Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

س١/ نلاحظ في دعاء كميل ذكر للعديد من أسماء الله وصفاته.. بمناسبة قول الرسول الأكرم (ص): (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة).. ما المراد بالأسماء، وهل يكفي الإحصاء المجرد لتحقيق دخول الجنة أم أن هنالك شروط؟..
بلا شك أن الأدعية الواردة للنبي (ص) وآله (ع) كلها زاخرة بأسماء الله تعالى، كما في دعاء الجوشن الكبير، هنالك قرابة ألف ذكر لأسماء الله وصفاته. ولا يخفى بأن لله تعالى أسماء أخرى، بالإضافة إلى قائمة التسعة والتسعين اسماً، منها على سبيل المثال: (يا حبيب من تحبب إليه)!.. نعلم بأن الدخول إلى دائرة الحب الإلهي، من أرقى مراحل الوجود، وأن النبي المصطفى (ص) اختص بحبيب الله، ويقال بأن السالك إذا وصل إلى مرحلة تجلي الحب الإلهي في قلبه، فقد وصل إلى غايته.
لابد أن نعلم حقيقة الاسم الإلهي، الذي أمرنا بالتعبد به، {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}.. إذ ليس من المعقول أن من مجرد الحفظ لهذه الأسماء، يوجب دخول الجنة. وقد ذكر هذا المعنى العلامة الطباطبائي صاحب الميزان (قده)، حيث قال: بأن الأسماء: ألفاظ، وهي عبارة عن حركة صوتية في الحناجر، ومعاني، وهي المتمثلة في الصورة الذهنية لتلك الألفاظ.. وليس لهذا أو ذاك تأثير كبير يستحق دخول الجنة، وإنما الأمر أعمق بكثير.. إذ أن هنالك حقيقة لهذه الأسماء، هي التي جعلت البعض يستغل الاسم الأعظم -كما هو مذكور في الروايات- في إتمام الخوارق الإعجازية.

 س٢/ ما هي حقيقة الاسم الأعظم؟..
هو معنى من المعاني المختزنة في عالم الغيب، إذا أقسم به العبد كرامة لتلك الحقيقة تسجاب دعوته.. فمثلاً إنسان تستهويه خدمة العباد والإحسان في شتى صوره، تصبح لديه سنخية معينة مع حقيقة الإحسان.. وبالتالي، هو إذا سأل الله تعالى بإقبال (يا محسن!.. قد أتاك المسيء) تجاب دعوته، وهكذا في بقية الصفات الإلهية.. فإذن، إن السبيل إلى الوصول إلى الاسم الأعظم، هو تحقيق الأخلاق الإلهية عند الإنسان بقدر الإمكان، وعندئذ لو سأل بذلك الاسم الذي يرمز إلى تلك الحقيقة، فإن رب العالمين لن يخيب رجاءه.

س٣/ ورد في حديث قرب النوافل: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها.. ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).. ما هو تعلقكم على ذلك ؟..
بلا شك أن الإنسان الذي يتجاوز الفرائض في تعبده لله عز وجل، ويعمل بالمستحبات والنوافل، سيصل إلى هذه الدرجة، من التجلي الإلهي في جوارحه وجوانحه.. أضف إلى أن الله تعالى من الممكن أن يتجلى لعبده حتى في الحركات المادية، وهذا يتضح في الأمثلة التالية:
* قوله تعالى في شأن النبي الأكرم (ص): {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى}.. فالحركة هي من النبي (ص)، ولكن نلاحظ بأن الله تعالى يقول: أنا الرامي!.. وهذا أيضاً الذي حدث في معركة بدر، حيث كانت السهام تتبع الكفار، وتصيبهم بما يشبه الصواريخ الموجهة.
* قول أمير المؤمنين (ع) في قضية قلعه لباب خيبر: (ما قلعت باب خيبر، ورميت به خلف ظهري أربعين ذارعاً؛ بقوة جسدية، ولا حركة غذائية.. لكني أُيّدت بقوة ملكوتية، ونفس بنور ربها مضيئة).
وعليه، فإن هذا الحديث من الأحاديث المؤملة والمبشرة، التي تفتح الآفاق الكبيرة للإنسان المؤمن في حياته، إذا ما واظب على فعل النوافل بشرطها وشروطها وكيفياتها، فإنه سيصل إلى هذه المرحلة التي يرى فيها التجليات الإلهية، من خلال بطشه ومشيه وبصره ونظره.. ومن المناسب أن نلفت إلى أنه لا ينبغي الاغترار بتكهنات الآحرين، إذ أن التكهن من مصاديق الظن الذي لا يغني من الحق شيئا، ومع ذلك إذا كان هذا الذي يتكهن ويحدس هو المؤمن، هنا تأتي هذه الرواية لتقول: (اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله).

س٤/ هنالك عبارة معروفة عند الأخلاقيين وهي: (تخلقوا بأخلاق الله جل وعلا).. فكيف نتخلق بأخلاق الله تعالى؟..
المقصود بالتشبه بالأخلاق الممكنة، أي: ليس كالخالقية، والرازقية مثلاً، بل في الإحسان والعدل والعلم والحكمة.. وهذا مستفاد من الروايات: على سبيل المثال: نحن عندما نقف للصلاة بين يدي الله عز وجل نقول: (يا محسن!.. قد أتاك المسيء، وقد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسيء، وأنت المحسن وأنا المسيء.. فبحقّ محمد وآل محمد، صلّ على محمد وآل محمد!.. وتجاوز عن قبيح ما تعلم منّي)!.. فإذن، نحن مأمورون بالتخلق بأخلاق الله تعالى، بقدر ما نستطيع.. ومن هنا نقول: الهمة جيدة، لا مانع أن يتمنى الإنسان أن يكون كالنبي المصطفى (ص) أو أن يكون إلهياً في صفاته.. وإن كان الوصول محال، ولكن بلا شك أن الذي يحمل هذه الهمة، سيصل إلى درجة عالية من درجات القرب من رب العالمين.

س٥/ نلاحظ في دعاء كميل التناقض بين صفات الله تعالى وصفات الداعي.. هل لهذه الحركة تأثير في جلب الروحانية، والخشوع لقلب المؤمن الضعيف، أمام عظمة الخالق؟..
طبيعي أن العبد عندما ينظر إلى ملكاته وضعفه وفقره، وفي المقابل ينظر إلى سعة العظمة الربوبية والجلال الإلهي -الذي لما تجلى بعض منه خلف الجبل، موسى (ع) خر صعقا- يصير في حالة من حالات الخشوع بين يدي الله تعالى.. نعم، نحن نعتقد بهذه العظمة، ولكن المشكلة ليس في الاعتقاد بل في الاستشعار، الذي هو سمة العارفين.. وقد ورد في بعض النصوص أن النبي (ص) والأئمة الأطهار (ع) كانت فرائصهم ترتعد -إذا هموا بالوضوء-من خشية الله عز وجل!.. وعليه، لكي يصل الإنسان إلى حالة الخشية من الله تعالى، لابد له من استشعار عظمة الإله جل وعلا.. جاء في الحديث: (لو يعلم المصلي ما يغشاه من جلال الله عز وجل، ما انفتل من صلاته).

س٦/ أثبت الإمام زين العابدين (ع) -بعد كربلاء- نجاعته في تربية الأمة من جديد من خلال الدعاء.. ما تعليقكم على ذلك؟..
نعم، إن الإمام (ع) عندما رأى أن أساليب التأثير الاجتماعي، المتمثلة بالحكومة والإمامة بأيدي الآخرين؛ استغل عنصر الدعاء، الذي خلد على مر الزمن.. ونحن اليوم نعيش على مائدة زين العابدين (ع) سواء في مناجاته الخاصة مع ربه في جوف الليل، أو في دعائه لثغور المسلمين، بما فيه من مضامين توحيدية وتربوية وسياسية جميلة.
ومن المناسب أن نشير إلى هذه الآية: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}.. بأن الذي يريد الوصول إلى حقيقة الأسماء الحسنى، عليه بالإخلاص في الدعاء، فذلك خير سبيل لتلقي الفيوضات الإلهية، وللتأثر البليغ بها.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.