Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

س١/ لماذا هذا التوكيد الشديد حول مفردات الاستغفار في دعاء كميل؟..
إن الإنسان عندما يدخل إلى ملك الملوك، من الطبيعي أن يبدأ بتصفية الحساب معه، قبل أن يبدأ في الطلبات الكبرى.. وخاصة إذا كان مطلوباً؛ دفعاً للعتب، ورفعاً لما عليه من تكاليف.. وهذا ما نلاحظه في دعاء كميل، إذ أنه بعد تلك المقدمة الجميلة من تعداد الأوصاف الإلهية، جاء جانب الاستغفار والتذلل، ومن ثم جاءت تلك الطلبات التي هي غاية آمال العارفين في هذه الحياة.. حيث اللسان اللاهج بذكر الرب تعالى، والقلب المتيم بحبه جل وعلا. وكأن الإمام علي (ع) أراد أن يعلمنا بهذه التقسيمات، كيف نتحدث مع رب العالمين.. ثم إن الاستغفار هو ورد المؤمن الدائم، فهذا الرسول الأكرم (ص) يقول: (إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم والليلة مائة مرة).. الآن كيف يغان على قلبه (ص) وهو الذي لا يغفل عن الله تعالى طرفة عين؟!.. العلم عند الله!.. ومن الممكن تفسير ذلك، في أنه للنبي (ص) حالات متألقة جداً مع الله تعالى لا يحتملها ملك مقرب ولا نبي مرسل، فهو عندما ينتقل من تلك الحالة إلى أخرى أقل منها، يعد ذلك غفلة وذنباً.
فالإمام علي (ع) يذكر آثار مفزعة للذنوب نورد منها:
* هتك العصمة: بكشف المستور في الخفاء، ويالها من فضيحة، أن يكشف ستر الإنسان المؤمن بين الناس!.. نعم، الله تعالى نشر الجميل، وستر القبيح، ولم يؤاخذ بالجريرة، ولم يهتك الستر.. ولكنه أيضاً يمهل ولا يهمل، إذ من الممكن في لحظة من اللحظات أن يكشف الغطاء عن العبد.
* نزول النقم: ومن أسوأ العقوبات حالة القساوة والإدبار، وخاصة في موارد الطاعة.. قال الباقر (ع): (إن لله عقوبات في القلوب والأبدان: ضنك في المعيشة، ووهن في العبادة.. وما ضرب عبد بعقوبة، أعظم من قسوة القلب)!..
* تغيير النعم: ولعل هذا هو السبب في الانتكاسات الكبرى، والارتداد عند البعض طوال التاريخ.. فالقرآن الكريم يضرب مثلأ مخيفاً لأؤلئك حيث يقول تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث}.
* التأثير في الطبيعة: حيث تظلم الهواء، وتعجل الفناء.. وهذا ربما الذي جعل الله تعالى يقلب الأرض على قوم لوط، جراء فعلتهم الشنيعة.

س٢/ نلاحظ في دعاء كميل ذكر لآثار الذنوب.. لماذا لم يتم التصريح بجزئيات هذه الذنوب؟..
قد يكون السبب -والله العالم- هذان الأمران:
الأول: لأنه عبارة عن دعاء وليس بحث علمي، حتى يعدد الإمام عشرات الذنوب.
الثاني: من باب التخويف العام: إذ لا شك بأن المؤمن إذا احتمل بأن للذنوب مثل هذه الآثار الموبقات، فإنه يبتعد عن الاقتراب منها.. للتوضيح نورد هذا المثال: عندما نعلم بأن هنالك أرضا ملغومة.. فمن المؤكد أن العاقل لا يجازف بحياته، ويتقدم فيها خطوة واحدة.. إذ من الممكن أن تودي بحياته بانفجار اللغم في أي لحظة.. ومن أراد التفصيل في معرفة كبائر الذنوب فليراجع الرسائل العملية.

س٣/ قسم من الناس يستصغرون محقرات الذنوب.. فماذا تقولون؟..
المشكلة أن هذه المحقرات، تشكل سلسلة حلقات من الذنوب.. ولنعلم بأن هذه هي بغية الشيطان، أن يستدرج الإنسان بالذنوب واحدة بعد أخرى، ليألفها شيئاً فشيئاً.. وبالتالي، تصبح لديه ملكة احتراف الحرام.. مثلاً النظرة المحرمة -التي هي سهم من سهام إبليس- فعلها في الإنسان كالمخدر الذي يطيح بالأسد الضرغام في عالم الصيد، بمعنى أنها تسلب منه الإرادة، وتجره إلى ارتكاب الكبائر.. قال رسول الله (ص): (إنّ إبليس رضي منكم بالمحقّرات.. والذنب الذي لا يُغفر قول الرجل: لا أؤاخذ بهذا الذنب استصغاراً له).. والحال، بأن من المفروض ألا ينظر المؤمن إلى حجم المعصية، بل ينظر إلى عظمة من عصاه.. قال الإمام الباقر(ع): (إنّ الله خبّأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء: خبّأ رضاه في طاعته؛ فلا تحقرنّ من الطاعة شيئاً، فلعل رضاه فيه.. وخبّأ سخطه في معصيته؛ فلا تحقرنّ من المعصية شيئاً، فلعلّ سخطه فيه.. وخبّأ أولياءه في خلقه؛ فلا تحقرنّ أحداً، فلعله ذلك الولي).

س٤/ ما هي العصمة، ومتى تهتك عصمة العبد ؟..
* العصمة: هي الغطاء الذي يغطي الإنسان المؤمن.. إن الأمر الذي لا يخفى على الجميع، بأن لأي إنسان ظاهرا وباطنا.. ومن المعلوم بأن الأغلبية من الناس يعمل على تحسين ظاهره بخلاف ما في باطنه؛ إما لكسب احترام الآخرين، أو للأمن من شرهم.. ولهذا فإن الناس يظهرون على حقيقتهم عند المعاشرة: في سفر، أو مصاهرة، أو زواج، في التجارة، أو في المجاورة.. ومن هنا ندعو بعدم الانغرار بأي شخص، وإعطائه أكبر من حجمه.. ولا شك بأن حسن الخلق والتعبد إنما هو لوجه الله تعالى، لا لأجل أمور دنيوية أو غيره.. وعليه، فإن هذا الغطاء الساتر هو بمنّ الله تعالى وكرمه علينا، وإلا لكان الأمر كما قال علي (ع): (لو تكاشفتم ما تدافنتم)!..
* ولكن متى تهتك هذه العصمة؟.. هذا أمره إلى الله تعالى، فهو الذي {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.. ونحن بالإمكان أن نحدس -من خلال ما جاء في المتون الشريفة- بعض الأمور التي تهتك عصمة المؤمن:
أولاً : الظلم: وخاصة ظلم من لا ناصر له إلا الله تعالى، فهذا دعوته لا ترد، وقد تكون قاتلة.. فالحذر الحذر من سهام الليل!..
ثانياً: التجاهر بالمعصية: نلاحظ -مع الأسف- أن البعض يجمع بين قبح المعصية وما هو أقبح، فهو لا يكتفي بتحديه لرب العالمين وشريعته.. بل أيضاً لا يستحي ويجاهر بالمعصية!.. وكأنه يقول للآخرين: أن هلموا شاركوني في هذا الطريق المنكوس المظلم!..
ثالثاً: المعصية في بعض الحالات: مثل الشخص الذي من المفروض أنه لا يتوقع منه المعصية، كالشيخ الزاني مثلاً، أو عدم احترام حرمة الأماكن المقدسة المنتسبة لله عز وجل، وهذا حقاً العجب العجاب!.. وهو في منتهى القبح والجرأة!.. إنسان يشد رحله إلى بيت الله الحرام، ثم بعد أن يطوف حول الكعبة المشرفة، يعمل ما يعمل من الكبائر العظيمة التي يهتز لها عرش الرحمن!.. أو قد يكون في المسجد -بيت الله- ولا يستنكف عن التعرض لأعراض الآخرين أو إيذائهم!.. وعليه، نقول: بأن هنالك بعض المواطن أو الحالات، التي لا يصرح الله تعالى فيها بتجاوز الحدود.. كما هو معلوم أن السلطان قد يتجاوز عما يحدث في الخارج، ولكنه لا يغفر بعض الأخطاء الصادرة في حضوره؛ لما فيها من تجرؤ على جبروته وسلطانه.

س٥/ ما هي أهم علامات استجابة الدعاء ؟..
إن أهم علامة لاستجابة الدعاء، هو حصول التغير الجوهري في النفس، كما في الصلاة.. إذ من المعلوم أن الشرط الأساسي لقبول الصلاة، هو الانتهاء عن الفحشاء والمنكر؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}.. بمعنى أن الإنسان إذا ما رأى في نفسه حقارة واستقذاراً لكل ما يغضب المولى جل وعلا، فليعلم بأن دعاءه قد قُبل، وأن ذنبه قد غفر.. فليبادر بالعمل ببركة الله تعالى؛ قرير العين، مطمئن الفؤاد.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.