Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

· إن عاقبة الإنسان -حسناً أو سوءاً- ليست بعملية فجائية، كما يعتقد البعض.. إذ لكل نهاية بداية، فالذي يبدأ مشواره الحياتي صحيحاً، بلا شك أنه سيضمن العاقبة الحسنة.. ومن المناسب هنا أن نورد بعض المقدمات الموجبة للنهاية السعيدة للإنسان:
* الحرص على نقاوة التكوين منذ انعقاد النطفة.. وذلك باختيار الزوجة الصالحة، والعمل بالمستحبات الواردة للحامل، وتجنب كل ما من شأنه تلويث الروح البشرية.
* السلوك المستقيم.. فالذي يضمن لنفسه الاستقامة في فترة فوران الشهوات -فترة المراهقة، ما دون سن الثامنة عشر- يضمن الاستقامة بعدها طوال حياته.. وقد عرض التاريخ لنا أمثلة كثيرة لهذا النموذج: كالحر الذي اكتسب الخلود بعدما كان يوشك على التهلكة، وذلك لحركة بسيطة قام بها، من الصلاة خلف إمام زمانه، واحترامه لمولاته فاطمة (ع).. وكذلك الرجل الكافر -في زمان النبي (ص)- الذي أنقذه سخاؤه من القتل، وأعقبه الدخول إلى الإسلام.
* عدم الغفلة، وملازمة ذكر الله في الساعات الحرجة، أو المميزة عند الإنسان.. ومن هنا وردت المستحبات في ليلة الزواج، فالذي يلتزم بما أراده الله منه في كل شؤونه الحياتية: في ساعات فرحه، وحزنه، وغضبه، وراحته.. سيضمن أيضاً تلك الساعة الحرجة عند الموت.
وقد ورد في الروايات أن الله ينظر لعبده في حالات، منها أن يكون نائماً مع زوجته فيذكر الصلاة ، فيقوم ويأتي المسجد، فالله تعالى شكور يشكر لعبده هذه الحركة الجهادية.. وكذلك الذي يغالب النعاس، ويقوم لصلاة الليل.. نعم، هذه المواقف الحرجة أيضاً تحدد مصير الإنسان آخر حياته.

· من المناسب أيضاً أن نذكر بعض التصرفات الخاطئة الشائعة بين الناس:
* اللجوء إلى الأساليب الظنية غير الحضارية.. مثل : قراءة الكف، أو الفنجان، أو ما شابه ذلك.
* الاستناد إلى الأوهام، واللجوء إلى السحرة والمشعوذين.. والحال أن الحل الصحيح -لمن يشتكي تغيراً في نفسه أو في الغير- هو أن يراجع سلوكياته، لعله هو السبب، واللجوء إلى مقلب القلوب والأبصار.
* الفهم الخاطئ لمسألة القضاء والقدر، واعتقاد الجبر.. تبعاً للحديث الشريف، الذي يقول فيه النبي (ص): (الشقي شقي في بطن أمه، والسعيد سعيد في بطن أمه).. في حين أن علم الله الأزلي بعواقب الأمور، لا ينافي أبداً مسؤولية العبد، وليس ذلك بجبر.. ولهذا جعل للمؤمن محطات مهمة لتغيير المقدرات: كليالي القدر، وليلة النصف من شعبان.. إذ يسأل ربه أن يمحو اسمه من ديوان الأشقياء، ويثبته في ديوان السعداء.
* التعويل على المنامات.. إن البعض قد يعوّل على المنامات، فإذا رأى مناماً مزعجاً يرتب عليه أثراً بليغاً، ويعيش حالة القلق.. بينما يفتروض به كتمان الأمر، وثم النظر إلى سلوكه: إن رأى موجباً لذلك، تنبه من غفلته.. وإلا قام بدفع الصدقة، وهي تدفع البلاء.

· إن من النماذج المخيفة لسوء العاقبة، ما ذكره القرآن الكريم عن (بلعم بن باعوراء) وهو رجل من بني إسرائيل، آتاه الله الآيات العظمى وكفر بها.. إذ يقول الله تعالى عنه في خطاب للنبي (ص): {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}.. وقد جاء في الروايات أن سبب هذه العاقبة السيئة، نيته لاستغلال الاسم الأعظم في الدعاء على رسول الله موسى (ع)؛ استجابة لطلب فرعون.. فأصبح يضرب به المثل.. قال الباقر (ع) في قوله تعالى {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا}: (الأصل في ذلك بلعم، ثم ضربه الله مثلاً لكلّ مؤثرٍ هواه على هدى الله من أهل القبلة).

· إن الخلاصة المستفادة من هذه القصة، هي أن نحسن استغلال ما لدينا من الهبات الإلهية، وخاصة المعنوية منها؛ لئلا تتحول إلى وبالٍ ونقمة علينا.. إذ بلا شك أن كل إنسان يحمل رصيداً من الملكات الطيبة، والبذور المعنوية، التي تحتاج إلى رعاية وحرص مستمر.. لتتجذر وتستقيم في النفس، وإلا فما الفائدة من تعريض النفس لمشقة العبادة: صوماً، وحجاً، وصلاة.. ومن ثم الركون إلى الهوى، واقتراف المحرمات؟!.. فقد ضاع الجهد، وذهب هباءً منثورا.. والله تعالى يشير إلى هذه الحقيقة، حيث يقول: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.. إن من المؤسف حقاً أن يصبح الإنسان -بعدما كان يحمل أعظم الهبات الإلهية (الاسم الأعظم)- كالكلب الذي يتخذ اللهاث حركة دائمة.. نعم، الإنسان قد يصل به الفجور والفسق إلى مرحلة الختم على القلب، وبعد ذلك يصبح ميت الأحياء، لا ينفع معه أي وعظ أو إرشاد، كما يقول تعالى: {وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ}.
وفي هذه تذكرة وعبرة لمن أراد أن يعتبر، {ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.

· إن المؤمن بأعماله التعبدية، وتقواه للمولى -جل وعلا- يرقى سلم التكامل.. وبالتالي، فإنه يظفر بالفوز والنجاة دنيا وآخرة.. بينما العبد العاصي بارتكابه للمحرمات، يكون في حال تسافل وتسافل، حتى يصل إلى حافة الهاوية، التي تورثه الندامة، وسوء العاقبة، ومن ثم الخسران الأبدي.. ولنا هنا وقفة حول هذه المراحل التسافلية للعبد العاصي:
* قساوة القلب: من المعلوم -تبعاً لما ورد في الروايات- أن الذنوب تورث قساوة القلب.. إذ يفقد صاحبها حالة التفاعل الشعوري، أثناء مجالس الذكر: الدعاء أو العزاء.
* عدم الميل للمستحبات: وهنا يفقد شهيته الباطنية للعبادة، فلا يرى ميلاً لصلاة الجماعة مثلاً، أو أنساً بتلاوة القرآن الكريم.. وهكذا في مجمل الأمور التعبدية.
* عدم الميل للواجبات: يحصل له حالة من التسيب في الواجبات؛ فينام عن صلاة الفجر مثلاً، ويتثاقل في صلاة الظهر.
* الميل للحرام: فيهوى الحرام في باطنة، ويتمنى لو أنه كان حلالاً.. ولا يجد في نفسه استنكاراً، أو قبحاً لمرتكبيه، بل على عكس ذلك، إذ يضع لهم التبريرات الواهية.
* الرغبة في ارتكاب الحرام: يتطور الأمر من الميل إلى الممارسة العملية، وارتكاب الصغائر، ومن ثم الكبائر.. وبهذا يحدث له احتراف في عالم الضلال والانحطاط ، {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}.
* نسيان التوبة: مما ينسيه التوبة، ويطفئ وميض النور في نفسه؛ ليعيش في بحر من الظلمات، ظلمات بعضها فوق بعض.
* الاستهتار: ويصل به الأمر إلى الاستهزاء ببعض الأحكام الشرعية، ورفضها.
* الانحراف العقائدي: حتى يصل -والعياذ بالله- إلى هذه المرحلة من الانتكاسة الخطيرة، فيكفر بالله ورسوله، {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون}.
وبلا شك في أن المتأمل في هذا السلم التسافلي، ممن يحمل هم نفسه؛ ستنتابه حالة الخوف من هكذا حالة، أجارنا الله تعالى منها!..

· من موجبات حسن العاقبة:
* مراقبة السلوك.. وترك الحرام -قدر الإمكان- بكل صوره، والاستغفار عند الوقوع في الحرام.. ومن المحطات الجيدة للاستغفار: الاستغفار بعد صلاة الفجر، والعصر سبعين مرة، وفي صلاة الليل، وعند رقة القلب، وعقيب الذنب مباشرة.
* الصدقات اليومية.. صباحاً ومساءاً، فإنها تدفع البلاء، ومن البلاء الوقوع في الذنب.
* ورد عن أمير المؤمنين (ع): (من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}و {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ}، قبل أن تطلع الشمس.. لم يصبه في ذلك اليوم ذنب، وإن جهد إبليس).
* المواظبة على تسبيحات الزهراء بعد كل فريضة، وخاصة بعد صلاة الفجر.
* الالتزام بالتعقيبات الأساسية بين الطلوعين، والاستعاذات الصباحية: (أصبحت اللهم معتصماً بذمامك المنيع، الذي لا يطاول ولا يحاول.. )، (أعيذ نفسي، وديني، وأهلي، ومالي، وولدي..) .
* تذكر الموت والقيامة.. لأنه يوجب الانزجار، والردع عن المحرمات، ويبعد عن الركون إلى الدنيا وشهواتها الفانية.. كان رسول الله (ص) كثيراً ما يوصي أصحابه بذكر الموت، فيقول: (أكثروا ذكر الموت!.. فإنّه هادم اللذات، حايل بينكم وبين الشهوات).
* ظهور صاحب الأمر (عج): إن حسن العاقبة، لا تقتصر على الفرد الواحد فقط، بل أيضاً هنالك حسن عاقبة للأمة، وهو بلا شك لا ولن يتحقق إلا بفرجه صلوات الله وسلامه عليه.. قال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}، {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.