Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

إن هنالك مسألتين من المسائل التي وقع النزاع عليها بين فرق المسلمين.. والمسألتان، وإن كانتا مختلفتين بحسب الظاهر، إلا أن مردهما إلى سبب واحد وإلى أمر واحد.. المسألتان هما:

أولا: مشروعية قول: (آمين) بعد سورة الحمد.. إن البعض يشدد الميم، وهذا خطأ شائع؛ لأن كلمة (آمّين) معناها قاصدين.. و(آمين) هنا يعني استجب لنا يا رب، فيراد بكلمة آمين طلب الإستجابة.

ثانيا: وهناك سؤال خاص بالنسبة إلى الصلاة المستحبة، التي تصلى جماعة.. فالبعض يصلي الصلوات الإفرادية جماعة، وهي ما تسمى هذه الأيام بصلاة التراويح، في شهر رمضان المبارك.

إن العالم المنقب، والباحث الأكاديمي، والإنسان المثقف، عندما يريد أن يدرس مسألة، لا بد وأن يفرغ ذهنه من كل حكم مسبق.. وإلا، لما سمي باحثا، وهذا مفروغ منه حتى في العلوم الطبيعية.

إن العبادات مسألة توقيفية، أي أنه لو أجزنا لأنفسنا أن نُعمل نظرنا في العبادات: واجبة ومستحبة، فردية واجتماعية؛ لخرج الدين عن كونه دينا.. وهذا ما عمله اليهود والنصارى، إلى أن انتهى أمرهم إلى دين محرّف.. لأن الأحبار والرهبان، الذين استلموا القيادة الفكرية في هاتين الديانتين، خرجوا عن منهج السماء.. وكما هو معلوم بأن الفارق بين الدين وغير الدين، وبين الحلال وبين الحرام شعرة واحدة.. فمثلا: الربا قاصمة للظهر، والبيع يبارك الله فيه.. فالكاسب حبيب الله، والمرابي عدو الله.. والفرق بينهما صياغة فقط، فالإنسان قد يشتري نقدا، ويبيع قسطا، وقد يربح ربحا يربحه المرابي.. ففي مقام العمل النتيجة هي هي، ولكن هنا بيع وهنا ربا.. ولهذا قال القرآن الكريم: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا}؛ ولكن الفارق أنه أحل الله البيع، وحرم الربا.

فإذن، إن العبادات توقيفية، تأتي من السماء، ولا حق للبشر أن يتلاعبوا في العبادة.. فمثلا: القنوت في الركعة الثانية بعد السورة، جعله الشارع  مشرعا، ثم قال: ادعُ بما شئت!.. أي بإمكانك أن تدعو بالمأثور، أو تدعو بما تشاء.. فإذا طبقنا الكليات الشرعية، واخترعنا المصاديق، فهذا أمر سائغ.. أما إذا كان الأمر في أساسه لم يأمر به الشارع؛ فعليه يكون الأمر من البدع المستحدثة، التي لا يرضى بها الشارع المقدس.

وكذلك يلاحظ في فقه التأريخ، أن النبي (ص) لم يصلِّ في حياته، صلاة مستحبة في جماعة من المسلمين.. ولم يصدر من النبي (ص) حديثا واحدا في كتب الفريقين، تدل من بعيد أو من قريب، على أن الصلاة جماعة في المستحبة أمر مشرع.. وكان هذا مختمرا في ذهنية الصحابة، وفي زمان الخليفة الأول أيضا، لم يعهد أن المسلمين صلوا صلاة مستحبة جماعة.. وعليه، فإن معنى ذلك: أن هذه الحركة لم يأذن بها الشارع في أصله، فليس لنا أن نعمل بذلك، وإن كانت حسنة وجميلة وفيها منافع.. فإذا دخل الاستحسان، والتذوق، والترجيح العقلي والاجتماعي في الدين؛ فمعنى ذلك أنه هذه الأيام، أيضا يجب أن نحلل الربا، ومن دون استهجان.. لأن الربا أمر مستساغ في الحركات البنكية، والحياة قائمة على أساس الربا في شرق الأرض وغربها.. فهل لنا أن نقول بأن الأمر كذلك؟!..

وبالتالي، فإن كلمة (آمين) والصلاة المستحبة جماعة، بما أن الشارع المقدس لم يأذن بها؛ فإنها تدخل في عمومات المستحدثات.. ونحن نعلم أن البدعة أمر غير حسن، ولا فرق في ذلك بين بدعة وأخرى، لكي نقول: أن هذه بدعة سيئة، وهذه بدعة حسنة!.. فعلينا في كل شؤون حياتنا؛ في المستحب والواجب، وفي التلاوة، وفي العمل الفردي والاجتماعي.. لا بد وأن نتقيد بما أمرنا به الشارع المقدس.

وقد كان أئمتنا -عليهم السلام- كثيرا ما ينكرون هذه الحركات الاستحسانية والقياسية؛ لأن شعارهم كان: (أن الدين إذا قيس محق).. وكما هو معلوم أن أول من قاس هو إبليس، {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}.. أي بما أن النار وجود مشعٌّ ومحرقٌ ومنيرٌ، والطين مظلمٌ في حدّ نفسه.. فأنا خير من آدم؛ ولهذا لم يسجد له.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.