدي الله عز وجل، والرقابة الإلهية.. وهذا الإحساس إذا تعمق، فإن الإنسان سيبحث عن النوم بحثا.. (المؤمن كيس فطن) يتفرغ لأن يعيش هذا الجو، جو الخلوة مع الله عز وجل.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.