Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

إن التهنئة بحلول شهر رمضان أولى من التهنئة بخروج الشهر ، وبِعِيد الشهر ؛ لأن العيد خاتمةٌ للبركات ، ونحن لازلنا على أبواب المأدُبة الإلهية العظيمة ، ونسأل الله أن يجعل صيامنا ليس من صيام الخواص فحسب ، بل من صيام خواص الخواص ، الذين صاموا الشهر حق الصيام .

القسم الأول : التوبة .
أولا : شهر رمضان الفرصة المناسبة في طوال السنة لأن يعود الإنسان إلى الله سبحانهُ وتعالى ويتوب إليه ، ثانيا : عندما نقول العودة والتوبة إلى الله عز وجل لا نعني فقط العودة من الذنوب ، فلعل بعض الناس في شهر رمضان يُصبحُ من أهل الطاعات ، و لا يدع هنالك موضع قدم للشيطان ، وقد يكون من عدول المؤمنين ، الذينَ لا يُذنبون ، وإن أذنبوا يعودونَ من قريب ، فبالتالي قد يقولُ قائلهم : إذاً التوبة ليست لنا وإنما للعاصينَ من الناس . فمفهوم التوبة : يعني الرجوع إلى اللهِ سبحانهُ وتعالى ، وهذا الرجوع لا يقتضي دائماً أن يكونَ عن معصية ، فلقرب الإنسان إلى الله عزوجل درجاتٌ كثيرة جدا ، والنبي ( ص ) كانَ أكثر الناس توبةً واستغفاراً ، وقد ورد في بعض الروايات : إن النبي (ص) ما كانَ يقوم من مجلس وإن خف إلا ويستغفر الله عزَ وجل خمسا وعشرين مرة .

إذاً مفهوم التوبة و الإنابة والعودة إلى الله عزوجل سواء من معصيةٍ إلى طاعة ، أو من بُعدٍ إلى قرب ، أو من قربٍ إلى قربٍ أشد ؛ ودرجات القرب إلى الله كثيرة ، والطرق إلى الله عزوجل كما قالوا : ( بعدد أنفاس الخلائق ).

التوبة في القرآن : من الآيات الجامعة في بيان حقيقة التوبة ، و التي تُعطي الدفع النفسي للإنسان المؤمن ليتوب إلى الله عزوجل قوله تعالى : ﴿ وَسَارِعُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ – آل عمران ١٣٣ ﴾

﴿ وَسَارِعُوۤاْ ﴾ المؤمن في هذهِ الحياة يعيش حالة إنسان ، يريد أن يصل إلى هدف معين ، في وقت محدود ، والأعداء من خلفه يتربصون به الدوائر .. يا ترى ما سرعة هذا الإنسان في المشي ؟!…. بالطبع هذا الإنسان يعيش أقوى الدوافع في السير . فحياة الإنسان محدودة .. الحياة الطبيعية ومتوسط الأعمار محدود بستين سنه تقريبا.. أضف إلى ذلك أننا لا نستطيع أن نُلغي حساب الحوادث والأمور التي لا نتوقعها .. والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدمِ في العروق ﴿ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً – فاطر ٦ ﴾ أعدى الأعداء للإنسان ذلكَ الذي أخرجَ أبانا من الجنة ، وفي الرواية : إذا أحرم العبد بالصلاة جاءه الشيطان فيقول له اذكر كذا اذكر كذا حتى يضل الرجل فلا يدري كم صلى!!.. حتى هذهِ الصلاة .. الركيعات البسيطة .. لا يتركهُ الشيطان يصليها بشكلٍ مريح ، ولهذا نجدُ الإنسان كثيراً ما يسهو في صلاته ..
إخواني ، الإنسان إذا لم يتخذ أسلوب المسارعة في التوجه إلى الله عزَّوجل ، يُخشى عليه من أحد أمرين : أولا : أن تنقضَّ عليه الشياطين فيحولون بينهُ وبينَ الزُلفى إلى الله عزوجل ، ثانيا : أن لا يصل إلى الهدف في الوقت المناسب ؛ فيفاجئُه الموت وهو في درجةٍ غير عالية من درجات القربِ إلى الله عزَّوجل .

صفات المتقين :
من هم المتقون ؟ .. فلينظر أحدنا كم هي النسبة الموجودة في قلبه ليحكم على نفسهِ بالتقوى ..

أولاً : الصفة المالية ﴿ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ – آل عمران ١٣٤ ﴾ لم يبدأ القرآن بالأوصاف العبادية المتعارفة من الصيامِ والصلاةِ وما شابه ، إنما ابتدأ بالإنفاق في السراءِ والضراء ، وهي إشارة للإيمان المترجم في الخارج ، طبعاً الذي يُنفق في السراء والضراء فهذا يعني أنه مُصَلي .. صائم .. متربي على التعبد الشرعي .. القرآن ذَكَرَ الأثر ، وتركَ ذِكْرَ المؤثِّر ﴿ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ – آل عمران ١٣٤ ﴾ الإنفاق في حالة اليسر قد لا يُعدُّ منقبةً ، فالذي عندهُ فائض من الأموال يدفع قسما من أمواله الفائضة في سبيل الله ، لهذا فالإنسان المخمس عليهِ أن لا ينظر إلى عملهِ نظرة إكبار و إعجاب ؛ فهو – في حقيقة الأمر – يضع في جيبهِ أربعة أخماس الأرباح ، ويُقدمُ خمسَ أرباحه لله عزوجل وللرسول (ص) ، فليس هذا من العمل الذي يُثير العُجب في الإنسان ﴿ وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ – المؤمنون ٦٠ ﴾ يخافون من سوء الحساب يوم القيامة . البعض يستفيد استفادة قرآنية طريفة : أن معنى الإنفاق في السراء والضراء أن الإنفاق في الضراء يدل على مجاهدة النفس والمعاندة لها . نخرج بدرسٍ عام أن أفضلَ الأعمال أحمزُها أثقلها على النفس ﴿ وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا – العنكبوت ٦٩ ﴾.. وأن كُلُّ عمل .. إنفاق .. زكاة.. صلاة .. جهاد .. ما دامَ مقترنا بمجاهدة النفس ممكن أن يُعطى لهُ وزنٌ عندَ الله عزَ وجل .

ثانيا : الصفة الاجتماعية ﴿ وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ – آل عمران ١٣٤﴾ غريبٌ أن القرآنُ في مقام بيان وصف المتقين يذكر وظيفة مالية ، وذكر وظيفة اجتماعية ، هكذا أراد الإسلام أن تكون التقوى وأن يكون المتقي إنسان في مسيرة حياته .. في حركتهِ .. في تعاملهِ مع نفسهِ والناس .. يعيش حالة التقوى .. وبذلك الإسلام ضربَ بالشمع الأحمر على كُلِّ مفهومٍ انحرافي للتقوى والزهد ، الذي تحولَّ إلى تصومع وإلى تقوقع في بعض الأديان المنحرفة كالنصرانية التي حُرِّفت عن مسيرتها .

أو تعلمون ما كظم الغيظ ؟.. يقال فلان كظمَ القِربة بمعنى مسكها من رأسها ، في القِربة ماء أو أي شيء أخر ، إذا مَسَكَ القِربة من رأسها لا يخرج شيء من رأسها ، حتى لو كانَ الماء الذي فيها آسنٌ .. متعفنٌ .. يبقى هذا التعفن في جوف القربة .

الإنسان المؤمن قد يعيش حالة الغليان .. الغيظ .. الحسد .. الحقد .. و لكنه يكظم غيظه كالقربة يمسكها من رأسها ، وهذه هي الواقعية في الدين . الإنسان قد لا يتوفق أن يجتث جذور الفتنة من نفسه ، قد يعيش حالات سلبية من الشهوة والغضب وسوء الظنِّ والخطورات القبيحة ، لا ضير في ذلك .. الإسلام يقول : لا تيأس ، ولكن ضع يدك على نفسك ، كما تضع يدك على القربة لئلا تفوح منها الروائح الخبيثة !!..

و كظم الغيظ يختلف عن الغضب ، الغضب : عبارة عن حال إرادة تنفيذ الغضب ، ولكن الغيظ : عبارة عن حالة من الهيجان الداخلي ، ولهذا القرآن الكريم يصف الله عزَ وجل بالغضب ، ولا يصفهُ بالغيظ ﴿ غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم – المجادلة ١٤ ﴾ أما الغيظ ليس من صفات الله عز وجل . و شهر رمضان شهر العفو .. شهر المغفرة .

إخواني ، من آداب الشهر الكريم أن يطلب الإنسان براءة الذمة ، الإنسان إذا تقدم بالمعذرة بالاستحلال بتطييب النفوس قبل شهر رمضان قد يُحمل على التذلل .. قد يُحمل على الحاجة والمسكنة .. أما في شهر رمضان عندما تتقدم إلى أخيك .. إلى من بينكَ وبينهُ عداوة .. لا يحملها على التذلل .. إنما يحملها على سماحة هذا الشهر المبارك ..

ثالثا : ﴿ وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ – آل عمران ١٣٥ ﴾ هذه الآية هي بيت القصيد ، حقيقةً هي آيةٌ غريبة ، وهي من أرجى الآيات في القرآن الكريم .. فاسْتبشِروا !! .. و لنستبشر نحنُ العصاة الذينَ نرتكب الفواحش .. لنستبشر بأننا في طريق التقوى .. الله عزَوجل لم يغلق عليكَ الأبواب . في هذهِ الآية القرآن يقول : ﴿ فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ﴾ ، لماذا تغيَّر التعبير ؟.. لماذا لم يقل أذنبوا ؟.. لماذا لم يقل عصوا ؟.. إنما قال : ﴿ فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ﴾.. الإجابة : هذهِ المقابلة تعني أن المراد بالفاحشة هنا الزنا ، وأنتم تعلمون موقع الزنا في حياة الإنسان ﴿ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً – الفرقان ٦٨ ﴾ ﴿ يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ – الفرقان ٦٩ ﴾ ولكن القرآن يقول : المتقي إذا زنا في يومٍ من الأيام – و الزنا قمة ٌفي الذنوب ، هنالكَ زنا النظر .. هنالك زنا الكلام .. هنالك زنا السمع – يعود إلى الله عزَ وجل : ﴿ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ – آل عمران ١٣٥ ﴾ هكذا أراد الله عزَّوجل أن يفتح باب الإنابة والتوبة حتى لمن ارتكب الفاحشة أو لمن ظلم نفسه ، والبعضُ قال : إنَّ المراد هنا بالفاحشة الذنوب الكبيرة ، وظلموا أنفسهم الذنوب الصغيرة .

ملاحظة : ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم : ذكر الله عمق قلبي ، القلب يذكر الله عزوجل فيستغفر ، إذا لم تذكر الله عزوجل بقلبك ، إذا لم يعش قلبك حالة من الإنابة ، فهذا الاستغفار لا قيمة له … هذا الاستغفار اللفظي والقلبي والعزمي إنما لهُ أثر إذا كان منبعثاً عن ذكر الله عزوجل .

﴿ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ – آل عمران ١٣٥﴾ يا بني آدم .. أيها العصاة .. يامن ارتكبتم الفواحش .. يامن ظلمتم أنفسكم .. بابَ من تطرقون إلا الله سبحانهُ وتعالى ؟؟.. الله حصر التوبة لنفسهِ ؛ ليتوجه الجميع إليهِ جل جلاله وعمَّ نواله ..

ولكن الآية تختم بشرط صعب :

رابعا : ﴿ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ – آل عمران ١٣٥ ﴾ نعم ارتكبت الفاحشة .. ارتكبت ما ظلمت به نفسك .. ولكن إياكَ أن تصر على ذلك !!.. إذ ( لا كبيرةَ مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار ) وقد قلنا إياكم والذنوب الرخيصة ، هنالك بعض الذنوب – واقعاً – رخيصة جداً لا تستحق أن يُدْخِل الإنسانُ بها نفسهُ نارَ جهنم ..

جزاء المتقين

ما هو جزاء هؤلاء المتقين ؟ .. ﴿ أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ – آل عمران ١٣٦ ﴾ هذا جزاء المتقين و أزيدكم بشارة ، قيل في ِشأن نزول هذهِ الآية ﴿ وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً ﴾ قصة تقشعر منها الجلود .. وهي قصة بهلول النبَّاش التي تثير في الإنسان حالة الأذى .. وحالة التعجب .. فهذا الإنسان يعيش مع رسول الله (ص) في المدينة ، و رغم ذلك نجد أن الشيطان يركبهُ إلى مستوى غريب !!.. كانَ ينبش القبور ليستخرج الأكفان ليبيعها في السوق .. فنبش قبر إحدى بنات الأنصار .. أخرجها من قبرها .. نزع أكفانها ليستلب ذلك الكفن .. وكانت بيضاء جميلة .. سوَّل لهُ الشيطان .. فزنا بها !!.. بعدها ندم .. وجاءَ إلى نبي الرحمة (ص) .. فردهُ النبي (ص) .. طبعاً رد النبي لحكمةٍ ، فاعتزل الناس .. و انقطع عنهم .. أخذ يتعبد ويتبتل في بعض جبال المدينة ، حالته شبيهة بحالة أبي لبابة ، ولكن بهلول النبَّاش خرجَ من المدينة إلى أن قَبِل اللهُ توبتهُ .. و نزلت فيهِ هذهِ الآيات .. بهلول النباش الذي عمل ما عمل جُعل مصداقاً لهذهِ الآية ! .. فكيف بنا أنا وأنت الذين دونَ ذلكَ بمراحل ودرجات ! .. أليست هذه بُشرى لكم جميعاً إن الشهر شهر المغفرة ، إياكَ أن تيأس من روح الله عز وجل ..

روي في المجالس عن مولانا الصادق (ع) قال : عندما نزلت هذهِ الآية ﴿ وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ – آل عمران ١٣٥ ﴾ الذي علم أبعاد هذه الآية الشيطان الذي يتربص الدوائر ببني آدم ، صعد إبليس جبلاً بمكة يقال لهُ جبل ثور فصرخَ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه بصيحة واحدة .. اجتمعت العفاريت بينَ يدي رئيسهم الشيطان … قالوا : يا سيدنا لم تدعونا ؟.. قال : نزلت هذهِ الآية فمن لها ؟.. إن القرآن بشر أصحاب الفواحش بأن الله سيغفر لهم ، ماذا أعمل مع هذهِ الآية ؟ فقام عفريت من الشياطين فقال : أنا لها بكذا وكذا ، فقال : لست لها .. فقام آخر فقال مثل ذاك فقال : لستَ لها ، فقال الوسواس الخناس : أنا لها ، قال : بماذا ؟.. قال : أعِدُهم وأُمَنِّيْهم حتى يواقعوا الخطيئة ، فإذا واقعوها أنسيتهم الاستغفار ، فقال : أنتَ لها .. فوكَّلهُ بها إلى يوم القيامة !! ﴿ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً – النساء ١٢٠ ﴾ . يسَوِّفُ لك فإذا وقعتَ أنساكَ الاستغفار ، إذاً الشيطانُ نجاحهُ مرهونٌ بأمرين : ١ .الوسوسة ٢. إنساء الاستغفار ﴿ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ – الأعراف ٢٠١ ﴾

القسم الثاني : ملاحظات سريعة حول الصيام :

١. هل يقدم الإنسان الصلاة على الإفطار أو الإفطار على الصلاة ؟
بلا شك ، أن تأخير الإفطار على الصلاة هو أفضل إلا لأحد رجلين : الأول: رجلٌ دُعي إلى مائدة قوم ينتظرون – وهنا تأتي أهمية احترام المواعيد ، و الإسلام يقول : أجب دعوة أخيك المؤمن ، وسارع إليه على حساب صلاتك ، ما دام هنالك من ينتظر فيتأذى بهذا الانتظار عليكَ أن تسارع ، والثاني : إذا كانت نفسُك تحدثُك بالطعامِ والشراب .. فتصلي وأنتَ تفكر بالماء ، طبعاً هذهِ الصلاة صلاة لا يمكن أن تكون مقَرِّبةً لك ، أما من ليس لهُ قومٌ ينتظرونهُ ، و لا تحدثه نفسهُ بالطعام ، لِيقدم الصلاة ، فالأَوْلَى صلاة أول الوقت .

٢. الإشفاق غير الشرعي على الأبناء : أيضاً بالنسبة إلى الأطفال المراهقين ، أو بعض البالغين ، خاصة في موضوع البنات حيث تبلغ البنت في التاسعة ، بعض الأمهات والآباء يُشفقن عليهن شفقة غير شرعية ، فيجبرون الأطفال على الإفطار ، ويأتينا بعض كبار السن يسألون : ما كفارة ما أفطرناه في أيام أول البلوغ ؟ أقول لهم : أنت ما دمتَ تعلم أن الصومَ كانَ واجباً عليك وإن أفطرتَ بتحريكٍ من الأهل أو ما شابه ذلك عليكَ أن تدفعَ الكفارة الكبرى إطعام ستين مسكين عن كل يوم ، ما دمت تعلم أن هنالكَ واجبا ، ولم تكن معذوراً في ترك الصيام . أضف إلى ذلك لا يصل الأمر بالولد بعد وفاة الأب أو الأم أو كليهما أن يعيش في نفسهِ حالة الأذى ، أو الدعاء بعدم الخير إذا كانا سبباً في تركِ الصوم .

٣ . تدريب الأطفال على الصيام : عوِّدوا أولادكم على الصيام إلى الزوال .. إلى العصر .. ساعات من النهار قبل البلوغ ليعيش حالة الاعتياد ، وهكذا بالنسبة للحجاب أرى بعض بنات المؤمنين قبل البلوغ بأشهر وإذا هي سافرةٌ ، وبثياب فاضحة ، والحال أنه بعد شهر أو شهرين البنت تدخل عالم البلوغ ، فعلى الأبوين أن يعودا أولادهما على هذهِ التكاليف الشرعية كالصلاةِ والصيام والحجاب وغير ذلك .

٤ سوء الخلق في شهر رمضان : في شهر رمضان البعض يسوء خلقهم ، وخاصة في النهار ، يتكلم بحدة وشدة ، وعندما تعترض عليه يقول : إني صائم و هذا من آثار الصوم !!.. و في الحقيقة إن للصوم أثرٌ عكسيٌ ، وقد ذكر اللهُ عزَّوجل أن من أفضل أعمال هذا الشهر حُسن الخُلق والورع عن محارم الله ، و الذي يعيش سوء الخلق كأنهُ مُكره على الصيام .. و سوء الخلق في شهر رمضان ، وخاصة في النهار من علامات عدم دخول شهر الصيام حق الدخول . إذاً علينا أن نلاحظ هذهِ الناحية ، إمرأة تتعب في إعداد الطعام من الصباحِ إلى الليل ، لم تنم لا القيلولة ولا بعد القيلولة ، ويأتي الرجل المرتاح المستيقظ عندَ الإفطار ويعترض على قلة الملح في الطعامِ أو ما شاب ذلك . حقيقةً من الظلم الفادح أن يعيش الإنسان هذهِ الحالة مع النساء و حتى الخدم .

٥. الأعمال التي يُعتدُ بها : كذلك أعزائي من الأشياء التي يجب أن نلاحظها في شهر رمضان القيام بعمل معتد بهِ .. بعض الناس يدفعون زكاتهم .. يدفعون خمسهم .. ولكنه لا يدفع درهما زيادة على ذلك لا يشارك لا في مشروع و لا في بناء مسجد ولا في كفالة يتيم ، بل حتى في الواجب الشرعي يناقشكَ في الدرهم والدرهمين .. فما دامت النفوس مقبلة علينا أن نقوم بصدقة جارية تبقى لنا بعدَ وفاتنا ، ومع الأسف يوجد أيضاً عند البعض حالة من الاستفراد بالخير ، لماذا لايشترك الإنسان مع جماعة في مشروع خيري وإن لم يُنسب إليهِ ؟!..

٦. قراءة القرآن : كذلك من الأشياء التي ينبغي أن نلاحظها في شهر رمضان قراءة القرآن ، أنا أُلاحظ أن الإنسان ساعة الإقبال .. ساعة الشبع .. ساعة الارتياح .. والاسترخاء .. الانبساط .. عبِّر عنها بما شئت .. يصرفها في قراءة الصحف أو المسلسلات أو ما شابه ذلك ، بينما الساعة التي يعيش حالة النعاس .. والأذى .. والتعب .. والكسل .. يفتح القرآن ويُتمتم ببعض الآيات .. هذا في الواقع نوع من أنواع الوهن في قراءة القرآن ، لا يقرأ أحدكم القرآن وهمهُ أخر السورة ، وهمُّهُ آخر الجزء ، يتصفح متى يُنهي الختمة أو الجزء ؟.. اختاروا الأوقات المناسبة .. وزعوا الختمة أو الجزء على ساعات مختلفة من اليوم .. لا بأس بذلك ، كذلكَ الدعاء ، حيث يفتح دعاءً مؤثرا بليغا كدعاء أبي حمزة كدعاء السحر كدعاء كميل وإلم قراءة لاهية ليس فيها توجه ، إذاً علينا أن نختار للقرآن والدعاء الأوقات المناسبة التي يمكن أن نُقبل فيها .

٧. مجالس القرآن : من أعمال شهر رمضان المجالس ، ولطالما قلنا لإخواننا الأعزاء المجالس التي يُتلى فيها القرآن الكريم في بعض الأوقات تكونُ وبالاً على صاحبها ﴿ وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ – الأعراف ٢٠٤ ﴾ القرآن أجلُّ من أن يكون مَعْلَما من معالم البيوت ، و في الدواوين كعادة سنوية ينبغي أن تُقام ، من ألزَمَك بذلك ؟!.. إذا لم تُعطِ القرآنَ حقَّه أغلق البيت أو أغلق القرآن ، وأنا نصحت بعض القرَّاء بالمجالس إذا رأيتم هنالك حديثا لاغيا في المجلس اسكتوا ، اقرأ القرآن في جوفك إذا لم يكن هنالك مستمعٌ اقرأهُ لنفسك ، لماذا تقرأ القرآن في جَوٍّ لاهٍ أنت بقرأتكَ تُهين القرآن ، والذينَ بالمجلس هم كذلك ، افعل ذلك اعتراضاً واحتجاجاً ، اقرأ القرآن بأخفات فأذا سُئلت لماذا أخفَتَّ ؟.. قل لهم : اقرأ لمن ؟!.. اقرأ للجدار ؟!.. اقرأ للأطفال ؟! .. ينبغي علينا أن نوقر مجالس القرآن .. بل الإنسان في بعض الأوقات يستشكل الذهاب إلى هكذا مجالس ؛ حتى لا يتورط بهذا الموقف الحرج .إذاً هنالك أدب من آداب التلاوة ، علينا أن نحترم القرآن الكريم .. لو تكلم رئيس أو وزيرٌ كأنَ على رؤسهم الطير .. فإذاً هذهِ نقطة ينبغي أن نُلاحظها في شهر رمضان ..

٨. الزيارات : لابد أن تكون زيارات البيوت هادفة ، بعضُ الناس يُكرر زيارتَهُ لبيتٍ واحدٍ كل ليلة ساعة أو ساعتين ، لماذا لا توزع البيوت ؟.. ولكل بيت ساعة محدودة ، بحيث تجمع بين الثواب وبين الزيارة ، فتكون الزيارة هادفة ، وابدأوا بالأرحام ، بعض الناس يزور كل الأصدقاء والزملاء ورب العمل وما شابه ذلك ، ولكن أقرب الناس إليه .. أرحامهُ يُهمل زيارتهم في شهر رمضان . فإذا كانت الزيارة لوجه الله ، فانظر إلى ما يريدهُ الله منك ، من تُقدم ومن تُؤخر الأقربون أولى بالمعروف ولو عن طريق الاتصال لا الزيارة، تتفقد أحوال الأقربين والأرحام وخاصة ذوي الرحم الكاشح ، فإذا كان عندكَ رحمٌ وكاشحٌ ومعترضٌ وليسّت لهُ علاقة منسجمة معك عليكَ أن تُقدمهُ على الآخرين . ( معنى الكاشح الذي يُضمر لك العداوة أو القاطع لك )

٩ . حليَّة المأكل والمشرب : سوق المسلمين من إمارات الطهارة والحليَّة بلا شك ، ولكن هذهِ الأيام سوق المسلمين لم تعد كما كانت ، بعض الأحيان الإنسان يقطع بأن هذا حرام ، وفي أخرى تكون هنالك بدائل أقرب للحلِّية ، و نحنُ لا نحرم ما أحل الله عز وجل ، ولكن التوقي عن الشبهات أمرٌ جيدٌ ، و تطهير بطوننا من الحرام والشبهة أمرٌ جيدٌ أيضا ، و يمكن أن يطلب الإنسان من الله عز وجل وخاصة في شهر رمضان التوفيق لحلية الطعام واجتناب الحرام ، دقق في الطعام الذي تحب أن تأكل منه ، كذلك عند الذهاب إلى بعض البيوت ، إلى بعض الولائم علينا التدقيق ، ينبغي أن نلاحظ هذهِ الناحية ؛ نلاحظ الحلية في المأكل والمشرب طوال السنة وخاصة في شهر رمضان ..

١٠. رفعنا شعاراً دائماً في كُلِّ سنة أن يكون هذا الشهر أفضلُ شهرٍ مرَّ علينا ، بل لنحاول أن نقيس بينَ اليوم واليوم ، وليسَّ بينَ رمضان ورمضان المبارك فحسب ، كيف كان صيامي اليوم قياسا بالأمس ؟.. كيفَ كان وضع إحيائي البارحة ؟ .. كيفَ كان تفاعلي مع المجلس اتعاضاً وبكاءً ؟..ً وكيف هو تفاعلي اليوم .. إذاً هذهِ الأمور أيضاً نراقبها ، وبعد ذلك نُقَسِّم الشهر إلى ثلاثة أقسام العشرة الأولى .. الثانية .. الثالثة ، أيضاً في هذهِ الليالي قارن بين عشراتك ، حاول أن تكون العشرة الأخيرة أفضل العشرات ، كما كان النبي ( ص ) يتهيأ للعبادة في هذا الشهر المبارك وخاصة في الأيام الأخيرة منه .

هذهِ الملاحظات السريعة في هذا الشهر ، وعلى كُل من أراد المزيد فليخلو بنفسه .. يتأمل .. يبتكر أساليب جديدة في أن يجعل هذا الشهر خير شهر مر عليه ، وأخيراً نسأل الله عزَ وجل بحرمة محمدٍ وال محمد أن يفتح علينا أبواب رحمته ..

الخلاصة:

١. إن مفهوم التوبة إلى الله عزوجل له أحد هذه المصاديق : أن يكون من معصيةٍ إلى طاعة ، أو من بُعدٍ إلى قرب ، أو من قربٍ إلى قربٍ أشد ؛ ودرجات القرب إلى الله كثيرة .

٢. إن الإنسان إذا لم يتخذ أسلوب المسارعة في التوجه إلى الله عزَّوجل ، يُخشى عليه من أحد أمرين : أولا : أن تنقضَّ عليه الشياطين فيحولون بينهُ وبينَ الزُلفى إلى الله عزوجل ، ثانيا : أن لا يصل إلى الهدف في الوقت المناسب ؛ فيفاجئُه الموت وهو في درجةٍ غير عالية من درجات القربِ إلى الله عزَّوجل .

٣. من صفات المتقين : الصفة المالية : الإنفاق في السراء والضراء .. الصفة الاجتماعية : كظم الغيظ والعفو عن الناس .. الثالثة : الرجوع لله عند القيام بمعصية .. الرابعة : عدم الإصرار على الذنب ،

٤. الإنسان المؤمن قد يعيش حالة الغليان .. الغيظ .. الحسد .. الحقد .. و لكنه يكظم هذا الغيظ … وهذه هي الواقعية في ديننا .

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.