Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

إن المؤمن يوم الجمعة، يجدد عهدهُ وذكرهُ لولي أمره، ورد في الحديث الشريف: (لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها)، وفي رواية أخرى: (من مات ولم يعرف إمام زمانه، مات ميتة جاهلية).. فإذن، هو إمامنا الذي بهِ خرجنا عن ميتة الجاهلية، وهو الإمام الذي سنحشر تحتّ لوائهِ يوم القيامة.. في عرصات القيامة المؤمنون يفوجون كُلُّ فوج مع إمامٍ معاصرٍ لهم، نحنُ أيضاً نتشرف بأن نكون تحت لوائه، وهذا الكون تحت اللواء لهُ صورتان:
الصورة الأولى: كونٌ قهري.. يقولون: فلان كان معاصراً لإمام زمانه فلان، فيحشر تحتَّ لوائه، ولكن إمامهُ ساخطٌ عليه..
الصورة الثانية: كون اختياري.. وهناك إنسان يكونُ تحتَّ لوائهِ، وهو من السابقين إلى إرادته، والممتثلين لأوامره، والداعين إلى قضاء حوائجِ محبيه وشيعته..

لذا، فإنه من الضروري جداً أن نعرف وظائفنا في زمان الغيبة، النجاحُ في العمل فرعُ النجاح في المعرفة.. المعرفة أمر ضروري جداً، الذي يمشي على غير بصيرةٍ وهدى، لا تزيدهُ كثرة السير إلا بُعداً!.. والمصيبة أنه في زمان الغيبة من الممكن أن نفتري عليه، حيث أن هناك البعض يدعي الاتصال به، أو السفارة عنه.. لو ظهر الإمام في الملأ العام وقال: فلان مفترٍ كذاب؛ لانتهت المشكلة؛ ولكن رب العالمين لم يأذن لهُ بإظهار دعوتهِ صريحاً.. ومن هنا كَثُر الدجالون والكذابون، والذين ادعوا هذهِ الفرية الكبيرة؛ ربُ العالمين فضحهم في الدنيا قبل الآخرة.. إن الذي يدعي العلم الكثير هذا يفتضح؛ لأن هذه من صفات المعصوم.. والذي أيضاً يدعي الانتساب إلى ذلك الوجود المبارك انتساباً خاصاً، أيضاً يدخل في هذهِ الدائرة.. ولطالما ورد عن أئمة أهل البيت، وخصوصاً الإمام المهدي -عليه السلام- تكذيب الذينَ يدعون المشاهدة لهُ.. طبعاً المشاهدة كما وقعَ لكثير من المؤمنين؛ لا دليل على بطلانه.. ولكنَ الكلام في الانتساب الخاص.. دعوى الانتساب إليه دعوى خطيرة جداً، وما الداعي إلى ذلك؟.. أنت إذا أردت أن تعمل بما يرضيه، فاعمل بقول من جُعل حُجة بينك وبين الله، مراجع التقليد على تعددهم، نحن نعلم أن الأعلم الواقعي عند الله أعلم واحد، ولكن المجتهدين كثيرون كُلٌ يرى أنهُ هو الأعلم، ولا ضير في ذلك.

إن كلمات الإمام المهدي -عليه السلام- محدودة؛ ولكن لهُ كلماتهُ في زمان الغيبة الصُغرى، وعبر سفرائهِ الأربعة وصل إلينا ما وصل.. وهكذا بعضُ رسائلهِ إلى خواصِ من كان يرتضيه كالشيخ المفيد؛ وكفى لهُ فخراً أن يوجه لهُ الخطاب بالخصوص في زمان الغيبة!.. وهنالكَ الصحيفة المهدوية، كما هنالكَ الصحيفة السجادية، والصحيفة الصادقية.. كم من الجميل أن يلهج الإنسان بأدعيةٍ منسوبةٍ إلى إمام زمانه صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه!..

بعض ما نُقل عنه في زمان الغيبة، نحنُ لا نقول بأنها روايات قطعية، ونرجو أن يكون هذا المعنى معروفاً!.. هذهِ الروايات لأنها لا تستبطن حكماً إلزامياً؛ تحريمياً أو إيجابياً لا ضير في نقلها، فنحن لسنا في مقام الإفتاء.. المفتي لابدَّ أن يتقن دراسة: السند، والمتن، والتعارض، وغير ذلك.. أما في الرواية الأخلاقية، فإنه مجرد توفر احتمال الصدق فيها، فإن هذا المقدار يكفي لنقل الروايات.. حيث أن هناك ما يسمى التسامح في أدلة السُنن، لا مانع أبداً من أن ننقل رواية، ولو كانت ضعيفة مما يتصل بشؤون حياتنا العامة، وليس فيهاِ حكم شرعي.

إن من كلماتهِ -صلواتُ الله وسلامهُ عليه- في زمان الغيبة (ولو أنّ أشياعنا، وفّقهم الله لطاعته، على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم؛ لما تأخّر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجّلت لهم بالسعادة بمشاهدتنا).. كل كلمةٍ من كلمات أئمة أهل البيت -عليهم السلام- ترمزُ إلى قاعدة وترمزُ إلى حكمة.. هؤلاء معادن كلمات اللهِ عزَ وجل، هؤلاء تربية القرآن والنبي الأكرم، كلماتهم كلها متقنة ومصبوبة صباً محكماً.. (ولو أنّ أشياعنا) ما قال: أشياعي، الإمام -عليه السلام- يقول: الذين يتبعونا هؤلاء أشياعنا.. الإمام يمثل الأنبياء والأوصياء، فهو عندما يأتي، يأتي ليحيي آمال الأنبياء والمرسلين، هو الذي يحقق آمال: آدم، وإبراهيم الخليل، ونوح، وغيرهم من الأنبياء العظام.. ولهذا رب العالمين ادخرَّ نبياً من أنبيائه، وهو عيسى عليه السلام؛ أكثر الأنبياء اتباعاً في التأريخ؛ ليصلي في آخر الزمان خلف إمام زماننا صلوات اللهِ وسلامهُ عليه.. ولا عجب في ذلك!.. صحيح هو آخر الأوصياء، ولكن الذي يحمل علم القرآن الكريم وهو خاتم الكتب السماوية؛ أرقى ممن يحمل علم الإنجيل، وهو ما قبل القرآن جاءَ ليصدق النبي وكتابه.. الذي يحمل الرسالة الخاتمة، الذي يحمل أسرار الدين الحنيف وهو الإسلام؛ أرقى ممن يحمل أسرار الدين المنسوخ {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.. نعم، ثبت بذلك أن المهدي -صلوت الله وسلامه عليه- حاملٌ لعلم الكتاب الخاتم، وحاملٌ لعلوم الرسالة الخاتمة؛ فلا عجب أن يكونَ إماماً لنبي، هذا النبي نُسخَ دينه وهذا النبي نُسخَ كتابهُ.. فالإمام -عليه السلام- يجعل التابعَ لهُ تابعاً لرسالات الأنبياء جميعاً.

إن الإمام في كل فرصة وفي كل مناسبة يدعو لمحبيه، قال: (وفقهم الله لطاعته).. هذهِ حركة جميلة في المؤمن، أن يُكثر من الدعاء لنفسهِ ولغيره، وعلى رأس هذهِ الأدعية أن يطلب من الله -عز وجل- التوفيقَ لطاعتهِ.. يقول عليه السلام: (ولو أنّ أشياعنا، وفّقهم الله لطاعته، على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم؛ لما تأخّر عنهم اليمن بلقائنا).. صحيح أن من أسباب الغيبة، وطول الظهور؛ تكالب الأعداء عليكم.. صحيح وجود الظالمين من موانع الفرج.. ولكنَ الإمام في هذهِ الفقرة العتابية، يجعل من أسباب تأخير الظهور، اختلاف المنتسبين إليه صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه.. ففي زمان الغيبة ليس هُنالكَ أحد يُمثل العرش، وليس هنالك أحد يحتل لقب الناطق الرسمي باسم الله ورسوله.. والإنسان يحكم بالظواهر، له مُعطيات سياسية أو علمية أو غير ذلك، وآخر لهُ معطيات.. إذا اختلفا، لا بأس بذلك!.. ولكن المشكلة في الإصرار على الرأي!.. عندما يتكلم الإنسان في قضية اجتماعية، أو في قضية سياسية، أو في قضية تربوية؛ تراه يتكلم بملء فيه، وكأنهُ هو الحق الذي ما وراءهُ حق.. بأية معايير يتكلم: هل جاءه جبرائيل، هل اتصل بروح القدس؟.. قل: هذا رأيي والله العالم!..

أنظروا إلى مراجع التقليد -حفظهم الله جميعاً- ما من فتوى إلا وتذيل بتوقيع المجتهد وختم المجتهد، ولكن قبل التوقيع يكتب كلمتين، يُخلص بهما نفسه من أهوال القيامة، يقول فيهما: والله العالم؟.. مجتهد خبير وهو الذي أُعطي قلم الفتوى، والناس تقلدهُ؛ يتواضع ويقول: والله العالم!.. بعض المراجع عندما كان يجيب عن الفتوى، كانت ترتعش يده، يقول: أريد أن أكتب حكم الله -عز وجل- هذهِ دعوة كبيرة.. بينما يأتي إنسان ويقول: فلان على حق وفلان على باطل، هذا راجح وهذا مرجوح، هذا مؤمن وهذا فاسق.. من أين لكَ هذا العلم؟.. طبعاً ليس معنى ذلك أن نُعطل الأفكار والتحليلات، ولكن نتكلم بأدب.. القاعدة الشرعية تقول: لكَ الحق أن تقيّم فعل أخيك المؤمن بما تشاء، تقول مثلا: فلان أخطأ، أو فلان تجاوزَ المصلحة، أو لم يتقن صنع فعلهِ.. هذا كلهُ جائز، وليس هُنالك فتوى بتحريم هذا الكلام.. انظروا إلى كتب الرجال، الشيخ الطوسي وغيرهم من أعلام الطائفة، عندما يصل إلى الراوي يقول: هذا الراوي كان ينسى في كلامه، هذا الراوي كانَ فيهِ خلطٌ؛ كان فيه كذا وكذا.. وتارةً يقول: الراوي صادق، ولكن كانَ يُخطئ في النقل، أو كانَ كثير النسيان.. يقيّم الراوي، ولكن لا يفسقهُ، ويقول: الراوي فاسق، أو كاذب.. هذا دأبُ علمائنا طوال التأريخ.

فإذن، لا بأس أبداً بأن تقيّم الموقف، بأن تحلل الشخصية وآثار الشخصية.. أما أن تتعدى من الفعلِ إلى الذات، هنا النقطة الحمراء، هنا الخطورة!.. ولطالما يأتي الإنسان في عرصات القيامة وهو مفلس، روي أن رسول الله قال: (أتدرون من المفلس؟.. قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع!.. فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا.. فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته.. فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار)؛ أي يبقى مفلسا، نعم يأتي مؤمن متورط ويقول: يا رب، فلان اغتابني، فلان اتهمني بكذا وكذا، وأنا مفلس لا أرضى عنه إلا أن يُعطيني حجتهُ هذهِ السنة.. لماذا تورط نفسك بما لا جدوى منه؟.. وخصوصاً في بعض الأيام -كأيام الانتخابات وغير ذلك- كأن القلم مرفوع في هذهِ الأيام.. حلل المواقف، والآثار، وحلل النتائج، لا بأس في ذلك!.. ولكن أن تحكم على قلوب الناس، ربُ العالمين ما جعل باطن العبد إلا سراً بينَ يديه، نعم ومن أطلعه من أوليائه؛ النبي والوصي يعرفُ أسرار العباد، ولكن أنتَ لا تعرف نفسك ولا تعرف موقعك من الله ورسوله، فكيف تُعطي الدرجات للأشخاص؟.. المؤمن يتوقف عند الشبهات، حفظَ الله أحد العلماء الكبار من المراجع، يقول كلمة جيدة، يقول: من يجب لعنهُ العنوه، ومن يجب الترحم عليه ترحموا عليه، والمشكوك في أمرهم اجعلوهم في خانة الاحتياط: أي لا تمدح ولا تذم.

إن الإمام -عليه السلام- في هذا التوقيع الشريف يقول: (ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته)؛ أي نعم التزموا بخط الطاعة.. هنيئاً لمؤمن ينظر إلى قلبه، فلا يرى فيهِ غلا لأحد، لأن القلب إذا انشغل بالحقد والعداوة، هذا الإنسان يصلي يقول: الله أكبر!.. وإذا بالخصم أمام عينيه.. في عالم الصلاة الذي يأتي في بال المصلي شخصيتان: إما المحبوب: حُباً إنسانياً، أو حُباً شهوياً.. أو المبغوض؛ إذا بغضت إنسانا يأتيكَ رغمَ أنفك.. وإذا أحببت إنسانا أو إنسانة أيضاً تأتيك رغمَ أنفك.. هذهِ طبيعة القلوب، نعم رب العالمين هكذا يملأ القلب بما يتناسب مع فعل العبد، فالإنسان الذي ينظر إلى قلبهِ فلا يرى فيهِ شيئاً إلا الله، هنيئاً له!.. إن الله -تعالى- يقول: (أيّما عبد اطلعت على قلبه، فرأيت الغالب عليه التمسك بذكري؛ توليت سياسته، وكنت جليسه ومحادثه وأنيسه)؛ أي جزاء الذي يفرغ قلبه من كُل شاغل سواه، ربُ العالمين يُصبح مربياً له.. ربُ العالمين يتحول إلى محدث وجليس (يا إلهي الحقيق!.. يا ركني الوثيق!.. يا جاري اللصيق!.. يا موالاي الشفيق!.. يا رب البيت العتيق)!.. نحنُ أهملنا هذهِ المراتب، وحرمنا هذهِ المراتب لسوءِ اختيارنا.

فإذن هنيئاً لمؤمن ينظر إلى قلبهِ فيعيش مشاعر أهل الجنة، أهل الجنة عندما يدخلون الجنة ربُ العالمين ينزع ما في قلوبهم من غلٍّ.. لأنه لو بقي هذا الغل؛ فإن الإنسان لن يتهنأ لا بالجنة ولا بالحور!.. الإنسان الحسود إنسان سخيف وسفيه، إنسان يحرق نفسهُ في مقابل نعمة الآخرين، يقول الشاعر:

صبرك على الحسود فإن صبرك قاتله ** كالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله

يقول في هذهِ التوقيع المبارك: (لما تأخّر عنهم اليمن بلقائنا).. إن تاريخ الغيبة أشبهُ ما يكون بسلة العملات الأجنبية، هذهِ الأيام بعض العملات عملات ترتفع يوماً وتنزل يوماً، ما المشكلة أن يكون تاريخ الغيبة في علم الله -عز وجل- تاريخاً متأرجحاً؛ بمعنى أن الله -عز وجل- قدر الظهور في تلكَ السنة، ولكن لذنوب البعض، وتقاعس البعض؛ تأجل هذا التأريخ.. فبني إسرائيل كُتبَ لهم النجاة، ولكن بعد سنوات طويلة، بفعلهم الإيجابي؛ نعم كانت لهم حركات إيجابية أيضاً، رب العالمين قدمَّ النصرَ لهم.. ممكن لرب العالمين أن يعجل فرجَ وليهِ مئة سنة، أو خمسين، أو عشر سنوات، أو سنة واحدة؛ ببركات دعوة مؤمن أو مؤمنة.. مؤمن متشبث بأذيال الكعبة، وهو بثياب الإحرام، ودموعهُ تجري على خديه ويقول: (يا رب، عجل لوليك الفرج) من كُل وجوده.. يأتي النداء الإلهي لوليهِ المهدي: يا أبا صالح المهدي، قدمنا من فرجك سنةً كاملة لدعوة فلان المتشبث بأستار الكعبة.. يا تُرى إمامنا بم يدعو لهُ، هذا الذي صار سبباً لفرجهِ سنة، أو سنتين، أو عشرة، أو عشرين؟.. وما ذلكَ على الله بعزيز، خزائنهُ بينَ الكافِ والنون.

(ولتعجّلت لهم بالسعادة بمشاهدتنا).. هذهِ الكلمات من الإمام شبيهه بالمقتل، كيفَ أن المقتل يثير البكاء والحزن، فإن عتابيات المهدي -صلواتُ اللهِ وسلامهُ عليه- حقيقةً تُدمي القلوب.. طبعاً القلوب المحبة؛ مثلا: لو تأتيك رسالة من ابنك وهو في بلاد الغرب، وهو يشكو بعض ما هو فيه.. فإن الأم عندما تقرأ الرسالة تبكي لحال ولدها عندما يشكو أمرهُ.. إمامنا -صلوات الله وسلامه عليه- يشكو أمرهُ.. يقول: (فما يحبسنا عنهم إلاّ ما يتّصل بنا ممّا نكرهه ولا تؤثره منهم)، بعض الناس هذهِ الأيام قد يسمع الأخبار المحزنة التي تجري على المسلمين، ولا يتأوه أبداً.. بينما المؤمن موجود حساس، على الأقل سل الله الفرج، كلما رأيت خبراً مزعجاً.. رب العالمين رأى مقتولاً قبل آلاف السنين وهو هابيل، فخلد ذكرهُ لأنه قُتل مظلوماً.. فكيفَ بإنسان يقتل في بيتٍ من بيوت الله، في مشاهد أئمة أهل البيت.. وكيف إذا رأيت في كل ساعة، وفي كل دقيقة شريطاً إخبارياً مزعجاً؟!.. الإمام -عليه السلام- هكذا وضعه؛ يقول: (يتّصل بنا ممّا نكرهه).. أحدنا لو يرتكب في كل يوم ذنباً واحداً، يكون هناك أخبار مزعجة بعدد الموالين.. والإمام -عليه السلام- يحمل همَ المستضعفين جميعاً، نقرأ في دعاء العهد: (وناصراً لمن لا يجدُ لهُ ناصراً غيرك)، نعم الذي هو مستضعف على وجه الأرض، يدخل في خانةِ اهتماماته (صلوات الله وسلامه عليه).

إن على المؤمن أن يعيش مشاعر الإمام في زمان الغيبة.. تصور أن هناك ظالما غاشما طاغية، احتل بيتك وأخرجك من المنزل، وحبس أهلكَ وعيالك، وتسلطَ عليهم، وصار أباً غشوماً.. وأنت ساكن خارج المنزل، تنظر إلى بيتك المحتل، وتنظر إلى أهلك وهم ينظرون إليك ويستغيثونَ بك، يقولون: أبتاه!.. أنقذنا من شر هذا الظالم!.. ماذا سيجري عليك؛ وكل صباحٍ ومساء تسمعُ بكاء وأنين زوجتكَ وأولادك، والظالم يتحكم بهم يضربهم بالسياط، وتسمع التأوه والأنين وأنتَ مغلول اليدين!.. تصور ماذا سيجري عليك!.. أو تعلم أن حال إمام زمانك في كُلِّ عصر حال هكذا إنسان، الأرضُ بيد غيره، الفاسدون يعيثون في الأرض فساداً.. ونحنُ كلما امتد بنا الزمان، كلما امتد الظلم والجور.. إذن الأرض ليست بيده، وأنصارهُ وأعوانهُ يستغيثون به.. ولا يستبعد أن بعض من يقتل في طاعة الله عز وجل؛ وهو ينزف دماً، ويعلم أنهُ سيموت بعضَ لحظات؛ طبيعي في اللحظات الأخيرة من أنفاسهِ يستغيث بإمام زمانه.. وهو يسمع ويرى؛ ولكنهُ مكتوف اليدين ينتظرُ فرجهُ.. هذا حالهُ في زمان الغيبة، هنيئاً لمن شاطرهُ همهُ وغمه!..

الخلاصة:

١- في عرصات القيامة يفوّج المؤمنون كل فوج تحت لواء إمام زمانه فهذا التفويج إما أن يكون قهريا لمن يحشر تحت لواء إمامه وهو عنه ساخط، وإما أن يكون اختياريا للذين كانوا سابقين إلى إرادته وممتثلين لأوامره، والداعين إلى قضاء حوائج محبيه وشيعته.
٢- إنه من الضروري جدا أن نعرف وظائفنا في زمن الغيبة فالذي يمشي على غير هدى لا تزيده كثرة السير إلاّ بعدا.
٣- إن الإمام –عج- في كل فرصة ومناسبة يدعو لنفسه ومحبيه، وهذه حركة جميلة من المؤمن أن يكثر من الدعاء لنفسه ولغيره وعلى رأس هذه الأدعية أن يطلب من الله جل وعلا التوفيق إلى طاعته.
٤- أن من أسباب طول الغيبة وتأخير الظهور ليس فقط تكالب الأعداء، بل أيضا اختلاف المنتسبين إليه صلوات الله وسلامه عليه.
٥- إن المؤمن يتوقف عند الشبهات فلا يعطي الدرجات للأشخاص، لأن الله جل وعلا ما جعل باطن العبد إلاّ سرا بين يديه.
٦- أن رب العالمين يملأ قلب العبد بما يتناسب مع فعله، فالإنسان الذي ينظر إلى قلبه فلا يرى فيه شيئا إلاّ الله، هنيئا له.
٧- أن المؤمن موجود حساس لذا سل الله الفرج كلما رأيت خبرا مزعجا من الأخبار المحزنة التي تجري على المسلمين.
٨- على المؤمن أن يعيش مشاعر إمامه في زمان غيبته، فالأرض ليست بيده وأنصاره وأعوانه يستغيثون به ولكنه مكتوف اليدين ينتظر فرجه، فهنيئا لمن شاطره همّه وغمه.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.