Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

– إن المؤمن عندما يتلو كتاب الله -عزّ وجلّ- ويمرّ على قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}، فإن الإنسان يقول بلسان الحال أو بلسان المقال: لبيك اللهم لبيك!.. أي يا ربِّ، أنت تخاطبني الآن، ماذا تريد مني؟.. وعندما يسمع خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف المتقين، يرى نفسه معنياً بالخطاب.. إذا صار كذلك انقدحت عنده الهمة في أن يمتثل للأوامر الإلهية، والأوامر النبوية، وأوامر الأوصياء من عترة النبي وآله.

– إن حقيقة الأمر أننا ظلمنا أنفسنا كثيرا، ومن مصاديق ظلم النفس: أنه رأينا أنفسنا في إجازة طويلة من هذه المواصفات، وكأن أمير المؤمنين (ع) يخاطب عددا من المؤمنين في مسجد الكوفة، والنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) همّه تربية عدد من الأعراب وحديثي الإسلام في مسجد المدينة، وهكذا الإمام الصادق (عليه السلام) مع أبي بصير وجماعته.. وكأنما نحن قطعة منسلخة عن أمة النبي وآله، إن من معجزات النبي الأكرم، أنه حوّل هذه الأمة التي كانت تقوم بوأد البنات إلى خير أمة أخرجت للناس.. ولكن السؤال هنا: هل حوّل النبي الأمة بشكلٍ إعجازي، أي دعا في جوف الليل وقال: ياربّ العالمين، بقدرتك حوّل الجاهليين إلى قمة التقوى والإيمان؟.. لو كان الأمر كذلك؛ لما كان هناك مزية للمسلمين أولاً، وثانياً كان هذا خلاف سنة الأنبياء السلف، وثالثاً خلاف القرآن الكريم {سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}؛ أي يا رسول الله أنت {لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} عليك البلاغ، وعليك البيان.

– إن النبي الأكرم (ص) غيّر الأمة من خلال سنة الأنبياء، وهي الكلمة الطيبة، والموعظة الحسنة.. فالنبي (ص) جاء ليتمم مكارم الأخلاق.. السنة النبوية دخل عليها التحريف والزيادة والنقيصة، ولكن ما بال القرآن الكريم، هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. فأداة التغيير: هي الكلمة، والكتاب، والسنة، وهذا موجود بحذافيره.. لعلّ القرآن الكريم يتلى في هذه الأيام في بيوتنا أكثر مما كان يتلى في بيوت المسلمين في صدر الإسلام، حيث: الفضائيات، والإذاعات، والأصوات الجميلة، والمفسرون.. إنَّ الأمة لم تمرّ بزخم تبليغي إعلامي كهذا العصر، حيث أنه العصر الأكثر تنوعا في طرح أساليب التبليغ بأشكالها المختلفة.. فإذن أين العذر، وأين الحجة في تقاعسنا؟!..

– إننا نقرأ خطبة أمير المؤمنين (ع) في وصف المتقين (صحبوا الدنيا بأبدان، أرواحها معلقة بالمحل الأعلى) وكأنَّ هذا يختصّ بميثم وسلمان وغيرهم، وهذه أول خطوات الفشل.. يقولون في كتب الأخلاق: إنّ أول خطوة للخروج من عالم التسافل إلى عالم التعالي، من الملك إلى الملكوت، من حياة البهائم إلى حياة المَلك، أول خطوة هي: اليقظة؛ أي فتح العين، والاستيقاظ من النوم، ورؤية الواقع كما هو، والاشمئزاز من الوضع الموجود.. بمثابة إنسان كان نائما يرى كابوسا، فاستيقظ من نومه.

فإذن، إن الذي يريد أن يتكامل، فإن أول خطوة في هذا المجال هي أن يعترف بما هو عليه من النقص، اعترافاً يقض نومه، ويسلبه راحته.. عندما يزور الإنسان الإمام الرضا (عليه السلام)، فإنه أثناء الزيارة يناجي ربّ العالمين؛ لأن زيارات الأئمة (عليهم السلام) هي مزيج بين التوسل وبين المناجاة: لفتة إلى ربّ العالمين، ولفتة إلى وليه، يقول: (يا حجة اللّه، إن بيني وبين اللّه ذنوبا، قد أثقلت ظهري، ومنعتني من الرقاد، وذكرها يقلقل أحشائي)؛ أي هذه الذنوب نسيتها، ولكن عندما أتذكر الهفوات السابقة يسلب مني النوم، وتسلب مني الراحة.

-إن هناك هاجسا، هذا الهاجس إذا لم نستجب له من الآن، فسوف يكون هنالك حسرات في عالم البرزخ والقيامة.. لذا يجب أن نحاول أن نعيش هذا الجو من اليقظة التي عبّر عنها بـ(موتوا قبل أن تموتوا)؛ أي أن نعيش مراحل ما بعد الموت، ونحن في الحياة الدنيا.. وإلا فإن الناس كلهم في عالم البرزخ، يصبحون من أولياء الله.. إنَّ الناس كلهم أصحاب كشف وشهود في الدنيا، ألا يوصف البعض بأنهم يعيشون في عالم الكشف، أو عالم الشهود، أو رُفِع الغطاء عن بصرهم، ويرون بعين برزخية!.. ولكن الإنسان عندما يموت يقال له: {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}؛ أي يرى بقوة من الحدة، لا من الحديد.. ولكن المشكلة في كلمة اليوم لا في الأمس، ما الفائدة من هذا الكشف ومن هذا الشهود!.. اليوم دار عمل ولا حساب، وغدا دار حساب ولا عمل.

وعليه، فإن الإنسان عندما يسمع كلمة من معصوم -من النبي وآله- عليه أن يجعل نفسه بمثابة التلميذ.. أي يقول: يا رسول الله، أنا أريد أن أعمل بهذه التوصيات، أنا صادق في عملي بهذه التوصيات.. إن جعل نفسه في هذا المقام، يرجى أن تفتح له الأبواب.

– إن النبي (ص) يتكلم بجوامع الكلم يقول: (أيها الناس!.. إنه أقبل إليكم شهر رمضان بالبركة والرحمة والمغفرة).. إن اللغة العربية من معاجز البشرية، وهذه اللغة تحتمل معان غريبة وعجيبة.. والجميل أنّ أفضل من تكلم اللغة هم العرب، ومنهم عرب الجاهلية، فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو مجمع الحكم، كان يستشهد ببيت جاهلي.. وهذا شيء غريب وملفت؛ لأنهم في مقام العمل هم دون مستوى البشرية، ولكن من حيث الكلام والبيان والأدب في قمة البشرية: عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: (أصدق بيت قالته الشعراء: ألا كل شيء ما خلا الله باطل).. فالنبي الأكرم (ص) بُعِث في هذه الأمة، فكان لابدّ أن يجاري عرب الجاهلية في بلاغتهم بما لا يخطر ببالهم، وقد علّقوا على كلام النبي (ص) ووحيه، فقالوا: إنه ساحر يسحرنا ببيانه.

فـ(أقبل إليكم) هذه الكلمة تذكرنا بموقف مع فاطمة الزهراء (عليها السلام)، النبي (ص) عندما يقوم لاستقبال الزهراء (عليها السلام)، لا يسلم عليها فقط، ولا يقوم إجلالاً لها فقط.. فالنبي (ص) كان له موقف آخر، كلما دخلت فاطمة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قام إليها.. ما معنى قام إليها؟.. قام إليها بمعنى أنه قام وكأنه خطى إليها خطوات للإمام شوقاً إليها وحباً للقائها.. وشهر الله أقبل عليكم، والجلاد أيضاً يقبل عليكم.. ولكن الجلاد يقبل من أجل إقامة الحد، وليس فيه شوق، بل فيه كره وغضب.. وشهر الله أقبل عليكم، وكأنَّ هذا الشهر يقول بلسان حاله: أنا أريد أن أعطيكم بما لا يخطر ببالكم من المغفرة والرحمة.. الذي يشتاق إلى الشخص، لا يتوقع منه كثير عمل، وكثير ترحاب.. ووراء شهر رمضان ربّ العزة والجلال، وكأنه يريد أن يعطي الإنسان الشيء بأدنى مبرر.. في شهر رمضان ربّ العالمين يريد من الإنسان أقلّ مبرر؛ ليعطيه هذا العطاء العظيم.. في ليلة القدر كم هي الساعات المفيدة؟.. حيث أننا نقرأ دعاء الجوشن بطوله من دون إقبال، في ليلة القدر هناك ساعة ذهبية، هذه الساعة الذهبية قد تكون ثوان، عندما يرق فيها القلب وتجري فيها الدمعة، في هذه الثواني البسيطة ربّ العالمين يقول: نعم، أعطيك مزية أكثر من ثمانين سنة من العمر في لياليها وأيامها، ثمانون ليلة من الطاعة المتواصلة تعطى للإنسان.. أليس هذا من باب العطاء الذي لا حساب له؟!..

– إن هذا الشهر منسوب إلى الله -عزّ وجلّ-، فعالم الانتساب عالم له بحثه الطويل، الشيء إذا انتسب إلى شيء آخر، أعطاه المزية المهمة فيه.. عندما يفتح صنبور الماء على كأسٍ صغير، هذا الكأس كم يحمل من الماء؟.. يحمل من الماء القليل، قد يكون بمقدار فنجان قهوة، والماء من أهم خواصه: أنه طاهر ومطهِّر، هذا الماء يطهر إذا كان كرا، وإذا كان بحرا، وإذا كان نهراً، وإذا كان ماءً كثيراً.. عندما يفتح الإنسان الماء على فنجان قهوة، ويضع أصبعه الملطخ بالدم فيه ما لم يتغير اللون، ألا يعد الماء مطهِّراً؟!.. هذا الماء القليل الذي هو أقلّ من القليل، يتصل بماء الصنبور، وماء الصنبور يتصل بخزان الماء الكبير، والماء الكبير بنظام التقطير يتصل بماء البحر، وخاصية البحر انتقلت إلى هذا الفنجان الصغير.. هذا معنى الانتساب، الشيء إذا انتسب إلى من أعطاه الخاصية والنسبة؛ أخذ منه معظم خواصه، ورب العالمين، وما أدراك ما ربّ العالمين؟!..

فيك يا أعجوبة الكون *** غدا الفكر كليلا
كلمـا أقدم فكري *** فيك شبرا فر ميـلا

فسبحان من حارت لطائف الأوهام في بيداء كبريائه وعظمته!.. المعصوم يخاطب ربه قائلا: (إلهي!.. ما عبدناك حق عبادتك، وما عرفناك حق معرفتك).. النبي الأكرم (ص) عرف الله بمقدار بشريته، النبي الأعظم خاتم الأنبياء ما عرف الله كمعرفة الله بنفسه، النبي أرقى موجود بعد ربِّ العالمين، تحمّل العلم الإلهي؛ ولكنه عرف الله بمقدار بشريته.. ربّ العالمين عندما يضيف نفسه إلى شيء، يعطيه من خواص الربوبية بما يتحمله ذلك الشيء.. وشهر رمضان شهر تجلي الكرم الإلهي، الكرم الذي لا حدّ له.. شهر رمضان شهر تجلي الرحمة التي لا حدود لها، شهر تجلي المغفرة التي لا حدود لها.. ولهذا يقال: من لم يغفر له في شهر رمضان، فمتى يغفر له؟.. وعن أبي عبد الله (عليه السلام): (من لم يغفر له في شهر رمضان، لم يغفر له إلى قابل، إلاّ أن يشهد عرفة).

– إن رب العالمين عندما يشرّف شيئاً، هل هنالك خاصية مسبقة في ذلك الشيء؟.. أي هل حركة الأفلاك والكواكب في شهر رمضان، تختلف عن حركة الكواكب في شهر شوال؟!.. هل قمر شهر رمضان مقدس، يختلف عن شهر شوال وشهر شعبان.. أو أنّ القمر هو القمر، والشمس هي الشمس؟.. إن الحجر الأسود من الجنة، ولكن هل حجارة البيت أيضاً من الجنة؟.. إن المزية جاءت بعد المباركة الإلهية، والأشياء التي تمت عليها البركة على نحوين:

أولاً: قسم فيه شرافة ويزداد شرافة.. القرآن الكريم من القسم الأول، القرآن كتاب الله يجمع بين دفتيه آيات فيها حكم، آيات بليغة، وكلمات جميلة.. فإذن، الكتاب لو لم يكن كتاب الله -عز وجل- لكان كريماً، ولكان مباركاً؛ ولكن الله -عزّ وجلّ- زاد هذه الكلمات شرافة، فجعلها كتاباً له.. ومن هنا الفرق بين الحديث القدسي وبين القرآن الكريم: إن الحديث القدسي كلام منسوب إلى الله -عزّ وجل-، مثل: (الصوم لي، وأنا أجزي به).. هذا كلام الله -عزّ وجل- أي جزاؤه من ربّ العالمين.. فالحديث القدسي كلام الله، ولكن ليس بكتاب الله -عزّ وجل-.. بإمكان الإنسان أن يلمس كلام الحديث القدسي، وهو على غير وضوء؛ لأنه كلام الله، وليس بكتاب الله.

ثانياً: قسم ليس بشريف، ويحدث له الانتساب.. ولكن أغلب موارد التشريف لا شرافة فيها.. ربّ العالمين لحكمة هو يعلمها، شرفها ونظر إليها، مثل: حجارة الكعبة، وقميص يوسف.. فهذا القميص لم ينزل من العرش، وليس من خياطة وحياكة الملائكة؛ ولكن هذا القميص له خاصية الشفاء، ألقوه على وجه يعقوب فارتد بصيراً.. والتابوت الذي جعل فيه موسى (عليه السلام)، هذا التابوت تحمله الملائكة، وفيه سكينة؛ لماذا هذه الخاصية في هذا التابوت، رغم أن هذا الخشب ليس بخشب مقدس؟.. فإذن، إن الشيء إما هو شريف يزداد شرافة بالانتساب، أو أنه ليس بشريف ويحدث له الانتساب.

ما هي الثمرة العملية؟..

– إن خشبة مهد موسى، حملته الملائكة، وصارت فيه الطمأنينة؛ لأنه انتسب إلى الله -عزّ وجل-.. رب العالمين دمّر قوماً لأنهم قتلوا ناقة، ولكن هذه الناقة ناقة الله {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا}.. هذه الأيام بعض الظلمة يقتلون في ليل الآلاف، والله لا يحرك ساكنا، ولكن قوما قتلوا ناقة دمّر الله -عزّ وجل- عليهم البلاد.. إنَّ الشيء إذا انتسب إلى الله -عزّ وجلّ- أصبحت له بعض الخواص.

– إن المناجاة في محراب العبادة، تارة مع بكاء ونحيب، وتارة عبارة عن حديث مع الله -عزّ وجلّ-.. إن هذا النوع من المناجاة، أرقى من المناجاة المحرابية، نقول: نحن لا ندعي أنَّ نفوسنا من قبيل القرآن الكريم، فنفوسنا ليست فيها شرافة.. ولكن يا رب، اعتبر هذه النفوس كخشبة مهد موسى، أو كخيوط قميص يوسف.. يا ربَّ العالمين، اعتبر نفوسنا الليلة كأجزاء الناقة التي انتقمت من أجلها.. أي يا ربّ نفوسنا ليست شريفة، نفوسنا كباقي النفوس: جسم يتكاثر ويتناسل، وفي يوم من الأيام يلفّ في قماش ويودع في الأرض، ليتحول إلى حشرات في أعماقها.. يا ربّ العالمين، نحن على مشارف شهر رمضان، فالذي تعطيه لأوليائك في ليلة العيد، وفي ليلة القدر، وفي ليلة النصف.. أعطنا إياه هذه الليلة!..

– إن المؤمن بهذه الصيغة من المناجاة، يقول: يا ربّ، نفوسنا غير شريفة، نطلب منك أولاً أن تعطيها القابلية، ثم تعمل فيها الفاعلية.. هذه مناجاة فلسفية، لا تبكي؛ ولكنها مناجاة في الصميم.. أي يا ربّ، لا تقل لنا: أنكم لا تستحقون العطاء، نقول لك الليلة: هيئنا للعطاء ثم أعطنا العطاء.. وبعبارة أخرى: أنت تذهب للبحر وبيدك كأس من الماء، تقول: أيها البحر أعطني بحيرةً، البحر إذا أعطي اللسان فإنه سيقول: أنا مستعد، أنا عندي بحيرات وبحيرات، ولكن أنت لا تستأهل، جئتني بكأس، تضحك على نفسك، كيف تضع بحيرة في كأس؟!.. والمصيبة أن البعض يقول للبحر: أعطني بحيرة، وهو لا يملك حتى الكأس الصغير، يقول للبحر: أنت كريم تحمل في جوفك الدرر واليواقيت، وعلى ظهرك هذه الأعلام الشامخة، على كلٍّ أعطني إناءً كبيرا بطريقتك الخاصة، ثم اجعل البحيرة في إنائي، هذا هو الكرم!.. نقول: يا ربّ العالمين، صحيح نحن معترفون بعدم القابلية، لسان حالنا شباباً وكباراً: ويلي، هذه العبارة ليست خاصة بكبار السن، حتى الشاب لا بدّ أن يقول هذه العبارة في مناجاة الليل: (ويلي!.. كلما طال عمري، كثرت خطاياي ولم أبك.. أما آن لي أن استحي من ربي)؟!.. ذلك اللص الذي كان ينتقل من سطح إلى سطح، سمع قارئ القرآن يقول: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} وإذا به يقول: بلى، قد آن!.. فتحول إلى ولي من أولياء الله -عز وجلّ-.

فإذن، إن شهر الله شهر ينتسب لله -عزّ وجلّ-، هذا الشهر الذي لا فرق بينه وبين باقي الشهور، انتسب لله -عز وجل- فاكتسب المزايا، ويا لها من مزايا!.. أول خاصية لهذا الشهر، قبل المغفرة، وقبل ليالي القدر، وقبل العتق من النار؛ أنزل فيه القرآن.. شهر رمضان شهر القرآن الكريم، {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}، شهر رمضان لله -عز وجل- فجعل فيه ليلة القدر.. شهر رمضان تشرّف بالانتساب الإلهي، فجعل محطة لميلاد سبط النبي الأعظم الإمام المجتبى -صلوات الله وسلامه عليه- طوبى لمن تحولت نفسه إلى نفس إلهية، لأنه يصبح عبداً لله!.. وإذا أصبح عبداً، صار رسولاً.. ألا نقول في التشهد: وأشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله.

– إن مناجاة المحبين كلها خطاب لله عز وجل، (إلهي!.. فاجعلنا ممن اصطفيته لقربك وولايتك…. اللهم!.. اجعلنا ممن دأبهم الارتياح إليك والحنين، ودهرهم الزفرة والأنين…. أسألك حبّك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يوصلني إلى قربك.. وأن تجعلك أحب إليّ مما سواك، وأن تجعل حبي إياك قائداً إلى رضوانك، وشوقي إليك ذائداً عن عصيانك، وامنن بالنظر إليك عليّ، وانظر بعين الودّ والعطف إليّ، ولا تصرف عني وجهك.. واجعلني من أهل الإسعاد والحظوة عندك، يا مجيب يا أرحم الراحمين)!.. هنيئاً لمن تحولت نفسه إلى مثل هذا الفعل!..

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.